الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحرب الباردة تشتعل من جديد في 2023.. أمريكا تحاصر الصين بغواصات نووية بعد معركة إلكترونية| ملامح الصراع

أمريكا والصين
أمريكا والصين

"نعم، أمريكا في حرب باردة مع الصين .. وقد حدث ما حظر منه هنري كيسنجر من أننا في سفوح حرب باردة" .. هذا ما قاله المؤرخ نيال فيرجسون هو مؤرخ اسكتلندي يعمل كزميل في معهد هوفر، وكان محاضرًا في جامعة هارفارد، ويبدو أن تلك الكلمات التي قالها منذ عدة سنوات تترجم على أرض الواقع من قرارات وتحركات تصاعدت بقوة منذ بداية 2023.

وبالرجوع إلى التاريخ، وقراءة دروس الحرب الباردة بالحقبة السوفيتية، نجد أنها تنطق على الوضع الحالي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، حيث السعي لإجماع الحزبين والحلفاء، مع تجنب الصراع المسلح، والحصار الاقتصادي، وخلال 2023، نجد هذا حادثًا، سواء في اتفاقية حذّر الرقائق الإلكترونية للصين، أو تحالفات الشرق الأوسط الجديدة، وأخيرًا كانت اتفاقية أوكوس والغواصات النووية، وتلك هي ملامح الحرب الجديدة.

حصار عسكري يبدأ بغواصات نووية باتفاق أوكوس

آخر التحركات في تلك الحرب الباردة، هو ما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أعلن الرئيس جو بايدن أمس الاثنين، هو توقيع ما أطلق عليه اتفاق أوكوس، والذي تضمن هدفين في خطوة واحدة ممن أهداف الحرب الباردة، الأول هو تكوين تحالف يشمل أستراليا وبريطانيا بجانب أمريكا، يكون على توافق في محاصرة الصين، أم الهدف الثاني، هو تشكيل قوة عسكرية كقوة ردع بالقرب من الصين ومحيطها المالي.

وشمل اتفاق الأمس، أن تقوم الولايات المتحدة، ببيع ثلاث إلى خمس غواصات تعمل بالطاقة النووية إلى أستراليا، وهي خطوة غير مسبوقة من المتوقع أن تمهد الطريق أمام كانبيرا للمشاركة في تطوير ثم بناء قوارب هجومية خاصة بها في العقود المقبلة، حيث قام بايدن ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز بتفصيل نهج مكون من ثلاث عبارات في صفقة أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة المعروفة باسم AUKUS.

ووفقا لما نشرته الصحف الأمريكية، فمن المفترض أن ينتهي هذا الاتفاق بإنشاء لندن وكانبيرا نسخًا متقدمة من السفينة شديدة الحساسية لقواتها البحرية، وقال بايدن: "الدول الثلاث لديها التزام مشترك بضمان بقاء منطقة المحيطين الهندي والهادئ حرة ومنفتحة ومزدهرة وآمنة، وإيجاد فرصة للجميع، والتزام مشترك لخلق مستقبل متجذر في قيمنا المشتركة"، ثم أضاف في إشارة إلى الصين : "نحن نضع أنفسنا في أقوى موقف ممكن لمواجهة تحديات اليوم وغدًا - معًا."

المسار الأمثل للاتفاق الجديد لتدشين مرحلة ما بعد 2027

وحدّد بايدن الخطوات في "المسار الأمثل"، بدءًا من المرحلة الأولى، والتي تشمل غواصات أمريكية وبريطانية تزور موانئ في أستراليا وتضمين هؤلاء البحارة في القوات الأمريكية والمملكة المتحدة ومدارس الطاقة النووية، وتستخدم كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالفعل الدفع النووي في غواصتيهما، لكن أستراليا لا تفعل ذلك، وابتداءً من عام 2027، ستشارك الدول الثلاث في قوة غواصة دوارة تسمى على نحو ملائم قوى تناوب الغواصات الغربية.

