الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الصين تواجه خطر الانكماش .. هل تنهار ثاني أكبر قوة اقتصادية في العام؟

صدى البلد

يعاني الاقتصاد الصيني، الذي يعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، تحديات كبيرة في الفترة الحالية بسبب تأثير وباء كوفيد-19 والتوترات التجارية والجيوسياسية مع الولايات المتحدة ودول أخرى. حسبما ذكرت شبكة “بي بي سي”.

تباطؤ النمو وخطر الانكماش

كانت الصين أول دولة تتأثر بانتشار فيروس كورونا المستجد، وأول دولة تفرض إجراءات صارمة للحد من انتشاره. هذه الإجراءات أدت إلى توقف شبه كامل للنشاط الاقتصادي في الربع الأول من عام 2020، مما أسفر عن انكماش بنسبة 6.8% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2019. وهذه هي المرة الأولى التي يشهد فيها الاقتصاد الصيني انكماشًا منذ بدء تسجيل بيانات الناتج المحلي الإجمالي عام 1992.

بعد ذلك، بدأ الاقتصاد الصيني في التعافي تدريجيًا مع استئناف عمل المصانع والمؤسسات وفتح الحدود مع بعض الدول. وسجل الاقتصاد نموًا بنسبة 3.2% في الربع الثاني، و4.9% في الربع الثالث من عام 2020. ومع ذلك، فإن هذه النسب تظل أقل من التوقعات، وأقل من مستوى النمو المستهدف من قبل الحكومة، والذي يبلغ 5.5% لعام 2020. كما أن هذه النسب تظهر تباطؤًا في وتيرة التعافي، مما يثير المخاوف من خطر حدوث انكماش جديد في حالة زيادة عدد الإصابات بالفيروس أو تدهور الظروف الخارجية.

نقص في الطلب المحلي والخارجي

أحد أهم عوامل تأثير كورونا على الاقتصاد الصيني هو انخفاض مستوى الطلب على المنتجات والخدمات سواء داخليًا أو خارجيًا. فعلى المستوى المحلي، تضرر قطاعات مثل التجزئة، والسياحة، والضيافة، والترفيه، والنقل من قيود التباعد الاجتماعي وانخفاض دخل المستهلكين. فقد تراجع مؤشر مبيعات التجزئة بنسبة 19% في يناير، و20.5% في فبراير، و7.5% في مارس، قبل أن يعود إلى النمو بنسبة 0.5% في أغسطس، و3.3% في سبتمبر. ومع ذلك، فإن هذا النمو يظل ضعيفًا مقارنة بالسنوات السابقة، ولا يكفي لتعويض الخسائر السابقة.

على المستوى الخارجي، تأثرت الصادرات الصينية بشدة من تراجع الطلب العالمي على المنتجات الصينية، خاصة في الدول التي تعاني من تفشي واسع للوباء، مثل الولايات المتحدة وأوروبا. فقد انخفضت قيمة الصادرات الصينية بنسبة 17.2% في يناير، و13.3% في فبراير، قبل أن تشهد تحسنًا مؤقتًا بنسبة 3.5% في أبريل، بفضل زيادة الطلب على المستلزمات الطبية والإلكترونية. لكن هذا التحسن لم يستمر طويلًا، حيث عادت الصادرات إلى التراجع بنسبة 3.3% في مايو، و1.3% في يونيو.

ورغم أن الصادرات شهدت ارتفاعًا بنسبة 9.9% في سبتمبر، فإن هذا الارتفاع يعكس أساسًا ضعيفًا للمقارنة، ولا يدل على استعادة كاملة للطلب الخارجي.

توترات تجارية وجيوسياسية مع الولايات المتحدة

تعد الصين والولايات المتحدة هما أكبر شريكين تجاريين في العالم، وأكبر اقتصادين في العالم. لكن هذه العلاقة تشهد تدهورًا مستمرًا منذ بدء حرب تجارية بينهما عام 2018، اتهمت فيها الولايات المتحدة الصين بممارسات غير عادلة، مثل التلاعب بالعملة، والدعم غير المشروع للشركات الحكومية، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، والتجسس التكنولوجي. وفرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على سلع صينية بقيمة 360 مليار دولار، في حين ردت الصين بفرض رسوم على سلع أمريكية بقيمة 110 مليار دولار. بالإضافة إلى مساندة واشنطن لاستقلال تايوان وتزويدها بمساعدات عسكرية لمواجهة الصين، التي تعتبر تايبيه جزء لا يتجزأ من أراضيها وترفض تدخل أي قوة خارجية في شؤونها الداخية.

