الشيخ الحصري هو أحد أدوات القوي الناعمة للدولة المصرية ،وعلامة فارقة لمدرسة فريدة في تاريخ دولة التلاوة في العالم الإسلامي بأكمله ،أمتع خلالها الملايين من شتي أنحاء العالم بأول مصحف مرتل مجود للإذاعة المصرية وأول مصحف معلم.
وإن كان أول من أمر بجمع القرآن الكريم الصحابي الجليل أبو بكر الصديق وأول من نسخه الصحابي الجليل عثمان ابن عفان، فيحسب للشيخ الحصري أنه أول صوت يجمع القرآن الكريم مرتلاً على أسطوانات بالقراءات العشر الصحيحة، وقد أصبحت هذه التسجيلات مرجعاً أساساً لقارئي القرآن الكريم ومستمعيه في كافة أنحاء العالم الإسلامي، وظلت إذاعة القرآن الكريم تقتصر على إذاعة قراءاته للقران منفردا نحو عشر سنوات حتى أسماها مستمعيها إذاعة الحصري .
ترتيل القرآن يجب أن يكون تجسيد حيا للمفردات القرآنية ،هكذا كان مفهوم التلاوة عند الشيخ محمود خليل الحصري، الذي نجح في جعل مدلولاته المجردة تصل الي المستمع من خلال تلاوته للنص القراني، فيضعه في صورة ذهنية ومواجهة عقلانية مع النص السماوي.
أستطاع الشيخ الحصري أن ينقل لنا معاني ايات الذكر الحكيم لمعظمنا دون تفسير، باسلوبه السهل الممتنع وبعذوبة صوته، ووضوح مخارجه ومقادير المدود والغُنات ومراتب التفخيم والترقيق ومناطق الوقف والإبتداء كما تقضي به علوم القراءات.
الشيخ الحصري تمتع بإحساس إستثنائي في التلاوة، حيث أستندت قراءة الشيخ الحصري علي الشكل التقريري الذي لايعتمد علي أستعراض الأمكانيات والطبقات الصوتية، بقدر مايعتمد علي دقة أحكام التجويد ،فتشعر وكأنه يقرأ القران كما أنزل من السماء بدون زخارف صوتية، فكانت تلاوة الحصري الخطوة الأولى لمن أراد حفظ وتلاوة القرآن الكريم، لذلك طلبت منه وزارة التربية والتعليم تسجيل المصحف المعلم الذي تربي عليه معظمنا وعلق في آذان كل من سمعه .
أسلوبه المتفرد والعبقري في التلاوة ،جعل دول عدة تطلب من مصر تسجيل القرآن الكريم بالقراءات العشر، فسجل الحصري القرآن للمغرب برواية ورش وللسودان وإفريقيا برواية الدوري عن أبي عمر، ولتونس وموريتانيا وليبيا برواية قالون عن نافع.
طاف الحصري العالم شرقا وغربا لتعليم علم القراءات التي برع فيها، وأستقبله العديد من ملوك ورؤساء دول العالم، وكان الحصري أول من قرأ القرأن في الهند خلال زيارة رسمية بصحبة الرئيس جمال عبد الناصر، وأول و آخر قارئ رتل القرآن الكريم في الكونجرس الأمريكي والبيت الأبيض بعد مرافقتة الرئيس أنور السادات في زيارته التاريخية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ،كما كان أول من تلا القرآن فى الأمم المتحدة والقاعة الملكية بلندن.
وكان الحصري القارئ المصري الوحيد الذي أم المصلين داخل الحرم المكي ،بعدما قدمه مقرئي وأئمة الحرم للصلاة فأبكى المصلين وقررت الحكومة السعودية السماح له بالقراءة في الحرمين كلما زار الأراضي المقدسة.
مكانته المتفردة رشحته لنيل العديد من الأوسمة ،أبرزها جائزة الدولة التقديرية من الطبقة الأولى عام 1967، رحم الله شيخا شغفه علم القراءات العشر بروايتها و أسانيدها حتى أصبح عالما فيه، له اثنا عشر مؤلفا فى علوم القرآن الكريم. .
وعندما أمتهنت العمل الاعلامي ومن أجل تحسين قدراتي اللغوية، نصحني أساتذتي بالأستماع إلي الشيخ محمود خليل الحصري ،لما له من قدرات لغوية هائلة وعبقرية خالصة في علوم تجويد القرآن، فكان لي ولغيري مدرسة في تعلم ضبط مخارج الألفاظ والقراءة المتقنة ، والحديث عن شيخ عموم المقارئ المصرية والجمال الطاغي لروعة تلاوته التي تتسرب برفق لشغاف القلب والروح لا ينتهي ونهر لاينضب.