الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

باريس في ورطة.. أزمة النيجر تهدد إمدادات اليورانيوم لفرنسا وترقب لموقف "إيكواس"

النيجر
النيجر

لا صوت يعلو الآن في منطقة غرب إفريقيا عن التحركات السياسية التي تشهدها دولة النيجر، ولم ترضى عنها فرنسا "صاحبة النفوذ الأقوى بهذه المنطقة لسنوات طوال، حتى لفظتها شعوبها ولم تعد تقبل بأي تواجد لها، محملة إياها ما عانته من صراعات طاحنة  - فقر - أمراض - وتدهور في حياة البشر والحجر داخل القارة بأكملها وليس الجزء الغربي وحده"، إضافة إلى مجوعة من دول العالم.

فرنسا

قلق يصيب فرنسا

وينتطر العالم خلال الساعات القادمة ما ستسفر عنه الأحداث داخل النيجر خاصة بعد وعود وتصريحات مجموعة الإيكواس، حيث ناقش وزراء دفاع المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" خلال اجتماعهم في العاصمة النيجيرية أبوجا الخميس (3 أغسطس 2023) إمكانية التدخل العسكري في النيجر عقب التحرك السياسي، الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم وذلك في حالة فشل الجهود الدبلوماسية لإعادته إلى السلطة.

وتنتهي مهلة الأيام السبعة التي حددتها المجموعة، لقادة التحرك السياسي بدولة النيجر العضو بها بـ الإيكواس، لإعادة النظام الدستوري للبلاد أو مواجهة الاستخدام المحتمل للقوة، اليوم الأحد 6 أغسطس 2023.

وكانت إيكواس، برئاسة الرئيس النيجيري بولا تينوبو، قالت مساء الأحد الماضي، إن المجلس العسكري في النيجر لديه مهلة أسبوع لإعادة النظام الدستوري للبلاد، أو مواجهة الاستخدام المحتمل للقوة.

فيما قال عبد الفتاح موسى مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في إيكواس، الجمعة، إن قادة الدفاع في دول غرب أفريقيا وضعوا خطة لتدخل عسكري محتمل في النيجر للتصدي لللتحرك السياسي الأسبوع الماضي، وإن الخطة تتضمن كيفية وموعد نشر القوات.

وتعمل فرنسا من خلال مجموعة من الأصدقاء داخل أفريقيا، لإعادة التوازن السياسي داخل النيجر نتيجة رفضها ما يشهده البلد الإفريقي منذ أيام، وحفاظاً على مصالحها التي قد تتضرر خاصة بعد إعلان القادة السياسين الجدد في النيجر رفضهم الوجود الفرنسي في بلادهم، والعمل على وقف صادرات اليورانيوم والذهب إلى باريس.

وانزعجت باريس مما يشهده البلد الإفريقي وفرضت عقوبات تجاه قادة التحرك السياسي في النيجر، وهو الأمر الذي رفضه الحكام الجدد، وتضامن معهم قادة بوركينا فاسو ومالي، معلنين تصديهم لأي تحرك معادي ضد النيجر.

واعتبر وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو في مقابلة خاصة مع وكالة الأنباء الفرنسية أن التغيير السياسي في النيجر "خطأ فادح في التقدير، يضعف مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل، قائلا إن "النيجر هي واحدة من أفقر البلدان في العالم، 40% من موازنة البلاد تأتي من المساعدات الخارجية وستعاني بشدة إذا لم تتم إعادة النظام الدستوري".

أما في ما يتعلق بالتدخل العسكري، فأجاب "الإنذار صدر وليس لي أن أعلق عليه، نرى أن الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تتولى مسؤولياتها في إدارة هذه الأزمة".

ويشار إلى أنه كان قد قام قادة التحرك السياسي في النيجر بإلغاء اتفاقيات عسكرية عدة مبرمة مع فرنسا تتعلق خصوصاً بتمركز الكتيبة الفرنسية وبوضع الجنود الموجودين في إطار المعركة ضد المتطرفين.

كما أنه بعد توقف فرنسا عن استخراج اليورانيوم منذ ما يقرب من 20 عاما، أعتمدت على ثلاث دول لتأمين مما تحتاجه من اليورانيوم الطبيعي، وعلى سبيل المثال النيجر، ولكن هناك الآن مخاوف وقلق في فرنسا، حيث إن قادة التحرك السياسي في النيجر أعلنوا تعليق صادرات اليورانيوم إلى فرنسا، مما يعتبر ضربة قوية لباريس التي تعتمد على هذه المادة الحيوية بنسبة كبيرة في توليد الكهرباء.

ويغطي يورانيوم النيجر 35% من الاحتياجات الفرنسية، ويساعد محطاتها النووية على توليد 70% من الكهرباء، بالتزامن مع قرار فرنسا بتوسيع محطاتها النووية، وهناك قلق بشأن أنشطة مجموعة أورانو الفرنسية التي تدير منجماً كبيراً في البلاد، حيث تدير شركة أورانو الفرنسية للوقود النووي مواقع لتعدين اليورانيوم في شمال النيجر، وهي منطقة معرضة لتهديدات أمنية.

وتصنف النيجر ضمن أكبر 7 دول منتجة لليورانيوم في العالم في 2023، حيث إنها تنتج 33 ألف طن أي 6 % من الإنتاج العالمي، ففي 2022، أصبح إنتاج النيجر نحو ألفي طن من اليورانيوم مقارنة بأكثر من 4,500 طن في عام 2013، حسبما تشير إحصائيات الجمعية العالمية للطاقة النووية.

 فيصل جلول

تغير كبير بأفريقيا

وقال الكاتب والمحلل السياسي بباريس فيصل جلول، إننا أمام تغير كبير في أفريقيا وفي كل مكان، مشيراً إلى أن النظام العالمي المستند إلى القطب الواحد يتراجع، ويتراجع مع القطب الواحد حلفاؤه في كل مكان وفرنسا منهم، لافتا إلى أنه لا يعلم كيف ستتدخل فرنسا ضد الجيش في النيجر والشعب الذي يؤيد الجيش.

وأضاف جلول خلال تصريحات لـ"صدى البلد"، أن حلفاء فرنسا في غرب أفريقيا إن تدخلوا لن تبقى الجزائر وتشاد على الحياد، مشيراً إلى أن روسيا وفاجنر أيضاً سيشعلان النيجر والحريق سيمتد نحو بلدان أخرى دون أن يتمكن أحد من إطفائه، متابعا: أرجح ولا أؤكد أن "الجميع سيعترف بالأمر الواقع الناجم عن الانقلاب العسكري".

وأكمل: أما فيما يخص مخاوف فرنسا حول عنصر اليورانيوم والذي كانت تعتمد عليه من النيجر بشكل كبير، فقال المحلل السياسي، إن فرنسا تحصل على حاجتها من مواد أولية من بلدان ليست بالضرورة صديقة أو حليفة كالجزائر مثلا، و لا نعرف بعد صورة الوضع المقبل في النيجر، مشيراً إلى أن فرنسا براجماتية وقد تتوصل مع القادة الجدد إلى اتفاق حول اليورانيوم بشروط أصعب من ذي قبل لكن هذا نتركه للمستقبل.

وتابع المحلل السياسي: لا بد من الآن متابعة الوضع الجديد في النيجر لمعرفة صيغة الحكم المقبلة وتوجهاته الخارجية وهي برأيي لن تكون مشابهة ابدا لما كان عليه الوضع قبل الانقلاب، مشيراً إلى أن الضرر يلحق بفرنسا ولا أظن أن أمريكا ستخوض حربا للدفاع عن المصالح الفرنسية، أما روسيا فهي شريكة في الانقلاب عبر فاغنر ولن ترحم فرنسا التي تدعم أوكرانيا في الحرب.

من جانبها قالت الدكتورة جيهان جادو عضو مجلس محلي مدينة فرساي، إن ما يحدث في النيجر من تغيير سياسي سيضع فرنسا في مأزق كبير جدا بعد ما ألغت النيجر الاتفاقيات العسكريه مع فرنسا ليجعل فرنسا حائرة بين ضبط النفس وبين الخيار بالتدخل العسكري.

وأضافت "جادو" - خلال تصريحات لـ"صدى البلد": في الحقيقة فرنسا تواجه أزمة اقتصادية كبري تمارس عليها جراء الحرب الروسية الأوكرانية إلى الآن، وهي لا تفكر ابداً في وضع خطط أو تداخلات عسكرية في أي دولة حتى لا تضع البلاد تحت أزمة اقتصادية، لكن هي ايضا تفكر في حماية مصالحها الموجودة بالنيجر، لذلك الوضع خطير للغاية، ولدى فرنسا بين ألف و1500 جندي في النيجر للمساعدة في مواجهة التمرد الذي تشنه جماعات مرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية في المنطقة.

ولفتت إلى أن هناك مخاوف كبيرة من الجانب الفرنسي بشأن ما يحدث في النيجر، خاصة أن النيجر تعتبر مهمة اقتصاديًا بالنسبة لباريس، حيث تستخرج شركة الطاقة النووية الفرنسية الحكومية أورانو حوالي 15% من اليورانيوم المستخدم في مفاعلاتها من هناك، وتمثل الطاقة النووية بين 60 و70 % من كهرباء فرنسا، وهو واحد من أعلى معدلات العالم مما يجعل ما يحدث في النيجر بمثابة خطر اقتصادي مباشر على فرنسا، مما جعل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يعلن عن غضبه الشديد مما يحدث خاصة بعد إلغاء النيجر للاتفاقيات العسكرية.

واختتمت: "من وجهة نظري فرنسا ستحاول استخدام أقصي درجات ضبط النفس حيال تلك الأزمة، وأعتقد أنه سيكون هناك تدخلات ومحاولات من دول أخرى لمنع تفاقم الأزمة، وستحاول باريس البحث عن بدائل أخرى حتى تتجنب مخاطر اقتصادية ستقع عليها من جراء ما يحدث في النيجر".

وأكد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، أن استراتيجية إيكواس تحظى بدعمه، قائلا في الأمم المتحدة: "نعتقد أن ما تقوم به إكواس وما تدلي به من بيانات مهم وقوي ويحظى بدعمنا".

فيما قالت الصين أيضاً إنها تعتقد أن النيجر ودول المنطقة لديها الحكمة والقدرة على التوصل إلى حل سياسي.

كما أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أنه ضد أي تدخل عسكري في النيجر المجاورة، قائلا في مقابلة تلفزيونية مساء السبت: "نرفض رفضا تاما وقطعيا التدخل العسكري في النيجر"، مضيفا "ما يحدث في النيجر تهديد مباشر للجزائر"، مشددا على أن "التدخل العسكري لا يحل أي مشكلة بل يؤزم الأمور، الجزائر لن تستعمل القوة مع جيرانها".

جيهان جادو

تنديد دولي موسع

وأضاف الرئيس الجزائري: "الجزائر تتشارك حدودا بطول ألف كيلومتر تقريبا" مع النيجر، متسائلا "ما هو الوضع اليوم في الدول التي شهدت تدخلا عسكريا؟"، في إشارة إلى ليبيا وسوريا.

كما أعلنت تشاد المجاورة التي تعد قوة عسكرية مهمة، عدم مشاركتها في أي تدخل عسكري.

وفي بنين المجاورة للنيجر، أكد وزير الخارجية أولشيغون أدجادي بكاري، أن الدبلوماسية تظل "الحل المفضل"، لكنه قال إن "بلاده ستحذو حذو إيكواس إذا قررت التدخل".

وفي نيجيريا، حض كبار السياسيين الرئيس بولا تينوبو على إعادة النظر في التهديد بتدخل عسكري في النيجر، حيث دعا مجلس الشيوخ النيجيري "رئيس جمهورية نيجيريا الاتحادية بصفته رئيسا للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) إلى تشجيع القادة الآخرين في المجموعة على تعزيز الخيارات السياسية والدبلوماسية".

كما نصح أعضاء في مجلس الشيوخ من ولايات في شمال نيجيريا التي تتشارك سبع منها حدودا بطول 1500 كيلومتر مع النيجر، بعدم القيام بأي تدخل عسكري حتى يتم استنفاد جميع الخيارات الأخرى.

وقال تحالف الأحزاب السياسية المتحدة: "لقد تم إرهاق الجيش النيجيري على مر السنوات في محاربة الإرهاب وجميع أساليب التمرد التي لا تزال نشطة إلى حد كبير"، فيما دعا الرئيس تينوبو هو الآخر "إيكواس" إلى القيام بكل ما يجب للتوصل إلى حل ودي للأزمة في النيجر.

كما أشار الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، جوزيب بوريل إلى أن "الاتحاد الأوروبي يدعم موقف إكواس وجميع الإجراءات التي اتخذتها ردا على الانقلاب في النيجر"، لافتا في تصريحات له إلى أن "الاتحاد الأوروبي يحمل قادة التغيير السياسي في النيجر مسؤولية أي هجوم على السفارات"، معتبرا أن "الرئيس محمد بازوم المنتخب ديمقراطيا هو رئيس دولة النيجر الوحيد ولا يمكن الاعتراف بأي سلطة غير سلطته".

يذكر أنه في 30 يوليو 2023 وبعد أربعة أيام من التحرك السياسي الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد بازوم في 26 يوليو، أمهلت دول غرب أفريقيا قادة التحرك السياسي سبعة أيام، أي إلى غاية مساء اليوم الأحد، لإعادة بازوم إلى منصبه تحت طائلة استخدام "القوة".

وشهدت النيجر الجمعة والسبت، تظاهرات دعم لقادة التحرك السياسي في مختلف أنحاء البلاد، رفع خلالها العلمان النيجري والروسي، إضافة إلى صور القادة الذين نفذوا التغيير السياسي، بحسب التلفزيون الرسمي وصحفيين محليين.

وقال مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) عبدالفتاح موسى، في 4 أغسطس 2023 إن قادة الدفاع في المجموعة وضعوا خطة لتدخل عسكري محتمل في النيجر للتصدي للتحرك السياسي في النيجر، مضيفا أن المجموعة لن تكشف لمدبري الانقلاب متى وأين ستكون الضربة، مضيفاً أن القرار سيتخذه رؤساء الدول.

وفرضت "إيكواس" بالفعل عقوبات على النيجر، وقالت إنها قد تجيز استخدام القوة إذا لم يقم قادة التحرك السياسي بإعادة السلطة للرئيس بازوم بحلول اليوم الأحد.

وقالت روسيا أيضاً إن أي تدخل من جانب قوى غير إقليمية مثل الولايات المتحدة لن يجدي نفعا، وكررت دعوتها للعودة إلى الحكم الدستوري، لكن مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة رحبت بالتحرك السياسي في النيجر.

محمد بازوم