وتصاعدت التوترات بين أكبر اقتصاديين في العالم خاصة في مجال الرقائق الالكترونية، حيث فرضت أمريكا قيودا تجارية كبيرة علي تصدير تلك الرقائق إلي الصين، من أجل منعها من استخدامها في صناعات الأسلحة.

أزمة في المنازل

تعاني الصين أيضل من أزمة المنازل، فهي مشكلة اقتصادية واجتماعية تتعلق بوجود عدد كبير من الشقق والمنازل الفارغة في مختلف أنحاء البلاد، بينما يعاني الكثير من المواطنين من صعوبة في تحمل تكاليف الإسكان. هذه المشكلة ناجمة عن عدة عوامل، منها، التوسع العقاري السريع والمضاربي الذي أدى إلى بناء المزيد من المشاريع السكنية دون مراعاة الطلب الحقيقي أو القدرة الشرائية للمستهلكين. التحفيز الحكومي لقطاع البناء كأحد محركات النمو الاقتصادي، والذي أدى إلى زيادة الديون والفقاعات في سوق العقارات. التشديد الحكومي على قطاع العقارات لمنع التجاوزات والتخفيف من المخاطر المالية، والذي أدى إلى تراجع المبيعات والتدفقات النقدية للشركات العقارية. تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد والطلب المحلي والخارجي على المنتجات والخدمات الصينية، والذي أثر سلبًا على قطاعات مثل التجزئة، والسياحة، والضيافة، والترفيه، والنقل.

وكان لأزمة المنازل في الصين تأثيرات سلبية على مستوى المعيشة والرفاهية للمواطنين، وكذلك على استقرار ونمو الاقتصاد الصيني. لذلك، تسعى الحكومة إلى اتخاذ إجراءات لحل هذه المشكلة، مثل تشجيع استخدام المنازل الشاغرة لأغراض اجتماعية أو اقتصادية، أو تخفيض أسعار المنازل لجذب المشترين، أو تحسين سياسات التمويل والضرائب لتسهيل حصول المواطنين على قروض سكنية.

أزمة ديموغرافية

وتواجه الصين أيضا في الفترة الحالية أزمات ديموغرافية غير مسبوقة، حيث وصل معدل المواليد في عام 2022 إلى ذروة سلبي، حيث بلغ معدل التكاثر الطبيعي 1.09، وهو انخفاض مقارنة بـ 1.15 في عام 2021. ويعد هذا أيضًا انخفاضا عن الذروة السلبية المسجلة في نفس العام في اليابان عند 1.26، أي أكثر بقليل من 0.8 في كوريا الجنوبية.

ويعتبر هذا الانخفاض السكاني الكبير في الصين هو المرة الأولى منذ ستين عاماً، مع تراجع قياسي في عدد الولادات، بمعدل 6.77 ولادة لكل ألف شخص. حيث بلغ عدد السكان العام الماضي 1.4118 مليار نسمة، في انخفاض بمقدار 850 ألفاً من عام 2021.

وسجلت البلاد 9.56 مليون ولادة و10.41 مليون وفاة عام 2022، بحسب المكتب الوطني الصيني للإحصاء. وتأثرت الاتجاهات السكانية في الصين على مر السنين إلى حد كبير من خلال سياسة الطفل الواحد المثيرة للجدل، والتي أقرت في عام 1979 لإبطاء النمو السكاني.

ألغيت تلك السياسة في عام 2016 وسمح للأزواج بإنجاب طفلين. لكن بعد سبع سنوات من إلغاء سياسة الطفل الواحد، دخلت البلاد ما وصفه أحد المسؤولين بـ "حقبة النمو السكاني السلبي”.