الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فن اختيار أفضل طبعات الكُتب.. الإجابة عند عمدة محققي التراث العربي عبد السلام هارون

هارون في بورتريه
هارون في بورتريه لأنس عوض

أخرجتَ "تحويشتك" أخيرًا من "تحت البلاطة" ثم ذهبت لإحدى دور النشر العريقة في القاهرة. قد حددتَ منذ سنوات هدفك في ورقة صغيرة كتبت فيها قائمة بأمهات كتب التراث العربي التي تسعى لشرائها. وقفتَ أمام رفوف كتب الأدب العربي القديم لتجد نفسك حائرًا؛ هناك عدة نسخ من الكتاب الواحد.  

"كيف أختار أفضل طبعة من هذا الكتاب؟".. سؤال يراود كل محبٍ وعاشقٍ لمكتبة التراث العربي العريقة، بل ويراود بالتأكيد طلاب العلم والدارسين على جميع المستويات. 

إذ، وعلى مدار العقود الماضية، انتشرت العديد من الطبعات التجارية الرديئة لأمهات كتب التراث العربي كما كثُرت شكاوى البعض من بعض الطبعات التي تحذف منها دور النشر والقائمين عليها بعض الأخبار والمرويات لدوافع أيديولوجية ومذهبية. 

وهذا الأمر ليس بجديد للأسف علينا، بل هو أثرٌ طويل يعود تاريخه لفترة التدوين الأولى من التاريخ الإسلامي، حتى ما قبل الكتابة على الورق، بل وحتى قبل ذلك حينما كان التاريخ شفيهًا، واستمر لغاية الآن، خاصة في كتب التراجم والأحاديث النبوية الشريفة وأصول الفقه وتفاسير القرآن. لا يقتصر الأمر على المكتبة الأدبية فحسب.

لهذا السبب بالتحديد تحول تحقيق التراث العربي من مجرد حرفة أو هواية إلى علمِ له قواعد وأصول ومنهج، وبرزت فيه أسماء خلدها تاريخ التراث العربي لكنها للأسف ليست مشهورة إلا وسط فئة قليلة من التي تحرض على اقتناء أفضل الطبعات الممكنة للكتب بأفضل تحقيق منهجي يتوخى الموضوعية قدر الإمكان.

ما التحقيق؟

يمكن اختراع تعريف موجز لعلم الجرح والتعديل أو علم الرجال، بالقول إنه شعور بواجب مقدس تجاه حفظ المرويات والأخبار والآثار عند السلف لدى الخلف، خاصة إذا تعلق الموضوع بحديث مروي عن الرسول الكريم، فيتم الحكم على سنده إذا كان صحيحًا أو حسنًا أو ضعيفًا أو موضوعًا، وعلى رواته إذا كانوا أصحاب عدالة أو متروكي الحديث. 

هذا الوازع الأخلاقي المقدس تنقل بين أهل العلم في الوقت الذي تشعبت فيه وانتشرت مخطوطات الكتب القديمة وسافر أصحابها إلى بلدان كثيرة لطلب العلم. وحتى لا تضيع هوية الشعوب الإسلامية، أو لا تتعرض أخبار الرسول وصحابته وحديثهم وتاريخهم للتحريف والنحل والتزوير والضياع، كرس علماء أنفسهم لحفظ تلك الهوية من خلال وسيلة؛ تحقيق المخطوطات.

إذن التحقيق هو تصحيح النّصوص وتصديقها وإثباتها وتوثيقها، وإحكامها. ويطلب في ذلك المحقق الأمانة العلمية الصارمة والموضوعية. 

ويمكن القول إن أول محقق عرفه عالمنا الإسلامي هو الصحابي الجليل، زيد بن ثابت، الذي عانى عناءً شديدًا وهو يجمع القرآن بتكليف من أبي بكر الصديق الذي قرر هذا الأمر بسبب خوف عمر بن الخطاب من ضياع القرآن من صدور المسلمين الذين استشهدوا في حروب الردة. وهكذا كما علّم القرآن المسلمين علومًا شتى في مختلف مناحي حياتهم، جاء الآن ليؤكد معجزته وإعجازه ليكون له سابقة تعليم المسلمين علم التحقيق.

