في مثل هذا اليوم، 7 مايو 1920، تم الاحتفال بتأسيس بنك مصر، ويعتبر تأسيس البنك في أوائل القرن العشرين بداية للاستقلال الاقتصادي لمصر، على غرار ثورة عام 1919 التي كانت بداية الاستقلال السياسي، ويعكس تأسيس بنك مصر نضج الشعب المصري في ذلك الوقت، حيث كانت الفكرة مستوعبة لجميع طبقات المجتمع، سواء كانوا أغنياء أو فقراء، صغارًا أو كبارًا.
تم إنشاء بنك مصر لسد الحاجة الملحة في الاقتصاد المصري للاستثمار في الأموال المحلية والمشاريع التي تعزز الاقتصاد المصري، في تلك الفترة، كانت أموال المدخرين المصريين تستثمر في البنوك الأجنبية مثل الأهلي وكريدي فونسيه، وهذا التحول سمح بتوجيه تلك الأموال للاستثمار في اقتصاد مصر بدلاً من الخارج. وسنتعرف على قصة تأسيس هذا المؤسسة الاقتصادية الكبرى.
في 29 أبريل 1911، استغل محمد طلعت حرب باشا اجتماع أعيان البلاد والكبار في المؤتمر المصري الأول، وتقدمت لجنة المؤتمر بفكرة إنشاء بنك مصري. وقرر المؤتمر بالإجماع ضرورة إنشاء بنك مصري برأسمال مصري. وبعد إجراء دراسة شاملة عن المصارف الوطنية وأساليب عملها في الدول الأوروبية، سافر محمد طلعت حرب باشا إلى أوروبا لدراسة فكرة إنشاء البنك.
وعندما صدر كتابه حول هذه الفكرة، اعتنقها جميع المصريين ودعموا تنفيذها. ومع ذلك، تداخلت الحرب العالمية الأولى عام 1914 وعطلت تنفيذ هذه الفكرة الوطنية العظيمة. وبعد انتهاء الحرب قبل نهاية عام 1918، اندلعت ثورة 1919، وكانت الثورة الخطوة الأولى في تحقيق ضرورة إنشاء البنك لتحقيق استقلال اقتصاد البلاد، ودعم الاستقلال السياسي.
في 5 أبريل 1920، صدر المرسوم السلطاني من سلطان مصر أحمد فؤاد بتأسيس شركة مساهمة تحمل اسم "بنك مصر". وفي 7 مايو 1920، تم افتتاح البنك رسميًا في القاهرة. وقد تم تعيين مجلس إدارة يتكون من عدد من رجال الأعمال والمصرفيين المرموقين لإدارة أعمال البنك.
إنقاذ بنك مصر
منذ تأسيسه، نجح بنك مصر في توفير خدمات مصرفية شاملة للأفراد والشركات في مصر. توسع البنك بمرور الوقت وأصبح له فروع ووحدات في جميع أنحاء البلاد، وتطورت خدماته لتشمل الودائع والقروض والتمويل والخدمات المصرفية الأخرى. وقد ساهم البنك بشكل كبير في تمويل العديد من المشاريع الاقتصادية الحيوية في مصر، مثل البنية التحتية والصناعات والزراعة والسياحة والطاقة.
وعلى الرغم من النجاح الذي حققه بنك مصر والإنجازات الاقتصادية التي قام بها ، إلا أن الأزمات المفتعلة من قبل سلطات الاحتلال الإنجليزي وبوادر بدء الحرب العالمية الثانية أدت إلى حالة من الكساد الاقتصادي ودفعت المخاوف الكثيرين لسحب ودائعهم لدى بنك مصر مما تسبب في أزمة سيولة، ومما زاد الأزمة سحب صندوق توفير البريد لكل ودائعه من البنك، ورفض المحافظ الإنجليزي لبنك الأهلي وقتها أن يقرضه بضمان محفظة الأوراق المالية، وعندما ذهب طلعت حرب إلى وزير المالية حينذاك حسين سري باشا لحل هذه المشكلة، وطلب منه إما أن تصدر الحكومة بيانا بضمان ودائع الناس لدى البنك، أو أن تحمل البنك الأهلي على أن يقرض بنك مصر مقابل المحفظة، أو أن تأمر بوقف سحب ودائع صندوق توفير البريد ، إلا أن حسين سري رفض ذلك بإيعاز من علي ماهر باشا بسبب قيام طلعت حرب بمساندة خصمه النحاس باشا من قبل، وأقترح الوزير حلا لهذه الأزمة لكنه أشترط تقديم طلعت حرب لاستقالته، فقبل على الفور هذا الشرط من أجل إنقاذ البنك وقال جملته الشهيرة “ من الآن ، مادام في تركي حياة للبنك فلأذهب أنا وليعيش البنك”.
وجاء هذا دليلا آخر على عبقرية محمد طلعت حرب باشا ، فقد أيقن أنه لا دوام للفرد ، وإنما الدوام لذكرى الفرد .. فاستحق عن جدارة لقب " أبو الإقتصاد المصري ".