الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أم محمد صلاح


فى حى الاميرية الشعبى نشأت وفيه عشت سنين طويلة فى بيت العيلة وتزوجت فى نفس البيت وأنجبت، وفقدت، وكبرت ، وهى كما هى لا تظهر عليها علامات السنين تعيش فى الدور الارضى من منزلنا متزوجة من رجل يتحدث عكس مايفعل فهو دائم الحديث عن الدين والتدين وبركات الاولياء والطهر والعفة ، وكل حديثه قال الله، وقال الرسول ، وافعاله عكس اقواله كلية .

أنجب منها ثمانية ذكور كلهم ؛ اجمعوا على شىء واحد وهو حبهم لأمهم ، وبغضهم لابيهم ؛ لانه كان غليظ القلب فى تعامله معهم . فى منطقتنا الشعبية من المعروف كما فى كل المناطق انتشار اسم محمد تيمنا بعظمة الاسم وصاحبه صلى الله عليه وسلم ، وحتى يفصل بين كل المحمدات كان اصحاب ابنها عندما ينادون عليه يقولون محمد صلاح ، واخر محمد ثابت ، واخر محمد هداية . 

أم محمد صلاح هذه كانت سيدة فريدة من نوعها ؛ فهى راضية بزواج زوجها من اخرى وانجابه منها ؛ بل انها كانت تستقبلها عندها وتتحدثان معا بصورة كانت تسلب لبى ولا أتخيل انها غير مستاءة من اى شىء يفعله زوجها سواء علاقات غير مشروعة او زواج رسمى ، أم محمد صلاح كانت نموذجا فريدا فى كل شىء ، فهى بقدر جدعنتها فى المواقف ووقوفها بجانب جيرانها فى السراء والضراء بقدر تغيرها بزاوية منفرجة ونسيانها كل ما قدمته لها فى لحظة وانقلابها عليك وتحولها الى ست مولولة معايرة مبتدعة فيك القديم والجديد تشهد عليك كل الناس بأنك فعلت معها ما لم يفعله بشار حينما يسكر، وحينما تهدأ تعود مخلوقة ودودة تطلب العفو والسماح وبهذه الطريقة كان كل الجيران يتعاملون معها بحذر مبالغ فيه الا امى تلك السيدة الطيبة التى كانت تلتمس لها الاعذار وتنسى كل اساءاتها لها مؤكدة ان أم محمد صلاح مغلوب على امرها ومعها دستة أولاد وزوج مايل هتعمل هى ايه ده من غلبها.

كنت ألاحظ على أم محمد صلاح رغم فقرها الا انها تتباهى بانجابها هذا الكم من الذكور وكلما كبروا كنت اجدها تزداد غيا وافتخارا بهم مع ان التعليم لم يبرز واحدا منهم وكلهم تسربوا ومن تعلم منهم حصل على مؤهل متوسط بالعافية كما يقال ، ولكنها لاتبالى فهى تشعر بعزها بهم وبأنه لا يستطيع اى من الجيران ان يقترب منها قيد انملة وكيف يجرؤ ومعها جيش من الذكور.

تتوالى السنون وأبتعد انا عن المنطقة وتأخذنى متاهات الحياة ويصبح ارتباطى بالمنطقة مقتصرا على تواصلى مع اهلى واخوتى ، وفى مرحلة تالية اجد نفسى متشوقة لكى اعرف اخبار أم محمد صلاح بصفة خاصة وكل من فى منطقتى السابقة بصفة عامة فيحكون لى عنهم الى ان يأتى الحديث عن ام محمد صلاح فيقولون بحزن غريب ان احد ابنائها مات بمرض جاءه عن طريق المخدرات واستخدام سرنجة ملوثة والاخر فى السجن واحدهم ايضا مختفى لان الشرطة تبحث عنه وكبيرهم متزوج ممن يسمونهم عندنا بالهنجرانية ، ولم أستطع ان اسمع المزيد عن ابنائها وسألتهم ماذا عنها كيف استقبلت كل هذه المآسى فأجمعوا انها كما هى ولم تتغير "سم" واحدا وتقضى يومها كما تقضيه منذ ان جاءت للعيش فى منزلنا معظمه امام البيت تحكى وتستمع للجيران واذا حدث مايغضبها تحول المنطقة الى عويل وشتيمة، كنت اتخيل ان ما ألم بأبنائها سيغيرها او يكسرها ولكن خابت ظنونى ، والى الان لاتزال أم محمد صلاح يناديها الناس وهى تجيب وتسمع مع ان صلاح قد مات ومحمد ابتعد وباقى اخوته كل فى شأن يغنيه .
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط