الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رجال الأعمال والإنسانية


بهدوء شديد؛ يدرك كثيرون من رجال الأعمال فى مصر أن قوانين العمل تميل إلى صاحب المنشأة على حساب العامل، خاصة بعد الفترة التى أعقبت بدء مشروع الخصخصة عام ١٩٩٧ وما تلاها من تعديلات دستورية موسعة فى مارس ٢٠٠٧ أتت على كل مفاهيم الاشتراكية الواردة بدستور ١٩٧١ .


وكثيرون يعرفون أن تزاوج السلطة بالثروة فى مصر أنتج طبقة جديدة من الرأسماليين الطفيليين؛ الذين تضخمت ثرواتهم عبر العمولات والسمسرة فى شركات تخلصت منها أنظمة سابقة؛ بخلاف قرارات تخصيص الأراضي على الطرق الصحراوية والتى انحرفوا بنشاطها بعيدا عن القانون؛ من الاستصلاح الزراعي إلى الاستثمار فى ملاعب الجولف والمنتجعات السياحية والترفيهية، وقضوا على مشروع مصر كلها فى زراعة قوتها.


قلة من رجال الأعمال الحقيقيين؛ من عرفوا طريقهم إلى مستقبل مصر فى التصنيع والتصدير، وبدلا من أن يهدروا عليها المليارات أنتجوا بعوائد صناعاتهم مثيلاتها من الدولارات ورفعوا اسم بلادهم واقتصادها وشعارها "صنع فى مصر"، بعد كد وعناء آمن بهما معهم عمال المحروسة فقدموا بسواعدهم ما يضمن بقاء كل نجاح.


لم تكن هذه المقدمة وجهة نظر كاتبها وحده؛ وجميعنا يحيا أزمة وكارثة وصلت تداعياتها حد الخوف من الخروج من البيوت، وتوقف عجلة الإنتاج والأنشطة وتنوع طبيعتها ووسائطها على مستوى العالم كله، حتى قدمت دوله نحو مليون ومائتي ألف مصاب بفيروس كورونا حتى الآن، ثلثهم فى أعتى الدول الرأسمالية؛ الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.


اعترف رؤساء حكومات بعزلتهم الجبرية حتى الشفاء؛ واتخاذ قرارات وإجراءات احترازية وغير تقليدية لحماية الأرواح من الفناء، وقدم أثرياء العالم كثيرا مما لديهم حتى يضمنوا حماية مواطني بلادهم وأنفسهم من الوباء، فلم تعد هناك قيمة للمال لدى ملياردير إيطالي شهير انتحر قبل يومين عقب فقدانه أسرته بفيروس كورونا.


أعادت دول وحكومات التفكير فى منظوماتها الاقتصادية وسياساتها بعد أن شهدت ثبات قدرات أخري على المواجهة وحماية شعوبها من الآثار السلبية للحرمان من الحق فى العمل، واحترمت كافة المواثيق والعهود والدساتير التى وضعتها بنفسها لشعوبها والعالم كله، وبحثت عن سبل تعزيز وتكاتف جهود فئات وطبقات مجتمعاتها حتى تحقيق الخلاص.


فى السعودية؛ شهدنا مراسيم ملكية تصدر لحماية العاملين فى القطاع الخاص من تداعيات الأزمة؛ بتوفير غطاء وحماية لهم وذويهم دون تقرفة بين مواطن ووافد؛ وكذا فعلت دول خليجية كل قدر استطاعتها، وأنجزت دول أوروبية وأفريقية إجراءات غير معتادة لحماية حقوق الإنسان الأساسية؛ وأولها الحق فى الحياة.


فى مصر؛ اتخذت الحكومة قرارات مهمة لحماية مواطنيها من انتشار فيروس كورونا وتداعياته البعيدة المدى على المستويين الاجتماعى والاقتصادي، فذهبت إلى حماية استقرار الموظفين العموم فى مباشرة عملهم أغلب الوقت من منازلهم، وأبدعت وزارات شتى فى محاولة البقاء بين المستفيدين من خدماتها، وانطلقت فرق الحماية الأمنية تطبق قرارات حظر التجول حماية للمواطنين، بينما جيش مصر الأبيض؛ أطباء مصر ومعاونوهم؛ يقفون فى مواجهة الخطر رغم ملاحظاتهم البعيدة على ترهل المنظومة الصحية قبل عقد مضي.


رجال أعمال محترمون؛ وحدهم من تكتشف إنسانيتهم عندما تراقب قراراتهم بحماية عمال مصانعهم وضمان استقرارهم اجتماعيا رغم الأزمة، هكذا فعل كثيرون على تباين حجم مشروعاتهم واستثماراتهم، وساهموا فى مبادرات للدعم الاجتماعي للمضارين من الأزمة، كما فعلت مؤسسات حكومية مع العمالة غير المنتظمة، ومؤسسات جمع المال والزكاة مع البسطاء.


هؤلاء يستحقون لقب "أنصار الإنسانية"؛ فهم من يعرفون أن للنظم الاقتصادية أخلاقا ولو مالت عنها التشريعات أحيانا، ولا ينال من سمعة فئتهم على المشاع من يعيشوا قلقين على تضخم ثرواتهم جراء قرارات حماية البشر من الموت.


المقارنة ليست عادلة؛ ووضع رجلي أعمال مختلفي الأخلاق فى جانب واحد مع بعضهما على اختلاف موقفيهما لا يليق بعدل أو إنصاف، ربما قيمة وجودهم بين عمالهم تثبت حقيقة مؤكدة مفادها أن استثماراتهم وثرواتهم ليست صنيعة تحالفات أو مؤامرات.


هكذا يكون التكريم و التتويج لأصدقاء الإنسانية؛ ويكون الانتقاء والاستبعاد لأعدائها ممن يظنون أن البشر خلقوا لأجل الموت فى سبيل تضخم ثرواتهم، النوع الأخير من هؤلاء ينتمون إلى شريحة أعداء الإنسانية كلها؛ قبل أن نطلب مساءلتهم قانونا كأعداء للدولة وقوانينها وإجراءاتها، وقبل أن نسأل كلا منهم "من أين لك هذا؟"؛ فما آتاهم الله من فضله لا يليق بما أتوا به عباده من معاملات.


إن البرلمان مدعو للتحرك لتعديل تشريعات العمل ليضمن لبسطاء حقوقهم لدى تلك العينة من المتاجرين بالإنسانية؛ وتأكيد دور مؤسسات الدولة فى حماية كل مورد اقتصادي لها؛ وأولها المورد البشري، ولتكن الأزمة مقدمة لمستقبل مختلف نحتفظ فيه بيننا بالأكثر إنسانية.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط