اشتمل كتاب الله على كل ما يهم الإنسان في دينه ودنياه وجميع أمره، ووردت آيات الضحك والبكاء في القرآن الكريم على أساليب وأحوال مختلفة، يحمل كل أسلوب منها الكثير من المعاني، وهم نعمتان عظيمتان من نعم الله على عباده.
مجمع اللغة العربية
ووفقًا لما ذكره مجمع اللغة العربية على صفحته الشخصية «فيسبوك» فقد ذكروا أن الضحك هو انبساط الوجه وبدُوّ الأسنان من السرور. ومن أجل ذلك سُمِّيت مقدمات الأسنان "الضواحك". والضَّحِك: اسم جنس تحته نوعان: التبسم والقهقهة. وقد ذكر الضحك بصور اشتقاقية مختلفة في القرآن الكريم عشر مرات، لا تخرج في جملتها عن المعاني اللغوية المذكورة.
والبكاء: إسالة الدمع من الحزن، وقد يكون مصحوبًا بصوت وعويل.
وقد تكرر ورود البكاء في القرآن الكريم بصيغ مختلفة سبع مرات. والله – سبحانه وتعالى – هو الذي قضى أسباب الضحك والبكاء. قال تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} (سورة النجم: 43).
تدلنا هذه الآية الكريمة من سورة النجم على الإعجاز الإلهي في خلق الضحك والبكاء، حيث يستطيع العقل الإنساني الذي منحه الله – سبحانه وتعالى – للإنسان أن يحس بما يُضحك أو يُبكي. ومن ثم فإن الإنسان يتميز عن سائر المخلوقات بأنه المخلوق الوحيد الذي يستطيع أن يضحك أو يبكي. فهو يضحك إذا سمع أو رأى ما يبعثه على الضحك، قال تعالى: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ} (سورة النمل: 19)، أو إذا أحسَّ بسعادة غامرة. {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ.ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ} (سورة عبس: 38-39).
وأحيانًا يكون الضحك من قبيل السخرية والاستهزاء: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} (سورة المطففين: 29). وأما عن البكاء، فالإنسان يمكن أن يكون بكاؤه خوفًا وخشية وخشوعًا، قال تعالى: {إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} (سورة مريم: 58)، وقال تعالى: {وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} (سورة الإسراء: 109). وقد يكون البكاء من الألم أو الندم: {وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(سورة التوبة: 82).
البكاء
والبكاء هو أول ما يواجه الطفل به حياته عند ولادته، حيث تكون رئتاه مغلقتين أثناء وجوده في بطن أمه، لأن الدورة الدموية في جسمه تمر خلال فتحة بالقلب تسمى الفتحة البيضاوية إلى رئة الأم مباشرة دون أن تمر برئة الطفل، ولا يبدأ استعمال الرئتين إلا عندما يبكي الطفل فور ولادته، فيعمل البكاء على إغلاق الفتحة البيضاوية بقلبه ويفتح القفص الصدري فيتجه الدم إلى رئتيه اللتين تكونان قد تفتَّحتا نتيجة لهذا البكاء ليدخل إليها الهواء وتبدأ عملية التنفس الطبيعية.
تأثير الإشارات الكهربائية
ويرى العلماء أن ما يصيب الإنسان من حزن وبلاء يسبب وصول إشارات كهربائية شديدة إلى المخ الذي يرسلها بدوره عن طريق الأعصاب إلى أي عضو من أعضاء الجسم المختلفة فتؤثر في وظيفته بدرجات متفاوتة.
فإذا وصلت تلك الإشارات إلى القلب مثلاً فإنها تحدث خللاً في ضرباته، وقد تؤدي أحيانًا إلى موت مفاجئ، وإذا وصلت إلى الكبد فإنها تُربك عملية التمثيل الغذائي وقد تؤدي إلى مرض السكر، وإذا وصلت إلى المعدة فإنها تسبب الآلام والتقلصات، وتؤدي إلى زيادة الحموضة، وربما تسبب الإصابة بقرحة المعدة، وإذا وصلت إلى المرارة فإنها تحدث تقلصات بالقناة المرارية وتُحدّ من قدرتها على إفراز عصارتها، مما يؤدي إلى ترسيب الأملاح وتكون الحصوات بالحويصلة المرارية.
أما إذا وصلت الإشارات الكهربية الناشئة عن الإحساس بالألم والحزن إلى الأمعاء فإنها تسبب الانتفاخ وتحدث ارتباكًا في عملية الهضم، وقد يحدث أن تصل هذه الإشارات إلى الأطراف فيحدث الإحساس بالتنميل والضعف والإصابة بأمراض عصبية نفسية.
سبيل للوقاية
وتمر مثل هذه الإشارات الكهربائية المفاجئة بقناة عصبية فيتم امتصاصها والحد من وصولها إلى أجزاء الجسم. وقد لوحظ أن الإحساس بالرضا والتحلي بالصبر والإيمان وأداء الصلاة عند الشدائد يقوّي هذه القناة وينشط وظيفتها فتمنع جميع الإشارات من الوصول إلى الجسم وتقيه من أضرارها.
الإشارات الضارة
وإذا كانت الصدمة عنيفة والحزن شديدًا، فإن المخ يوجه الإشارات الزائدة عن قدرة قناة "الهيبوثالاماس" إلى أجهزة وأعضاء بالجسم يكون زيادة نشاطها وعملها غير ضار، مثل الغدة الدمعية، فيذرف الدمع الذي يغسل العين، أو مثل: عضلات القفص الصدري التي تتحرك – سواء في الضحك أو البكاء – فيزيد ذلك من عمل الرئتين، مما يفيد في تنقية الدم من ثاني أكسيد الكربون. وقد تفيد الإشارات في تحريك بعض عضلات الوجه، وهذا مطلوب بين آن وآخر.
ولكل هذا فإن البكاء والضحك نعمتان تفيدان في تصريف تلك الإشارات الضارة الزائدة عن قدرة قناة "الهيبوثالاماس" وتحويلها إلى أعضاء أخرى يكون زيادة عملها مفيدًا للجسم.
البكاء عند الشدائد
ولابد لكل إنسان، مهما زاد إيمانه وقوي تحمله، من أن يبكي أحيانًا عند الملمات والشدائد لتصريف الزائد من الإشارات الكهربائية المفاجئة الواردة إلى المخ، وقد تؤخذ بعض أنواع الأدوية المهدئة لتحد من وصول هذه الإشارات الضارة إلى أعضاء الجسم، ولكن تأثير هذه العقاقير يزول بمجرد انتهاء مفعولها، والإنسان المؤمن ليس بحاجة إلى مثل هذه العقاقير والمهدئات ما دام صابرًا على الشدائد وراضيًا بقضاء الله وقدره.
تبسَّم ضاحكًا
يبدو أن ابتسام سيدنا سليمان عليه السلام كان من باب التبسُّم الذي فيه أقل الضحك وأحسنه، وجاء لفظ "ضاحكًا" حالاً مبيّنا معنى السرور والرضا في الابتسام، الذي قد يكون في مواقف أخرى منبئًا عن سخرية أو احتقار أو تعجب أو عتاب، أو غير ذلك.
ابيضَّتْ عيناه
ويؤدي الحزن الشديد أحيانًا إلى العمى، حيث تتعكر قرنية العين وتصبح غيمية بيضاء نتيجة تغيرات في أوعيتها الشعرية لأسباب كثيرة من أهمها الانفعالات العصبية النفسية. ولقد أشار القرآن الكريم إلى ما أصاب سيدنا يعقوب نتيجة الحزن على ولده يوسف عندما أخبره أبناؤه بأن يوسف قد أكله الذئب، فقال تعالى: {وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} (سورة يوسف: 84).
المصدر: كلمات ربي وآياته في القرآن والكون، أ.د.أحمد فؤاد باشا (عضو المجمع)، مجمع اللغة العربية، القاهرة، ط 1، 2014م.