الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الكاتب سمير الفيل مؤرخ الحارة المصرية في مراحل الفوضى والارتباك: القصة القصيرة فيها سحر لا يقاوم.. ليس كل ما يكتب يقرأ وينقد.. توجد جوائز عربية حولها بعض الاستفسارات |حوار

الكاتب والقاص سمير
الكاتب والقاص سمير الفيل

كاتب شامل بالمعنى الحرفي، فقد كتب الشعر والقصة القصيرة والرواية والمسرحية، وكتب دراساته النقدية في عدة مجلات متخصصة منها: "فصول"، و" الفكر المعاصر"، و" أدب ونقد".

سمير الفيل، المقيم في مدينة دمياط ، من الأسماء المهمة فيما يسمى بأدب الحرب، خاصة في روايته "رجال وشظايا"، كما خصص قافلة باسم "في حب نجيب محفوظ "  لتجوب قرى ومراكز محافظة دمياط. 

يتحدث في حواره مع "صدى البلد"، عن تجربته الأدبية التي تزيد عن الـ 52 سنة، متواصلة ، حقق فيها إنجازات عظيمة، دون أن يغادر مسقط رأسه ، وإلى نص الحوار:

 

  • خاض الكاتب سمير الفيل تجربة أدبية متنوعة ما بين القصة والرواية والمسرحية.. أي التجارب أقرب لقلبك ولماذا؟

تنوعت كتاباتي بشكل مثير، لكنه في نفس الوقت غير مقصود، بل جاء طبيعيا ففي بداية فورة الشباب وتبعا لهزيمة الخامس من يونيو 1967 بدأت كتابة الشعر وبالتحديد إبان حرب الاستنزاف ( 1969ـ 1970) ونتج عن ذلك خمسة دواوين شعرية تحول أولها "الخيول" إلى عرض مسرحي حمل عنوان "غنوة للكاكي" وقدم في مهرجان نوادي المسرح الاول سنة 1990. 

كنت أفوز بالجوائز الأولى في مسابقات "أدب الحرب" تحديدا سنوات 1974 ، 1975 ، 1976، ولكن اتجاهي للسرد كلية تحقق مع صدور مجموعتي الأولى: "خوذة ونورس وحيد" 2001،  بعدها استمرت مجموعاتي في الصدور، وكان أحدثها مجموعة "ليمون مر" عن دار غراب للنشر.

 وقد كتبت المسرح وقدمت فيه عشرات التجارب منها: " كلوا بامية "، "ملاعيب شيحة"، "أبواب القدس"، كما حولت تجارب مسرحية لمحسن يونس وحلمي ياسين ومصطفى الأسمر إلى عروض مسرحية.

 

 

بالإضافة إلى ذلك ساهمت في مسرح الطفل منذ سنة 1974 بعدة مسرحيات منها "الأراجوز" الذي أخرجته فاطمة المعدول لقصر ثقافة الطفل، وأكملت مشواري بعروض جماهيرية منها مسرحيات: "الساعة العجيبة"، "عودة أيزيس الجميلة"، "حكايات خضراء " وغيرها.

 لكل فن أدبي طقوسه وآليات كتابة مختلفة عن الأخرى، يجمعها عناصر أساسية منها: الصدق الفني، والوعي بحقائق الأشياء، والنزعة الجمالية التي تبتغي المتعة بالإضافة لعنصر مهم هو المعرفة. 

 لا يمكنني أن أفضل شكل أدبي على الآخر، وربما حظيت مجموعاتي القصصية باستقبال كبير سواء من النقاد أو من الجمهور.

 

 

  • هل ترى أنك حققت نجاحات أكبر مع كتابة القصة القصيرة بدلًا من الشعر؟

هذا ما يراه النقاد المتخصصون فقد ألمحوا إلى كون أعمالي القصصية تلتحم بقضايا المجتمع وتعبر عنها بصدق واحترافية، فالروائي الدكتور محمد إبراهيم طه يبين أن قصص سمير الفيل هي نسيج من مجتمع له مشاكل وبه عيوب، الجنود لهم خلفية اجتماعية، ليس في طبعهم شراسة الحرب، طيبون يسعون إلى العيش في سلام لكنهم في حالة تعرضهم لظلم فإنهم يصيرون شيئا آخر ".

ويقول الدكتور جورج جحا في تقرير لوكالة أنباء (رويتر): "يقص سمير الفيل بسهولة ومحبة دافقة تشمل عالم قصصه إجمالا وبدقة تنقل التفاصيل حية "، أما الشاعر سيف بدوي فيبرز جانبا مهما في قصص الفيل، يقول: فهو "ذلك الكاتب الذي كسر سطوة مركزية الحياة الثقافية،  فأنجز هذا النتاج الأدبي والإنساني النبيل، دون أن ينتقل إلى القاهرة الساحرة، تلك النداهة التي لم تفلح ندهتها أن تعزله عن، خصوصية وفرادة موطنه (دمياط) ، بما تعبق به من علاقات وسمات شديدة السحر والخصوصية ، بناسها و شوارعها و حواريها و مقاهيها، بتاريخها وحاضرها النابض". 

 

 

 

وتتناول إيمان الزيات مجموعتي "جبل النرجس" وفيها يدير نمط القص الذي يجمع بين البسيط والرمزي والكوني، ويملك مهارة اقتناص لحظة ذكية وشحنها بالإنسانية حريصاً كل الحرص على تحقيق أكبر قدر من الصدق، والحيوية، والطرافة، والمفارقة المقبولة، راسماً الأبعاد الإنسانية الكفيلة بإشاعة الحرارة في النص، ومشيراً  إلى العادات والتقاليد والجغرافيا والمفردات البيئية والتاريخية بصورة يسهل معها الانتماء للمكان السردي وللشخوص فخلعُ السمة المحلية على النص جزء من أصالته وملمح من ملامح هويته ونسبه .

وأوضح الناقد إبراهيم جادالله سمات المكان في مجموعة "خوذة ونورس وحيد"، بقوله: "يتحقق المكان في قصص سمير الفيل، عبر اتصاله واشتباكه بأمرين غاية في الأهمية الإبداعية، وهما  الإحساس، والذاكرة، واستطاع سمير الاعتراف بالمكان  من مدقات وخنادق، وصحراء ودبابات ومطابخ ومنحدرات، وكناتين وسرايا.

وإذا انتفى الإحساس بوجود المكان، فإن وجوده في الكاتب ينتفى معه، وهو أمر مغاير بلا شك لإبداعات سمير الفيل، وخاصة في ميدان القصة والرواية، سواء تلك التي كتبها عن الحرب وسنينها، أو قصصه الأخرى التي تغامر بالغوص في حياة الناس والأشياء.

 

 

 

هذه المقتطفات قد تسهل للقارئ  التعرف على الكيفية التي يكتب بها القاص نصوصه وسمات التقاط عناصر الحكي في تجاربه كلها.

 

 

 

 

  • ما الذى جذبك إلى القصة القصيرة دون غيرها من أجناس الأدب الأخرى؟

بدأت تجربتي الأدبية بالشعر فهو صداح، متعال، وبه لمسة سماوية وشطحات خيالية، لكنني فيما بعد تعمقت في تأمل الحياة فوجدت السرد قادرا على الإجابة عن الكثير من أسئلتي المبدئية عن الكون والحياة والموت، عن الحب والسفر والاحلام. 

القصة القصيرة فيها سحر لا يقاوم، والتصاق بالأرض، ورسائل لا تنتهي تنبع من هذا الواقع، لذلك يحتاج القاص الحقيقي إلى استغراق تام في ديوان الحياة اليومي، وإدراك العثرات التي توقع البشر في مكائد ومحن،  وهو ما حاولت التعبير عنه في مجموعاتي القصصية.

 كما أنني وجدت أن كل تجربة سردية، تختلف في اللغة والأدوات عن غيرها، فقصص "هوا بحري" ليست نفسها قصص "صندل أحمر"، كما أن اللمحات السردية في " قبلات مميتة " تختلف كل الاختلاف عن طبيعة " حمام يطير". 

أحيانا أنحاز لثراء الحدوتة وأحيانا أخرى أشحذ همتي لأقدم كشوفا في اللغة، وكثافتها، ونفاذية الحدث فيها كما حققت ذلك في مجموعتي "الأبواب" و" اللمسات". 

 أنا كاتب أبحث عن جذور الأشياء، أتتبع مصائر أبطالي بقدر كبير من الحنو، وأناوش الدنيا كلها لأتعرف على دواخل الشخصيات التي تتكتم أمورها، ولا تبوح بها إلا في القليل النادر. 

 

 

 

  • عانت القصة القصيرة خلال الفترة الماضية العديد من الأزمات.. كيف ترى وضعها في الوقت الحالي بمصر ؟

لا أوافق على هذا الطرح، فقد استفاد جيل الخمسينيات من تشيخوف وجي دي موباسان وكافكا وكازنتزاكي كما قرأوا لألبير كامي وناتالي ساروت ومالك حداد فأثروا تجربتهم خاصة مع جيل منه الكتاب الحقيقيين مثل: صبري موسى، إبراهيم اصلان، بهاء طاهر، عبدالحكيم قاسم، جمال الغيطاني، محمد مستجاب، خيري شلبي، وغيرهم.

عندما جاء جيلي طور في الرؤية والأدوات فوجدنا معالجة رصينة لكتاب لهم رؤية جمالية مختلفة، نجدها عند: إبراهيم عبد المجيد، سلوى بكر ، د. محمد المخزنجي، د. محمد المنسي قنديل، يحيى مختار، سعيد سالم ، محسن يونس، وفيق الفرماوي، جار النبي الحلو، نبيل نعوم، حجاج ادول، نجوى شعبان، عفاف السيد،  ثم جيل عادل عصمت، محمد ابراهيم طه، صبحي موسى، حمدي أبو جليل، وغيرهم.

كل جيل قدم كشوفاته الجمالية وطوروا من الأداء الفني كما فعل كتاب مهمون جدا: أمين ريان، وسيد الوكيل، وشريف صالح، وعزت القمحاوي، وهويدا صالح، وسعد القرش، وسعيد نوح، وطارق إمام، ومحمد بركة ..  كل هؤلاء الكتاب المهتمين بالتأصيل لفن القصة القصيرة التي تتشكل وتتلون حسب خبرتهم يضفون ثراء على اللوحة الكلية . 

 

 

 

 

 

  • كيف تري دور النقاد والدراسات الأدبية للإصدارات الجديدة هل يظهر أثرها في حركة الإبداع؟

لست مع نوبة التباكي على غياب النقد أو شحوبه فالمطابع العربية تخرج شهريا آلاف الكتب ومتابعتها صعبة للغاية، أنا أرى الصورة بشكل مشرق، ففي الأجيال الماضية كان يوجد: سهير القلماوي، ومحمد مندور وعبدالمحسن طه بدر، وعلي الراعي، ولطيفة الزيات، انتهاء بجابر عصفور، وصلاح فضل، محمد العبد، وغيرهم من أساطين النقد. 

حاليا يوجد جيل أشد قربا من الحركة الأدبية، جيل لديه أدواته النقدية المنفتحة على العصر، فثمة نظريات بنيوية وتفكيكية وتحليلية ونقد ثقافي، هذا تيار عظيم يعالج النصوص بفهم ووعي ومن نماذجه النقاد المتحققين أمثال: حسين حمودة، محمد بدوي، خيري دومة، هيثم الحاج علي، محمود الضبع، السيد فضل، أحمد بلبولة، مصطفى الضبع، اعتدال عثمان، السيد البحراوي، وغيرهم. 

الحاكم، تيار الإبداع هادر، والنقد يقوم بمهمته ولكن ليس كل ما يكتب يقرأ وينقد، وتلك إشكالية.

 

 

 

  • حصلت مؤخرًا على جائزة ساويرس الثقافية.. كيف ترى الجوائز الأدبية في الوطن العربي؟ وهل تحكمها المحسوبية والمجاملات؟

حصلت على جائزتين مختلفتين: جائزة الدولة التشجيعية 2016، عبر لجنة قرأت النصوص وقدمت تقاريرها، وجائزة ساويرس فئة كبار الكتاب 2020 أسماء اللجان محترمة، ولا يشكك أحد في نزاهتها، بينما توجد جوائز عربية حولها بعض الاستفسارات منها النظرة الجغرافية والفوز بالدور والاتفاقات المسبقة، وغير ذلك. 

