تلوح في الأفق السياسي والإعلامي داخل إسرائيل إرهاصات مرحلة ما بعد الحرب، أو ما يسمى بمرحلة ما بعد الصدمة ورد الفعل، والتي تشمل تقييم ومحاسبة كافة الجهات والأفراد عن كارثة طوفان الأقصى التي أذلت الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر، ولكن المفاجأة الجديدة التي كشف عنها تقرير تفصيلي لموقع وللاه العبري، أن الجيش أصيب بصدمة كبيرة جديدة غير معركة اقتحام السياج العازل، ألا وهي أن الجيش كان عاجزا أمام حماس في معاركة داخل غزة، وأنه أصيب بصدمة بعد ما جمعه من معلومات استخباراتية كشفت حجم المقاومة الفلسطينية، والتي كانت بقدر لم يتخيله.
[[system-code:ad:autoads]]
وتحدث التقرير بتفصيل دقيق عن كوارث الجيش الإسرائيلي قبل وأثناء الحرب الحالية بغزة، وأنه غير قادر على حسم المعركة، وأن هناك قناعة واضحة بذلك داخل الجيش، وهو ما يدفعهم لاستغلال تلك الفترة للاستعداد لما أسموه الحرب القادمة، وفند التقرير التحركات الخاصة بإعادة بناء جيش الاحتلال مع التخلص من ترهلات وكوارث الماضي، واستيعاب التطور المذهل للمقاومة الفلسطينية، بالإضافة للعمل على احتواء البعد الإقليمي للتحرك العسكري وهو ما يحدث فى الحرب الحالية، وجبهات سوريا ولبنان واليمن والعراق التي فتحت خصيصا دعما للقضية الفلسطينية.
أكبر كارثة و الاعتماد على العناصر الغير بشرية
وكانت أولى النقاط التي حللها تقرير الصحيفة العبرية، هو أكبر الأخطاء التي أدت إلى كارثة طوفان الأقصى، هو الاعتماد الكبير لدى الاحتلال على العنصر الغير بشري في منظومته الأمنية، وقالت أن مجتمع الاستخبارات "وقع في حب" مصادر غير بشرية، في تأمين غلاف غزة والاعتقاد بأن المزيد من الميزانيات على تلك التكنولوجية ستحل المشاكل أمام الجيش الإسرائيلي، ويوفر عليه الكثير من العمل الذي يتعين عليه القيام به لحماية الدولة، وفيما يتعلق بتعلم الدروس أيضا، فقد ذكر التقرير أن هناك استيعاب الآن لضرورة الحفاظ على نجاحات نظام الدفاع الجوي والاعتراف بالقوة الاحتياطية داخل الجيش، وليس إهمالها كما حدث في السنوات الماضية.
وترصد الصحيفة العبرية، أنه بينما حاولت قيادة الجيش الإسرائيلي والشاباك فهم معنى الحادثة غير العادية التي وقعت على الجانب في قطاع غزة ليلة 6-7 أكتوبر 2023، وربط قطع صغيرة من المعلومات الاستخبارية، لم يتمكن أحد من توقع الهجوم، رغم كم المعلومات التي توفرت بأن حماس تستعد له، بل وكانت الصدمة أن تلك المعلومات حين مقارنتها بما حدث على أرض الواقع، يتكشف أنها كانت تفصيلية ولا ينقصها إلا معرفة موعد هذا الهجوم، ولكن الثقة في العنصر الغير بشري عطل التحليل البشرية العسكري الطبيعي، وهو ما أحدث الخلل داخل الجيش.
الاستخبارات تعجز أمام صدمة السنوار ومنظومة الأنفاق
ويكشف التقرير، والذي يعتمد على مصادر عسكرية من جيش الاحتلال، أن أجهزة الاستخبارات المختلفة - من الإيمان إلى الشاباك إلى الموساد - كان لديها ما يكفي من المعلومات الاستخبارية ذات الأسس المتينة والواسعة، لبناء الصورة الكاملة لخطة حماس الغارة في كافة مراحلها، وكان واضحاً لدى أجهزة الاستخبارات أن حماس تملك الوسائل اللازمة لمثل هذه الغارة الواسعة، لكن تم اكتشاف ثقب أسود في كل ما يتعلق بفهم نوايا العدو، فقد كان جميع الأجهزة الإسرائيلية، منغمسين جنبًا إلى جنب بعمق شديد في تصور مفاده أن حماس تواجه تسوية طويلة الأمد مع إسرائيل وتحسين الاقتصاد الفلسطيني، لكنهم لم يفهموا ذلك، وأن نوايا السنوار تختلف تماما عن الواقع 180 درجة.
