ألقى خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، الدكتور حسن الصغير، رئيس أكاديمية الأزهر العالمية للتدريب، والتى دار موضوعها حول "عام جديد.. أمل وعمل".
الله تعالى أعطى للعبد الفرصة في الحياة ليراجع نفسه
وقال د. حسن الصغير، إن الأيام والأعوام من تقدير الله فعام يدبر وعام يقبل، والبشر في إقبال الأعوام وإدبارها فريق يحسبها بسير القمر وآخر بدوران الشمس، وجعل الله سبحانه وتعالى دوران الفلك وتعاقب الأيام وتوالي الليل والنهار آية بها يدرك الإنسان ما له وما عليه، مبينا أن في القرآن بيان لهذا المنهج الإلهي الرباني الذي يعلم الناس ويذكرهم بأن إدبار الأعوام وإقبال ما بعدها، وتوالي الأيام وتعاقبها، سبيل للتذكير ولأن يتولي الإنسان بنفسه حساب عمله قبل أن يحاسبه ربه.
وأضاف خطيب الجامع الأزهر ، أن الله عزّ وجلَّ لم يخلقنا عبثاً، بل لغاية ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾. وفى عبادة الله إيمان وعلم، وعمل وإصلاح، وإعمار للكون لتجديد معنى الخلافة في الأرض؛ بينه المولي تبارك وتعالي في سورة الإسراء قال تعالي: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾. القانون الإلهي قانون هداية ونظام واجب تمهيداً لقانون الآخرة.
وأشار د الصغير، إلى أن الدنيا عمل وتكليف وسعي وكد وفي الآخرة الحساب، شاء المولي تبارك وتعالي أن يجعل لنا في الحياة مجالاً للحساب قبل حساب الآخرة، وللإستدراك قبل ألا يكون هناك مكان للإستدراك، فالإيمان والعمل يذكران العبد بعلاقته بربه، وبنفسه وبالناس أجمعين، وبعد تحقيق الإيمان وإحسان العمل، دع التدبير للمولي عزَّ وجلَّ، ولا تتعجل، فقد يأتيك الخير من حيث لا تدري؛ عليك فقط بأن تصبر وتسلم أمرك لله.
وبيّن خطيب الجامع الأزهر، أن المولي جل وعلا يذكرنا بأن نهج الإيمان والعمل وما يترتب عليهما في الدنيا من خير أو شر، يجب أن يخضع للحساب، وألا يغفل نغفل عن ذلك حتي تأتينا الساعة فنقول: ﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾، قال تعالي: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا﴾. خلقنا ربنا، وعلمنا الحساب، وعلمنا القرآن والبيان.
وأوضح أنه من رحمة الله أن جعل الإنسان في دنياه بتراكم الأيام والأعوام يقوم بعمل كشف حساب لما مَرَّ في حياته، ليذكره بأن كل ما عمله الإنسان في هذه الحياة الدنيا، سيلقاه يوم القيامة، في كتابه الذى يوضح ما له وما عليه. قال تعالي: ﴿وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمنَٰهُ طَٰٓئِرَهُ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَومَ ٱلقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلقَىٰهُ مَنشُورًا (13) ٱقرَأ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفسِكَ ٱليَومَ عَلَيكَ حَسِيبٗا (14) مَّنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَة وِزرَ أُخرَىٰ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبعَثَ رَسُولٗا﴾، ففي الأخرة تكون المحاسبة، يقرأ كل عبد كتابه بنفسه، كتاب لم يترك صغيرة ولا كبيرة إلا وسجلها منذ أن جري عليه التكليف.
وتابع: ومع ذلك فالله سبحانه وتعالى أعطي للعبد الفرصة في الحياة ليراجع نفسه ويتدارك الأخطاء وأن يرجع ويتوب إلى الله الذي يقبل توبة عبده الصادقة، قال تعالي: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. مَرَّ عام، قم باستعراض ما كان في ذلك العام مع الله، مع نفسك، ومع الناس، راجع وحاسب نفسك ولا تيأس من رحمة الله وارجع إليه سبحانه، فبابه مفتوح لا يُسد. قال تعالي: ﴿وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾. وابدأ عامك الجديد بالجد في العمل والطاعة، حاسب نفسك وزن أعمالك قبل أن توزن عليك، وتزود من التقوي والعمل الصالح. قال تعالي: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ﴾.