 

 

  • التزمت بالإقامة فى دمياط ولم تجذبك أضواء القاهرة.. فكيف كسرت حاجز المحلية؟

هو اختيار، لا أدعي أي بطولة من أي نوع، كنت قد تزوجت وصارت لي أسرة، فمن الطبيعي أن أهبط من منزلي كل يوم لشراء الفول والطعمية والعيش، ومكان سكني قريب من مكان عملي (أنا بالمناسبة عملت مدرسا ابتدائيا 40 عاما)، وجدت أنه من الأفضل أن استمر في مكاني خاصة أنني أكتب بشكل أفضل عن وقائع رأيتها وحضرتها ويهمني أن أكون في نطاق بيئي يعرفني وأعرفه كي أكتب بشكل احترافي، فلماذا أذهب للقاهرة والدكتور عبدالقادر القط قد نشر لي 21 قصة أو يزيد بطابع البريد؟ 

 

 

ـ  توجد فجوة ثقافية بين كبار الكتاب وصغارها.. كيف يتم معالجة ذلك، وماذا تقول للشباب؟

ـبين كل جيل والذي يليه أزمة ثقة وإنكار للآخر، والمسألة تتكرر بشكل منتظم وقد كسر هذه الحلقة الجهنمية بعض كبار الكتاب بحسهم الإنساني وفي مقدمتهم: يحيى حقي، ومحمد جبريل وإلى حد ما .. الأستاذ نجيب محفوظ، الذي ما زلت استمتع بكتاباته فلا يطولها العطب مهما مرت بنا الأيام. 

شخصيا، مد لي يد العون ثلاث شعراء في بداياتي الأولى: محمد النبوي سلامة من دمياط، ثم عبدالرحمن الأبنودي، وسيد حجاب، لقد لعب الثلاثة دورا مؤثرا في تعريفي بالناس، وعمري 17 عاما.

 

 

 

 

  • ما رأيك في مبادرة حياة كريمة وتطوير القرى المصرية؟، وماذا تحتاج تلك القرى لتطويرها ثقافيًا؟

 في تصوري أن البنيان الشاهق والمعمار الهائل يعوزه وفي خط مواز رؤية ثقافية لتلعب الفنون والآداب دورا في بناء مجتمع متماسك يرنو ببصره للمستقبل، يحتاج الأمر إلى خطط واقعية لا لمظاهر شكلية وهي مهمة صعبة جدا، وعلينا هنا مذاكرة تجربة العظيم ثروت عكاشة، ومن بعده سعد كامل، وسعد الدين وهبة، هؤلاء كما اتصور كانوا من البنائين العظام. 

 

 

ـ حدثنا عن كتاباتك الأخيرة؟

أصدرت ثلاث مجموعات قصصية في توقيتات متقاربة وكلها من دار نشر غراب، المجموعات هي: "حذاء بنفسجي بشرائط ذهبية"، " فك الضفيرة" وليمون مر". 

ما يميز هذه الكتب أنها معالجات سردية لوقائع حياتية لبشر عاش معهم الكاتب، تأمل أوجاعهم، رصد هزائمهم، شاركهم أحلامهم غير أن عبوس الواقع جعله يرصد بحياد بالغ تلك الأسرار التي أخفوها عن الآخرين، وعن ذواتهم المعذبة، فبدت ظلال الأشياء وحدها أما الجوهر فهو واقع في مناطق خفية. 

في ليمون مر" مثلا، تعالج المجموعة العلاقات التي تنشأ من تقاطع إرادات مختلفة كل يريد أن ينتصر لنفسه، ويوقع الآخرين في شباك التخبط وانعدام الحيلة ، ولأن الوجود ذاته مأزق فثمة إحباطات تسير في خطوط مقاطعة مع الآمال العميقة التي تشتبك بما في الحياة من حزن وبؤس وتعاسة.