الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إقصاء أم "إسلاموفوبيا" .. لماذا يحرق الغرب المصاحف؟ علماء الأزهر والإفتاء يوضحون

المصحف الشريف
المصحف الشريف

تعد جريمة حرق المصحف والإساءة للمعتقدات والمقدسات الإسلامية، واحدة من أكثر الأزمات التي تعرقل مسيرة الحوار بين الشرق والغرب، حيث تتسابق مع تكرار تلك المشاهد الدعوة إلى رفع غطاء حرية الرأي والتعبير عنها بوصفها ازدراء غير مقبول. 

لكن هل تكرار تلك الجرائم جزء من الإسلاموفوبيا أم أنها وجه آخر للتطرف؟، هذا ما نرصده من خلال رأي المؤسسات الدينية الإسلامية والمراصد التابعة لها في تحليل الظاهرة عن قرب.  

رغبة عدائية واضحة

مرصد الأزهر قال إن قضية حرق المصحف هي أمر مقصود يكشف لنا، رغبة عدائية واضحة ونية صريحة في استفزاز المسلمين، ذلك أن هذا الأمر لا يمكن أن يُنظر إليه على أنه اعتراض مقبول على موقف معين قام به شخص أو عدة أشخاص مسلمين، بل هو نية مبيتة للهجوم على كل المسلمين في العالم. 

وتابع: مما يؤكد هذا أن تيري جونز –على سبيل المثال- ذكر ذات مرة في مؤتمر صحفي له أنه لم يقرأ القرآن أبدًا، وبالتالي فهو موقف عدائي مبيّت ضد المسلمين، أشبه ما يكون بالمكايدة الطفولية، أو بالأحرى "البربرية" على حد تعبير الأزهر الشريف في بيانه شديد اللهجة في الرد على الحدث.

 

فعل متكرر عبر السنوات الأخيرة

الأزهر من خلال تحليله ورصده للأحداث أكد أن هذا الحدث لم يكن هو الأول من نوعه، إذ تكررت حوادث حرق المصحف الشريف خلال الأعوام الماضية عدة مرات، حيث على المدى القريب وفي السويد نفسها تم خبرًا في السياق ذاته بعنوان: "عقب هجوم ضد المسلمين، مسجد بالسويد يدين تدنيس المصحف"، حيث تم تعليق المصحف بسلسلة حديدية بشكل مهين بجوار باب المسجد، بل إن راسموس يقوم بين الحين والآخر بتنفيذ "عمليات حرق المصحف" في السويد والدنمارك. 

وتابع: مع توسيع دائرة البحث، لا يقتصر على السويد، بل هو فعل متكرر عبر السنوات الأخيرة الماضية، بدءًا من 2011م، عندما قام القس الأمريكي تيري جونز بحرق المصحف الشريف، وتكرر الأمر في بريطانيا في العام نفسه، ثم تكرر في فرنسا والنرويج وهولندا وألمانيا والدنمارك في فترات متباينة. كما أكد الدكتور أسامة الأزهري أن حرق المصحف الشريف همجية مرفوضة، موضحًا أن العالم أجمع تابع وقائع حرق نسخة من المصحف الشريف في دولة السويد أثناء إحدى التظاهرات التي تزعمها يمينيون متطرفون.

 

تغول للإسلاموفوبيا

قضية حرق المصحف بحسب الأزهر، أضحت مظهراً من مظاهر الاعتداء على المقدس الديني للآخر، موضحاً أن المقدس الديني هو شيء من أخص خصائص الإنسان، بل لا نبالغ إن قلنا: إنه أشد من الاعتداء على النفس والبدن. ولأن المقدس الديني أمر مرتكز في صميم النفس الإنسانية، فقد نهانا القرآن عنه نهيًا صريحًا وهو يقرر: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} (الأنعام: 108) إذا لا يعقل أن يكون من بين أهداف الوجود الإنساني التعارف والتواد مع الآخر، ونحن ننتهك مقدسات بعضنا بعضًا. 