وما زاد من الشعور بالفشل الخطير هو مئات الآلاف من الوثائق التي كانت موجودة في مكاتب كبار مسؤولي حماس وتم نقلها إلى داخل إسرائيل، كانت تشير إلى عملية تحضير منظمة لم يبق لها سوى القليل، وكذلك زاد صدمة الجيش حين دخل في المعركة البرية بغزة، وما اكتشفه من المصفوفات المحفورة تحت الأرض على نطاق أكبر بكثير وأكثر تعقيدًا مما كان يعرفه مسؤولو الاستخبارات، وإن الإمكانيات الهندسية وطرق بناء الأنفاق تجعل من الصعب تدمير البنية التحتية على عمق عشرات الأمتار تحت الأرض وتحديد مواقع الهياكل الأكثر سرية التي يختبئ فيها كبار مسؤولي حماس في خان يونس محاصرين بالرهائن.
3 نقاط داخلية أضعت الاحتلال
وجاء بالتقرير، أنه يمكن الإشارة إلى أن ثلاث نقاط شكلت نقطة ضعف مجتمع الاحتلال بأكمله:
أولها العداء بين عمان والشاباك، لدرجة أنه انزلق من الظل إلى شعاع الشمس ومن هناك إلى وسائل الإعلام، كان من الممكن أن يؤدي التوتر الداخلي بين المؤسسات إلى مزيد من الأفكار الكارثية.
النقطة الثانية تدور حول الافتتان بالذكاء السيجيني (الإشارات)، والاعتماد على الذكاء البيزنطي والنشاط في الفضاء الإلكتروني، وبدرجة أقل بكثير بالذكاء الإنساني (الإنساني)، ولم يتصل أي مصدر قبل ساعات من الهجوم ويقول مثل عشية يوم الغفران قبل خمسين عاما: "حماس تواجه الحرب".
الثالثة تنقسم إلى نقطتينوهي الحاجة للمطالبة من عناصر الاستخبارات في الفرقة والقيادة الإقليمية لتوسيع التعمق في مجال البحث عن العدو ونواياه، كل في قطاعه، بما يتحدى أجهزة التحصيل المركزية في المجتمع، ويوسع استقلالية الاستخبارات، ويدعم أهداف الفرقة والقيادة في المواقف الروتينية والطارئة مع التركيز على المناورات التكتيكية، إلى جانب هذا، يجب تعزيز هيئات المراقبة في الوحدات المختلفة فقد تم إضعاف كيبور بشكل كبير، بما في ذلك لجنة الشؤون الخارجية والدفاع، وهيئات المراقبة الموجودة في وزارة الدفاع، وجيش الدفاع الإسرائيلي، وعمان.
استعداد الجيش الإسرائيلي لحرب متعددة الساحات قادمة
ويكشف التقرير تفاصيل من داخل الجيش، عدم قدرة الجيش حسم المعركة الحالية، والاستعداد للحرب القادمة، والتي ستكون على عدة جبهات في نفس الوقت، ويعترف أن هناك أضرار لحقت بجدول التدريب بسبب فيروس كورونا، والميزانية، والعبء على دائرة الرقابة الداخلية، والاحتجاجات الاجتماعية، والأضرار التي لحقت بالثقة، بجانب المناوشات بين المستويات السياسية والأركان وانخفاض كفاءة القوة الجوية نظرا لاحتجاج الطيارين ومشغلي الطائرات بدون طيار وعناصر مقر العمليات، وهي أمور كانت كفيلة بحدوث تلك الكارثة.
ولتحقيق هذه الغاية، يقوم الجيش الإسرائيلي بالفعل بإنشاء شريط أمني واسع بعمق كيلومتر واحد على الأقل في الأراضي الفلسطينية، وتعزيز قوات التجميع بتقنيات إضافية، وتوسيع قوات الدفاع على الحدود وفي الأراضي الإسرائيلية مع التركيز على قوات الاحتياط المتنقلة وتوسيعها، وفصول احتياطية مزودة بمعدات ومعايير وتدريبات كبيرة وواسعة النطاق من الماضي، وبالنسبة للدفاع الجوي، فرغم أنه التشكيل الوحيد الذي كان جاهزا للحرب من النهاية إلى النهاية ولكن تحدياته طوال الحرب زادت وتضاعفت مع التركيز على الساحات القريبة والبعيدة والأساليب المختلفة المستخدمة ضد الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ومع ذلك حافظ على نسبة اعتراض عالية جداً.
وفيما يخص ما حدث خلال الحرب الحالية، فقد فهم الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، أن دمج فرق الجيش الإسرائيلي الحاسمة في المناورات البرية في قطاع غزة، يفرض على إسرائيل فاصلاً واسعاً جداً، بحيث يمنعها من المناورة إلى لبنان أو المناورة ولكن بدفع أثمان باهظة، لذلك، فإن أحد أبرز استنتاجات الحرب لما هو قادم، هو توسيع فرق المناورة إلى أراضي العدو، وتعزيز الفرق الأمامية، وهي فرق حاسمة مجهزة بدبابات متقدمة وناقلات جنود مدرعة بأنظمة مثل "سترة الرياح" و "السهم الحفزي" وذلك قبل زيادة مستويات المخزون من الذخيرة والأسلحة ومنظومات الأسلحة المتنوعة لقتال مكثف للغاية في عدة قطاعات في نفس الوقت لعدة أشهر.