لعل ما يطرح السؤال عن ماذا تفعل إذا اشتد البلاء ؟، هو أن الدنيا التي نعيش فيها ما هي إلا دار بلاء وابتلاء، ولا استثناء لأحد من مصابها، فالله تعالى قد خلق الإنسان في كبد ، من هنا ينبغي الوقوف على حقيقة ماذا تفعل إذا اشتد البلاء لتخففه وتنجو منه؟.
ماذا تفعل إذا اشتد البلاء
قال الشيخ رمضان عبد المعز، الداعية الإسلامي، إن الابتلاء لا يقابل إلا بالتوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى الذي يقول في سورة الملك: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)، وهذا يعني أن الحياة نفسها ابتلاء.
وأوضح " عبد المعز " في إجابته عن سؤال : ماذا تفعل إذا اشتد البلاء ؟ ، أننا كنا أمواتًا ثم أحيانا الله سبحانه وتعالى ليختبرنا، فكيف نواجه ابتلاء الله؟ الحمد لله، نحن نواجه الابتلاء بالصبر والرجوع إلى الله عز وجل .
وأفاد بأن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا كيف نواجه البلاء، قال: (مَن نزلَت بهِ فاقةٌ فأنزلَها بالنَّاسِ لم تُسَدَّ فاقتُهُ . ومَن نزلَت بهِ فاقةٌ فأنزلَها باللَّهِ فيوشِكُ اللَّهُ لَه برزقٍ عاجلٍ أو آجلٍ) .
ونصح قائلاً: لا تشتكي للناس أو تنشر حزنك، بل اللجوء إلى الله هو الحل، منوهًا بأنه في سورة الأنعام، يقول الله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) ، فإذا جاءنا البلاء يجب أن نتضرع إلى الله ونلجأ إليه.
وأضاف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قدوة في الصبر على البلاء، في غزوة أحد، أصيب النبي بشدة، فقد شج رأسه وكسرت أسنانه، ورغم كل هذا قال لصحابته: استووا، لكي أثني على ربي.. مهما كانت المحن، يجب أن نذكر الله، ونشكره على كل حال، لأن الابتلاء جزء من اختبارنا في الدنيا."
ونوه بأن كل واحد منا يمر بابتلاء، سواء في الرزق، الصحة، أو في أي شيء آخر، لكن الله يختبرنا ليؤكد لنا أهمية الرجوع إليه، الإمام ابن القيم قال: (الجاهل يشكو الله إلى الناس، وهذا غاية الجهل)، إذا عرفنا ربنا حقًا، لما شكينا لغيره. نحن بحاجة للجوء إلى الله في أوقات الضيق."
وتابع: "النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع شكواه إلى الله، مثلما فعل سيدنا يعقوب عليه السلام، الذي قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله.. نحن أيضًا يجب أن نتوجه إلى الله في كل محنة ونرفع شكوانا إليه، فالله هو الأرحم بنا."
حديث إذا اشتد البلاء
روى عبدالله بن مسعود في صحيح الترمذي الصفحة أو الرقم: 2326 ، أنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ( مَن نزلَت بهِ فاقةٌ فأنزلَها بالنَّاسِ لم تُسَدَّ فاقتُهُ . ومَن نزلَت بهِ فاقةٌ فأنزلَها باللَّهِ فيوشِكُ اللَّهُ لَه برزقٍ عاجلٍ أو آجلٍ ) وهو حديث صحيح بلفظ: "بموت عاجل أو غنى عاجل" التخريج : أخرجه أبو داود (1645)، والترمذي (2326) واللفظ له، وأحمد (3696).
وورد أن الاستِعانةُ باللهِ سُبحانَه وتعالى وتَعلُّقُ القلبِ به مِن أهمِّ ما يُفرِّجُ الهمُومَ، ويَرفَعُ الكرُوبَ في الدُّنيا والآخِرةِ، وفي هذا الحديثِ يقولُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "مَن نزَلتْ به فاقَةٌ"، أي: حاجَةٌ شديدَةٌ؛ مِن ضِيقٍ في العيْشِ أو غيرِه ، "فأنزَلَها بالنَّاسِ"، أي: طلَب مِن النَّاسِ ما يرفَعُ عنه حاجَتَه، واعتمَد عليهم في رفْعِ تلك الحاجَةِ الَّتي حدَثتْ له، كان عِقابُه "لَم تُسدَّ فاقَتُه"، أي: لَم تُرفَعْ عنه تلك الحاجَةُ؛ فقد سأَل واعتمَد على مَن لا يملِكُ له نفْعًا ولا ضَرًّا.
ونبه إلى أن "مَن نزَلتْ به فاقَةٌ"، أي: حاجَةٌ شدِيدةٌ؛ مِن ضِيقٍ في العيْشِ أو غيرِه، "فأنزَلَها باللهِ"، أي: سأَل اللهَ أنْ يرفَعَها، واعتمَد عليه، وظنَّ ألَّا يفعَلَ ذلك إلَّا اللهُ، "فيوشِكُ اللهُ له برزْقٍ عاجِلٍ أو آجِلٍ"، أي: يَقترِبُ له الفرَجُ مِن اللهِ بأنْ يَرزُقَه ما يسُدُّ به حاجَتَه. وهذا كلُّه مِن التَّربيةِ النَّبويَّةِ للمُسلِمينَ على حُسْنِ التَّوكُّلِ على اللهِ وسُؤالِه والطَّلبِ منه، وعدَمِ الرُّكونِ إلى النَّاسِ.
أفعال ممنوعة وقت البلاء
ورد أن هناك فعلا يستهين به كثيرون في وقت البلاء ويجعل هلاكهم محققاً، ففي حال الابتلاء يتبين من يعبد ربه، ومن يعبد هواه في الابتلاء تمايز الصفوف بين أهل الإيمان وأهل النفاق.
وجاء أن البلاء مع الصبر يقوي القلب، ويمحو الذنب ، ويقطع العُجْب ، ويُذْهِب الكِبّر ، ويذيب الغفلة، ويحيي الذكر ، ويستجلب دعاء الصالحين ، ويوقظ من الركون إلى الدنيا ، ويحصِّل رقة القلب، والاستسلام للواحد القهار ، ففي الابتلاء يراجع العبد علاقته بربه ، وصدقَه في الالتجاء إليه وحده ، وحسن توكله عليه، وقطعَ كل أسباب التعلق بغيره.
وجاء في الحديث: "لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله حتى يلقى الله ، وما عليه خطيئة " ، رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح ، ويقول الحافظ بن القيم رحمه الله : "فلولا أنه سبحانه يداوي عباده بأدوية المحن، والابتلاء لطغوا ، وبغوا ، وعتوا "، الله أكبر كبيرا كما أمر، والله أكبر إرغاما لمن جحد به وكفر ، والحمد لله ما اتصلت عينه بنظر ، وأذن بخبر .
وورد أن آيات التخويف إذا تعامل معها العبد التعامل الشرعي عظم أجره ، واطمأن قلبه ، وزاد إيمانه ، وعظم ثباته، يقول النعمان بن بشير رضي الله عنه : " إن الهلكة كل الهلكة لمن يعمل بالسيئات وقت البلاء .