وبمجرد تدريب عدد كافٍ من الأستراليين وتملك الدولة بنية تحتية كافية لإيواء العديد من الغواصات، فإنها تنتقل إلى المرحلة 2، حيث ستشتري Canberra ثلاث غواصات تعمل بالطاقة النووية من طراز فرجينيا من الولايات المتحدة مع خيار شراء غواصتين أخريين إذا لزم الأمر، وسيحدث ذلك في الثلاثينيات من القرن الحالي إذا تم إدخال تحسينات على التمويل الأمريكي والأسترالي والبنية التحتية لأحواض بناء السفن الأمريكية.

تحدى أمام الاتفاق الجديد

وفق ما نشرته صحيفة بولوتيكو الأمريكية، فإن الرهان على قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على الحفاظ على الاهتمام والاستثمار اللازمين لبناء وتوسيع أحواض بناء السفن المطلوبة وتدريب قوة قادرة يجب أن تنجو من تغييرات الحكومات عدة مرات عبر الدول الثلاث في العقد المقبل، كما سيتعين تغيير قواعد مراقبة الصادرات في السنوات المقبلة للسماح بنقل أكثر التقنيات حساسية إلى أستراليا.

وحتى وصول غواصات فيرجينيا إلى أستراليا سيكون تحديًا لأن الشركتين اللتين تصنعهما، وهما جنرال دايناميكس إلكتريك بوت وهنتنغتون إينغلس إندستريز، غير قادرين على تلبية هدف البحرية الأمريكية المتمثل في إنتاج غواصتين سنويًا، حيث قال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية: "القاعدة الصناعية للغواصات الأمريكية ليست في المستوى المأمول، ووزارة الدفاع قدمت طلبًا أوليًا إلى الكونغرس، والذي تمت الموافقة عليه العام الماضي، وستكون هناك أموال إضافية في ميزانية هذا العام ".

وتابع المسؤول أن أستراليا ستساهم بمبلغ لم يكشف عنه من الأموال للمساعدة في هذا الجهد. "هذه فرصة للأجيال لرفع القاعدة الصناعية للغواصات للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبناء قاعدة لأستراليا". 

ضد الصين

وأوضحت الصحيفة الأمريكية، أن صفقة الغواصات والتكنولوجيا، تعد أكبر خطوة ملموسة نحو زيادة التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ التي أظهرتها واشنطن حتى الآن، على الرغم من تعهد ثلاث إدارات متعاقبة بالمزيد من الأموال والمزيد من القوات والمزيد من الاهتمام لمواجهة التعزيز العسكري السريع للصين، بينما كان القادة مترددين في التصريح علنًا بأن هذه الخطوة هي رد مباشر على تزايد سطوة الصين.

وقال مسؤول عسكري بريطاني كبير لـ POLITICO: "لا أستطيع أن أصدق لدقيقة أن بكين تجلس هناك وهي تفكر اتفاقية أوكوسو، إنه إحساس رائع"، وكذلك عند طرح ميزانية البنتاغون البالغة 842 مليار دولار أمس الاثنين، قالت نائبة وزير الدفاع كاثلين هيكس إن الاستثمارات تركز بشكل أساسي على ردع الصين، وتابعت: "هذه الميزانية الأخيرة توسع القدرة الإنتاجية بشكل أكبر، وتشتري الحد الأقصى من الذخائر الأكثر صلة بالردع، وإذا لزم الأمر ، للسيطرة على العدوان في المحيطين الهندي والهادئ".

حرب الشرائح الإلكترونية

ومن ضمن معارك الحرب الباردة التي اشتعلت تفاصيلها مع بداية 2023، هي حرب الشرائح  الإلكترونية، والتي باتت واحدة من أكبر أزمات الصناعة العالمية بين واشنطن وبكين، فهذه المرة يدور الصراع على شركة ماكينات لتصنيع الشرائح في هولندا، وحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" في تقرير مساء السبت، فإن الصين تريد شراء شركة تعد فريدة من نوعها في صناعة الشرائح من هولندا، ولكن الولايات المتحدة ترفض تنفيذ هذه الصفقة.