العُمدة

في 1954، نشر أستاذ مساعد بكلية دار العلوم، حقق شهرة واسعة بين طلبة العلم والمثقفين في مصر، كتابًا بعنوان "تحقيق النصوص ونشرها"، وانفرد بكونه أول كتاب في التاريخ العربي والإسلامي، يسطّر مناهج التحقيق ويعالج مشكلاته، ليتحول بعد ذلك رسميًا "فن التحقيق" إلى "علم التحقيق"؛ إذ سرعان ما حقق هذا المؤلف شهرة إقليمية وعالمية، وسرعان ما توالت الكتب في هذا العلم بعد كتابه هذا.  

هو عبد السلام هارون، عمدة وشيخ محققي التراث العلمي والإسلامي، لا ينافسه في هذا اللقب سواء أشخاص عدة، على رأسهم محمود محمد شاكر (أبو فهر) الذي توصل - حصرًا - إلى نظرية مُعتبرة تثبت النسب العلوي للمتنبي، وشقيقه الإمام المحدث الكبير أحمد محمد شاكر، والذي حقق وأخرج "الطبعة المثالية" لكتبٍ مثل رسالة الشافعي ومسند الإمام أحمد.

منهجية المُحقق

حدد هارون عدة شروط لمنهجية تحقيق النص التراثي تتمثل في، تحديد أصل النص سواء أكان “نسخة أم”، وهي أعلى طبقة من النصوص، أم نسخة منسوخة أم نسخة منسوخة عن المنسوخ وهكذا.

ومن أهم الشروط كذلك، كيفية تحصيل وجمع الأصول؛ إذ قد يتعثر المحقق في العثور على جميع المخطوطات الخاصة بكتابٍ معين، وبالتالي على الباحث أن يبحث في الفهارس بالمكتبات العامة، ثم المكتبات الخاصة، ثم بعض الكتب التي أرَّخت للأدب العربي، مثل كتاب "في تاريخ الأدب العربي" للمستشرق كارل بروكلمان، وكتاب "تاريخ آداب اللغة العربية" لجٌرجي زيدان أو "تاريخ التراث العربي" لفؤاد سزكين أو حتى كتب تراثية موسوعية ركزت على الفهرسة والمعاجم واشتغلت على الطبقات مثل "طبقات فحول الشعراء" لابن سلام الجمحي أو "معجم البلدان" لياقوت الحموي.. إلخ.

من الشروط الضرورية أيضًا، فحص الُنسخ من خلال دراسة الورق لتحديد عمرها ودراسة الخط والتأكد من عنوان الكتاب وأبوابه وخاتمته وأسلوب وبيان الكاتب، خاصة لو كان مشتهرًا بأسلوب معين مثل الجاحظ أو بن تيمية. 

كما ركز هارون على شرط بذل عناية خاصة بالمخطوطات؛ حتى يمكن التثبت من استيفائها لشرائط معينة، وذلك بإثبات صحة عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وظهور مَتنه بقدر الإمكان مقاربًا لنص مؤلفه.

ومن المهم جدًا أن يستعين المحقق بالمراجع العلمية بمختلف أنواعها سواء كتب ألفها الكاتب نفسه أو كتب تشرح أعماله أو كتب ذكرها المؤلف وطبعا المراجع النحوية واللغوية والعلمية. 

ويمكن اعتبار شرط "معالجة النصوص" هو أهم شرط يجب أن يحرص عليه المحقق؛ إذ إنه مطالب بترجيح الروايات وتصحيح الأخطاء والتحريفات والاهتمام بما حُذف أو بُدل بالنصوص والإشارة إلى ذلك باستمرار، وعدم تغيير أو تبديل المتون إلا لضرورات قصوى مع الإشارة إلى ذلك، وكذا الضبط والتعليق.

يقول إياد الطبّاع في كتابه "منهج تحقيق المخطوطات"، إنه يجب على المحقق أن يكون مؤهلاً علميًا لتحقيق النصوص، فلا بد له أن يكون ملمًا بهذا العلم وقواعده وشروطه وبمدى أهميته العلمية وببعض أساليب المؤلفين، وإلمامه أيضًا بعلوم اللغة العربيّة، ودرايته بأنواع الخطوط المستعملة في الكتابة وتاريخها، وأن يكون لديه إلمام في علم الرجال والأنساب، وفي العلم الذي يريد أن يحقق فيه، وغيرها من المعلومات الأخرى التي تخص التحقيق، ويجب على المحقّق أيضًا أن يكون متحلّيًّا بالصَّبر وسعة الصَّدر في تحقيق النصوص المخطوطة، ولا يصيبه الملل في عمله عند تعرضه لبعض النصوص الصعبة.

