قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

صدى البلد

أحمد الأشعل يكتب: العقارات في مصر بين وهم الفقاعة العقارية وتحديات الركود الاقتصادي

×

شهدت السوق العقارية المصرية خلال العقد الأخير نمواً كبيراً وتوسعاً غير مسبوق حيث أصبحت العقارات واحدة من أبرز مجالات الاستثمار التي تجذب المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء ومع هذا الازدهار في القطاع العقاري بدأت بعض الأصوات تتحدث عن احتمال حدوث فقاعة عقارية وهي تلك الحالة التي تتضخم فيها أسعار العقارات بشكل غير مبرر نتيجة المضاربات والطلب المتزايد على الوحدات العقارية سواء السكنية أو التجارية دون وجود طلب فعلي أو قدرة شرائية حقيقية على المستوى البعيد ومع تزايد هذا الحديث لا بد من إلقاء نظرة أعمق على فكرة الفقاعة العقارية وتحليل ما إذا كانت هذه المخاوف مبررة فعلاً في السوق المصرية.

لفهم الحديث عن الفقاعة العقارية لا بد أولاً من تعريف هذا المصطلح الذي ارتبط تاريخياً بأزمات اقتصادية كبيرة في دول عديدة الفقاعة العقارية تحدث عندما ترتفع أسعار العقارات بشكل مفرط وغير مستدام نتيجة لتوقعات متزايدة ومضاربات كبيرة في السوق وعادة ما يكون هذا الارتفاع في الأسعار بعيداً عن الأوضاع الاقتصادية الحقيقية أو قدرة الأفراد على الشراء وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار مفاجئ في السوق حيث تتراجع الأسعار بشكل حاد مما يتسبب في خسائر كبيرة لكل من المطورين والمستثمرين والمشترين الذين لم يتمكنوا من بيع وحداتهم أو استرداد استثماراتهم وهذا ما حدث في الأزمة المالية العالمية التي شهدها العالم في 2008 حيث انفجرت الفقاعة العقارية في الولايات المتحدة الأمريكية وتبعتها عدة دول أخرى محدثة ركوداً اقتصادياً عالمياً.

لكن عندما نطبق هذا المفهوم على السوق العقارية في مصر نجد أن الوضع مختلف تماماً حيث أن هناك عدة عوامل تجعل من غير المحتمل أن تشهد مصر فقاعة عقارية على المدى القريب أو المتوسط ومن أهم هذه العوامل الطلب الحقيقي والمتزايد على العقارات في مصر فمصر دولة يزيد عدد سكانها عن 100 مليون نسمة ومع النمو السكاني المستمر وارتفاع نسبة الشباب الباحثين عن سكن مناسب يشكل هذا الطلب المستدام عنصراً قوياً يحافظ على توازن السوق العقارية حيث أن الأفراد في مصر لا يشترون العقارات فقط لأغراض المضاربة والاستثمار السريع بل لاحتياجات فعلية سواء للسكن أو لأغراض تجارية مما يقلل من احتمالية حدوث فقاعة عقارية.

العامل الثاني الذي يجعل السوق العقارية في مصر قوية ومستدامة هو المشروعات القومية الكبيرة التي تقودها الحكومة المصرية مثل العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة ومشروعات الإسكان الاجتماعي هذه المشروعات تلعب دوراً كبيراً في توفير الوحدات العقارية لمختلف الشرائح الاجتماعية وتساعد في تلبية الطلب المتزايد على السكن كما أنها تسهم في تنظيم السوق وتقديم حلول عقارية تلائم مختلف الفئات مما يقلل من فرص حدوث تضخم غير طبيعي في الأسعار خاصة أن الحكومة المصرية تعمل على وضع سياسات تحفيزية لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية في القطاع العقاري كما تسعى لتوفير بيئة عمل مستقرة ومواتية للمطورين العقاريين من خلال تقديم تسهيلات وضمانات مختلفة.

ومع ذلك لا يمكننا تجاهل التأثيرات السلبية التي قد تحدث نتيجة لارتفاع أسعار الفائدة على السوق العقارية فزيادة أسعار الفائدة تجعل الحصول على التمويل العقاري أكثر تكلفة بالنسبة للأفراد وهذا قد يؤدي إلى تباطؤ في حركة البيع والشراء حيث يصبح الحصول على قروض عقارية أصعب وأغلى تكلفة وهو ما قد يؤدي إلى تراجع الطلب على الوحدات السكنية من قبل المشترين المحتملين وفي نفس الوقت يواجه المطورون العقاريون تحديات كبيرة في تمويل مشروعاتهم نتيجة لارتفاع تكلفة الاقتراض مما قد يؤدي إلى تأخير أو تباطؤ في تنفيذ مشروعات جديدة وبالتالي قد يتأثر العرض العقاري في السوق وهذا ما قد يؤدي إلى حالة من الركود المؤقت في السوق العقارية نتيجة لزيادة تكلفة التمويل وارتفاع أسعار الفائدة.

لكن من المهم أن نوضح أن هذا الركود المحتمل بسبب ارتفاع أسعار الفائدة لا يعني بالضرورة وجود فقاعة عقارية فالركود في حد ذاته قد يكون نتيجة طبيعية للتغيرات الاقتصادية التي تشهدها البلاد والعالم خاصة في ظل الظروف الاقتصادية العالمية الحالية التي تشهد معدلات تضخم مرتفعة وزيادات متكررة في أسعار الفائدة التي تقوم بها البنوك المركزية للسيطرة على التضخم الركود يعني تباطؤ حركة البيع والشراء نتيجة لتراجع الطلب وليس انهياراً في الأسعار كما يحدث في حالة الفقاعات العقارية التي تترافق مع تراجع حاد في الأسعار وإفلاس العديد من المستثمرين والمطورين وهو ما لا نتوقع حدوثه في السوق المصرية في الوقت الحالي.

ومع الأخذ في الاعتبار أن السوق العقارية في مصر لا تواجه فقاعة عقارية وأن الطلب على الوحدات السكنية مستمر ومستدام إلا أن ارتفاع أسعار الفائدة قد يؤثر بشكل مؤقت على حركة السوق ولهذا فإن المطورين العقاريين والمستثمرين وكذلك المسوقين العقاريين يحتاجون إلى التكيف مع هذه التحديات والتعامل معها بحذر وذكاء.

ختاماً، إن الحديث عن سوق العقارات في مصر يبرز أهمية فهم الديناميكيات المعقدة التي تحكم هذا القطاع الحيوي الذي يمثل أحد دعائم الاقتصاد المصري ورغم الحديث المستمر عن إمكانية حدوث فقاعة عقارية في مصر فإن الواقع يكشف عن وجود طلب حقيقي ومتزايد على الوحدات العقارية يسانده النمو السكاني المستمر والمشروعات القومية الكبيرة التي تنفذها الحكومة والتي تهدف إلى تلبية احتياجات السكان وتوفير بيئة سكنية ملائمة ومع ذلك لا يمكن إنكار أن السوق تواجه تحديات حقيقية نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة التي تؤثر بشكل مباشر على قدرة الأفراد على الحصول على تمويل عقاري وهذا يتطلب من المطورين والمستثمرين والمسوقين أن يكونوا أكثر حذراً في تعاملاتهم وأن يتكيفوا مع الظروف الاقتصادية المتغيرة.

لذا ينبغي على المطورين العقاريين التركيز على تقديم مشاريع تستهدف احتياجات السوق الحالية والمستقبلية وتحليل البيئة الاقتصادية بشكل مستمر قبل اتخاذ قراراتهم الاستثمارية بحيث يتجنبوا الانجراف وراء توقعات غير واقعية كما يجب أن يعملوا على تطوير نماذج تمويل مبتكرة تقلل من الاعتماد على الاقتراض وتحقق الاستدامة في المشاريع المطروحة في السوق.

أما المسوقون العقاريون فعليهم أن يدركوا أهمية تقديم قيمة حقيقية للعملاء وعدم الاكتفاء بالترويج للعقارات كمجرد استثمار بل يجب أن يكونوا قادرين على تسليط الضوء على المزايا الفعلية للعقارات المعروضة وكيف تلبي احتياجات المشترين بشكل فعلي وعلى المستثمرين أن يتحلوا بالوعي الكافي لتقييم المخاطر بشكل موضوعي والتأكد من أن استثماراتهم مبنية على أسس واضحة ومستدامة بعيداً عن المضاربات السريعة التي قد تعرضهم لمخاطر كبيرة.

في النهاية، يتطلب النجاح في السوق العقارية المصرية قدرة على التكيف مع المتغيرات السريعة والبحث الدائم عن الفرص الحقيقية التي تعكس قوة السوق والاستمرار في تطوير استراتيجيات مناسبة تتماشى مع الاحتياجات الفعلية للمستهلكين والمستثمرين مع الانتباه إلى التحديات الاقتصادية الحالية وفي ظل هذا الإطار يمكن للقطاع العقاري المصري أن يواصل النمو والاستقرار وأن يسهم بشكل فعّال في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة للبلاد.