وضغطت بكين على الحكومة الهولندية للسماح لشركاتها بشراء شركة " أيه أس ام أل هولدينغ"  المتخصصة في نظام التصوير فوق الأشعة البنفسجية وتملك تقنيات تعد من المكونات الرئيسية في صناعة الشرائح الإلكترونية في العالمـ حيث تصنع الشركة الهولندية هذه الماكينات الفريدة من نوعها التي تستخدمها شركات الشرائح العالمية مثل "أنتل" الأميركية و "سامسونغ" بكوريا الجنوبية وشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات.

وحسب التقرير ترغب الصين في دفع 150 مليون دولار للشركة حتى تتمكن من توفير شرائح لنظام "جي 5" الذي تستخدمه هواتف هواوي والتي تعاني من حصار أميركي منذ ثلاث سنوات، وعلى الرغم من الضغوط الصينية فإن الحكومة الهولندية ترفض حتى التفاوض على الشركة بسبب المخاوف الأمنية، وكانت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، قد طلبت من حلفائها تشديد إجراءات بيع التقنيات المتقدمة للصين.

لجنة خاصة لحصار الصين داخل أمريكا

وربما في خطوة هي الأولى داخل مجلس النواب الأمريكي، وخلال 2023، تم تشكيل لجنة جديدة داخل المجلس تكون مختصة بدراسة وتحليل العلاقات الأمريكية الصينية، وكيفية مواجهة مخاطر بكين وحكومتها على المصالح الأمريكية، وبالفعل عقدت تلك اللجنة أول جلسة استماع لها، ذلك لاستكشاف التهديدات التي تشكلها الحكومة الصينية والحلول المحتملة من الحزبين، الجمهوري والديمقراطي.

وخلال الجلسة الأولى، حرصت اللجنة على الاستماع لعدد من المسئولين ذوي الارتباط بالشأن الصيني، حيث تحدث أربعة شهود - من بينهم إتش آر ماكماستر، مستشار الأمن القومي للرئيس السابق دونالد ترامب، وتونج يي، السكرتير السابق للمعارض الصيني البارز وي جينغ شنغ – وكان هناك 3 قضايا هامة بهذا الصدد، وهي قضايا تتعلق بـ"الأمن القومي - المنافسة الاقتصادية - حقوق الإنسان".

أولى قضايا الأمن القومي .. ملكية الأراضي الزراعية

وحرص المجتمعون على ترتيب القضايا محل الدراسة، وذلك وفق معايير المخاطر على الأمن القومي الأمريكي، وكان على رأس تلك القضايا، هي أحد المجالات المثيرة للقلق داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الملكية الأجنبية للأراضي الزراعية الأمريكية، حيث رصد التقارير الاستخباراتية الداخلية، أن هناك العديد من الكيانات الصينية تشتري ببطء المزيد من الأراضي الزراعية الأمريكية، ويرى بعض أعضاء الكونجرس أن ذلك يمثل تهديدًا للأمن القومي.

أحدهم هو النائب الجمهوري عن ولاية ساوث داكوتا، داستي جونسون، وهو عضو في اللجنة الجديدة التي تركز على الصين، وقد أخبر ستيف إنسكيب أنه في حين أن الصين ليست بأي حال من الأحوال لاعباً رئيسياً في الزراعة الأمريكية، فإن حيازاتها المتزايدة في الخارج مدعاة للقلق، وقال "الأمن الغذائي هو الأمن القومي، وأعتقد أننا رأينا أن روسيا كانت قادرة على ممارسة نفوذ لا داعي له على أوروبا لأنها زودتهم بالكثير من الغاز الطبيعي".

وتابع: "وبالمثل، إذا كانت الصين تسيطر على الإمدادات الغذائية في أمريكا الجنوبية، وأفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وحتى في أمريكا الشمالية، يمكن أن يمنحهم ذلك المزيد من القوة ، والمزيد من القوة القسرية، على العالم ".