صحيح أن البعض قد يحاجج ويجادل بأن تحقيق علم الحديث يفوق أهمية نظيره الأدبي لأسباب مفهومة تتعلق بأهمية عدم الكذب على لسان الرسول، إلا أن المتسع والبراح الذي حازه المحقق الأدبي جعلته يتحرى الدقة القصوى في مسألة التحقيق والتأكيد من صحة الأشعار والآثار الأدبية لأصحابها، أكثر من نظيره في علم الحديث مثلاً لأن الأخير مقيدُ بأوامر شرعية صريحة.

من الشروط الضرورية أيضًا، فحص الُنسخ من خلال دراسة الورق لتحديد عمرها ودراسة الخط والتأكد من عنوان الكتاب وأبوابه وخاتمته وأسلوب وبيان الكاتب، خاصة لو كان مشتهرًا بأسلوب معين مثل الجاحظ أو بن تيمية. 

كما ركز هارون على شرط بذل عناية خاصة بالمخطوطات؛ حتى يمكن التثبت من استيفائها لشرائط معينة، وذلك بإثبات صحة عنوانه، واسم مؤلفه، ونسبة الكتاب إليه، وظهور مَتنه بقدر الإمكان مقاربًا لنص مؤلفه.

ومن المهم جدًا أن يستعين المحقق بالمراجع العلمية بمختلف أنواعها سواء كتب ألفها الكاتب نفسه أو كتب تشرح أعماله أو كتب ذكرها المؤلف وطبعا المراجع النحوية واللغوية والعلمية. 

ويمكن اعتبار شرط "معالجة النصوص" هو أهم شرط يجب أن يحرص عليه المحقق؛ إذ إنه مطالب بترجيح الروايات وتصحيح الأخطاء والتحريفات والاهتمام بما حُذف أو بُدل بالنصوص والإشارة إلى ذلك باستمرار، وعدم تغيير أو تبديل المتون إلا لضرورات قصوى مع الإشارة إلى ذلك، وكذا الضبط والتعليق.

يقول إياد الطباع في كتابه "منهج تحقيق المخطوطات"، إنه يجب على المحقق أن يكون مؤهلاً علميًا لتحقيق النصوص، فلا بد له أن يكون ملمًا بهذا العلم وقواعده وشروطه وبمدى أهميته العلمية وببعض أساليب المؤلفين، وإلمامه أيضًا بعلوم اللغة العربيّة، ودرايته بأنواع الخطوط المستعملة في الكتابة وتاريخها، وأن يكون لديه إلمام في علم الرجال والأنساب، وفي العلم الذي يريد أن يحقق فيه، وغيرها من المعلومات الأخرى التي تخص التحقيق. وكذلك ويجب على المحقّق أيضًا أن يكون متحلّيًّا بالصَّبر وسعة الصَّدر في تحقيق النصوص المخطوطة، ولا يصيبه الملل في عمله عند تعرضه لبعض النصوص الصعبة.

مكتبة هارون

حرصًا من "صدى البلد" على المساهمة في جهود الارتقاء بالثقافة في بلادنا وتشجيع الناس على القراءة، قدمنا قائمة صغيرة بأهم الأعمال الأدبية الهامة التي حققها عبد السلام هارون، الذي تجاوزت أعماله المائة وعشرين كتابًا، بين تأليف وتحقيق، إضافة إلى مئات المقالات في الصحف والمجلات، والتي تحظى بسمعة "الطبعة المثالية".

- خزانة الأدب ولب لباب لسان العرب: تأليف عبد القادر بن عمر البغدادي
- البيان والتبيين: تأليف أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
- الحيوان: تأليف أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
- رسائل الجاحظ
- البرصان والعرجان والعميان والحولان: تأليف أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
- جمهرة أنساب العرب: تأليف بن حزم
- المفضليات: تأليف المفضل بن محمد، المعروف بالمفضل الضبي
- مجالس العلماء: تأليف أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي
- كتاب سيبويه
- وقعة صفين: تأليف نصر بن مزاحم المنقري
- همع الهوامع: تأليف جلال الدين السيوطي
- معجم مقاييس اللغة: تأليف أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا
- الأصمعيات: اختيار الاصمعي
- مجالس ثعلب: تأليف ثعلب أحمد بن يحيى بن زيد بن سيار الشيباني