الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فاطمة حسن تكتب:  الحكم على الأموات بين التفريط والإفراط

صدى البلد

 

حينما يختل ميزان الحقيقة تكون كِفة العلم مرجوحة، وتطفوا كِفة الجهل لتكون راجحة في زمن اختلطت فيه المعايير وتبدلت فيه المقاييس، وأصبحت المصطلحات رمادية اللون؛ توضع في غير موضعها وتُستعمل لغير دلالتها، وما هذا – في رأيي -إلا نِتاج لتيار التشديد والإفراط حتى قابله تيار الانفلات والتفريط، وقليل ما هم العاقلون الوسطيون.

ويُصر هذان التياران مع كل خبر بموت أحد – خاصة المسلم المشتهر بمعصية - عدم التفريق بين أحكام الله في أرضه وحكم الله في سمائه، فيتركون التمسك بأحكام الله، ويتشاجرون على حكم الله.

فأما أحكام الله – تعالى – هي تشريعاته الواضحة الجلية في نصوص الكتاب والسنة، وقد قال عنها الرسول – صلى الله عليه وسلم - : " الحلال بيّن والحرام بيّن .." متفق عليه.

وهي ما يُسميها علماء الاعتقاد بأفعال العباد.

وأما حكم الله – تعالى – فالمقصود به : مآل العباد فيما بعد الموت هل إلى جنة أم إلى نار، ومما لا شك فيه أن هذا مما استأثر الله بعلمه، وليس هناك كائنًا من كان يستطيع الحكم على أي مسلم مات بجنة ولا نار، ومَن ادّعى ذلك فهو ضالّ مُضل.

بيد أننا نجد هؤلاء يسارعون إلى إصدار الأحكام وتحليل الأحداث والتراشق بالألفاظ، فبين فريق يرى عدم جواز الترحم على عصاة المسلمين بعد موتهم، وبين فريق آخر يجزم لهم بدخول الجنة! 

فحينما تشدد الفريق الأول وكان أسلوبه فظ غليظ ويكأنه ملاك لا يَعصي ولا يُخطىء وقد ضمن ختام عمله، حتى فُهم منهم الحكم على هؤلاء بالنار قولا واحدا وأن الله لا يعفو عن المذنبين، قابله على النقيض – تمامًا- الفريق الثاني بالدفاع المستميت عن المجاهرين بالمعصية؛  وَصوروهم ويكأنهم هم القدوة الحسنة التي نطمح في مثلها، حتى فُهم منهم أن ترك الطاعات و الانغماس في الشهوات لا سؤال عليه ولا مُجازاه! 

وهنا أصبح الحليم حيرانا، وكاد العاقل أن يُجن، وأمسى الناس يتساءلون : أين الحق من الباطل ؟! 

وإذا رجعنا خطوة لنصوص شريعتنا الغراء، نجد أن الله – تعالى – الملك الحق الغفور الرحيم، لم يترك لعباده الحكم على بعضهم البعض في مآلاتهم، وإنما أنزل إليهم أحكامًا تبين لهم الطريق الصحيحة، وهداهم للأعمال الصالحة التي تُدخل الجنة، وحذرهم من الأفعال الطالحة التي تُدخل النار، فمن استمسك بالهُدى فله الوعد الحق، ومن اتبع هواه فلا يلومن إلا نفسه، ومن رحمته أن جعل له وحده الحكم والأمر مِن قبل ومِن بعد؛ فهو الخبير بما في الصدور.

وليس هذا معناه أنه لا حُكم في الدنيا مطلقا؛ وإلا لم يُميز بين الخير والشر والفضيلة والرذيلة، ولكن مقصدنا أننا في الدنيا نحكم على الأفعال، أما مآل الأشخاص فحسابهم على الله.

وقد أوضح علماؤنا الأجلاء أن المسلم إذا مات على معصية حتى وإن كان صاحب كبيرة فلن يُخلد في النار أبدا، ويُترك أمره لله – تعالى – سواء عامله بفضله أو بعدله؛ فإنه لا يجب عليه فعل شىء سبحانه. 

وقد أوصانا النبي – صلى الله عليه وسلم – وصيةً بألا نتكلم في الأموات ، فعن عائِشةَ رَضِيَ اللَّه عنها قالتْ: قالَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ:" لا تَسُبُّوا الأمواتَ، فَإنَّهُمْ قَدْ أفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّموا"رواهالبخاري.

وفي نفس الوقت حذرنا بألا نجعل من أهل الفجور أبطالًا و قصصًا تُروى؛ لئلا يهون الدين في قلوب الناس. 

فالأصل في المسلم أنه يحرم الاعتداء عليه حتى لو بالكلام، إلا إذا كان لبيان مصلحة شرعية كالتحذير من شره وفسقه.

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – " الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ، لَا يَظْلِمُهُ ، وَلَا يَخْذُلُهُ ، وَلَا يَحْقِرُهُ ... بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ "رواه مسلم.

والواجب على كل مسلم أن ينشغل بنفسه ويعمل على نجاتها، وألا يخوض في أعراض المسلمين، ولا يتدخل في نياتهم ولا يتحدث عن أمواتهم، فدوره في الحياة هو الالتزام بالشرع وفعل الخير، وليترك لله عاقبة الأمور.