وأردف: الأمر في حقيقته ليس مجرد اعتراض على موقف لبعض المسلمين، بقدر ما هو موقف من الإسلام نفسه، انطلاقًا من ظاهرة الإسلاموفوبيا التي يبدو أنها تتغول لتصل إلى حد غير مقبول، والنظرة العاقلة تدرك أنه لا بد من وضع حدود لمثل هذه التصرفات، إذ ينقل هذا الحدثُ الصراعَ إلى دائرة الصراع الديني الصريح مع جميع المسلمين في أنحاء المعمورة، وهو ما قد ينتج عنه عواقب وخيمة.

 

تخدم الجماعات المتطرفة

مرصد الإسلاموفوبيا التابع لدار الإفتاء المصرية كان له رؤيته الخاصة بجريمة حرق المصحف، حيث أكد أنَّ جريمة تمزيق المصحف الشريف مجددًا بهولندا تمثِّل استفزازًا صريحًا لمشاعر المسلمين في هولندا وخارجها، وتغذِّي مشاعر الكراهية والتمييز، كما تخدم الجماعات المتطرفة والتيارات الإرهابية.

وشدَّد على أنَّ احترام المقدسات الدينية بشكل عام والرموز الدينية بشكل خاص، يمثل أحد أهم حقوق الأمم والشعوب، ومن واجب الحكومات والنُّظم في مختلف بقاع العالم الحرص على أن تظلَّ تلك المقدسات بعيدةً عن الانتهاكات أو التشويه والإساءات المتعمدة.

وأشار مرصد الإسلاموفوبيا إلى أن هذه التصرفات العنصرية لا تؤمن بالتنوُّع والتعايش المشترك والتحاور والتعاون بين الأديان والحضارات، وترفض أُسس المجتمعات الحديثة وقِيَمها القائمة على المواطنة واحترام الآخر دون النظر للأبعاد الدينية والعقائدية.

وتابع مرصد الإسلاموفوبيا أنَّ هذه الأفعال والممارسات العنصرية تحاول استغلال البيئة المتحضرة في أوربا لتتستَّر خلف شعار حرية التعبير، لكنها تتغافل عن عمد أنَّ مناخ الحرية يسير بجانب مجموعة من القيم الأخرى القائمة على العيش المشترك والاحترام المتبادل سواء كان عقائديًّا أم عِرقيًّا.

 

الاضطهاد والتمييز

مرصد الإسلاموفوبيا بين أنَّ المسلمين والمهاجرين في بعض الدول يتعرضون لموجات شديدة ومتلاحقة من الاضطهاد والتمييز ومحاولات الإقصاء، من قِبل التيارات اليمينية المتطرفة المعروفة بممارساتها العدائية والإقصائية تجاه المسلمين؛ وذلك لجذب المزيد من الأنصار لتحريضهم على الممارسات العنصرية ضد المسلمين، والتي من شأنها زيادة سُعار الإسلاموفوبيا في البلاد بما يخدم مصالحهم السياسية والاجتماعية.

وطالب مرصد الإسلاموفوبيا المجتمع الدولي وكافة المنظمات الدولية الفاعلة بالعمل الجاد والسريع على وضع تشريع قانوني لمواجهة تلك الممارسات العنصرية ومكافحتها، وردع كافة أشكال التعصُّب وأنواع التطرف الديني، حتى يتم فتح المجال أمام كل ما هو إنساني وحضاري مشترك، ودعم قيم الحوار والتسامح والتعايش.

ودعا "الإسلاموفوبيا" إلى رفض مثل تلك الممارسات والأفعال المسيئة لمقدسات الإسلام والمسلمين، والوقوف ضدَّ التيارات اليمينية المتطرفة التي تغذِّي بدعايتها السوداء تيارات العنف والتطرف على الجانب الآخر، وتمنحها المبررات لتنفيذ هجماتها الإرهابية.

كما دعا مرصد الإسلاموفوبيا مسلمي هولندا على وجه الخصوص، والغرب عامة، إلى لعب الأدوار الإيجابية والفعَّالة في مجتمعاتهم، وتقديم النموذج والمثل في الولاء للوطن والدفاع عن مصالحه، وعدم الالتفات إلى تلك التصرفات والأفعال المسيئة التي تحاول اختلاق الصراعات وبثَّ الفزع من الإسلام والمسلمين في أوساط الغرب.