كشفت الحكومة مؤخرًا عن جزء من خطتها لمواجهة أزمة نقص السيولة والتدفقات الأجنبية (الدولار)، وكان من ضمن إجراءاتها، توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات الاستثمارية، إضافة للتسريع من برنامح الطروحات الحكومية، والاتفاق مع عدد من الشركاء التجاريين على التبادل التجاري بالعملة المحلية.
الاستثمارات الأجنبية والدولار
وأعلنت الدولة عن توقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات مع العديد من الشركات سواء الأجنبية أو الخليجية والعربية في العديد من المجالات، كما قامت مصر بتنويع مصادر وأدوات التمويل والعملات وأسواق الإصدارات وتوسيع قاعدة وشرائح المستثمرين الدوليين؛ على نحو يعكس قدرة مصر على مواصلة الإصدارات الدولية رغم التحديات الاقتصادية العالمية، التي ألقت بظلالها على الأسواق المالية الدولية، في انعكاس طبيعي للموجة التضخمية الحادة الناتجة عن التوترات الجيوسياسية.
من جانبه، أكد المتحدث باسم الحكومة المصرية سامح الخشن، أن أزمة الدولار إلى زوال وستنتهي قريبا، والحكومة تعمل على حل المشكلة من جذورها.
وقال "الخشن"، خلال مداخلة تليفزيونية، إن برنامج الطروحات يستهدف مشاركة القطاع الخاص، وقريباً سيتم الإعلان عن طروحات جديدة.
وشدد على أن الحكومة تستهدف الوصول بنسبة القطاع الخاص في الاستثمارات إلى 65%.
وتابع: "أزمة الدولار حدثت بسبب الأزمات العالمية وهروب الأموال من الدول النامية للدول المتقدمة، وهناك إجراءات لمعالجة الموضوع بشكل كامل من خلال جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية، والاستمرار في برنامج الأطروحات".
وتلعب الاستثمارات الخليجية دورا مهما في دعم الاقتصاد المصري في هذه المرحلة، والتي ارتفعت بشكل ملحوظ؛ لتسجل 67 مليار دولار، فيما بلغ عدد الشركات الخليجية العاملة بالسوق المحلية 8500 شركة تضخ استثمارات بمختلف المجالات، وأهمها الطاقة والإعمار، بحسب تصريحات متعددة من قبل مسئولي هذه الدول.
وكشف المهندس حسام هيبة، الرئيس التنفيذي لهيئة الاستثمار والمناطق الحرة، أن المؤشرات المالية لحجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر بنهاية العام المالي 2023 تشير إلى تحقيق نمو بنسبة 10% عن العام المالي الماضي 2022.
ووفق البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يونيو الماضي، شهد العام المالي 2021/2022 أكبر زيادة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر بعدما زادت بنسبة 71.4% لتسجل نحو 8.9 مليار دولار.
وأصبحت مصر رقم واحد في جذب الاستثمارات على مستوى القارة الأفريقية والثانية في الشرق الأوسط بعدما جاءت دولة الإمارات بالمركز الأول.
وأضاف: “كما أن السوق المصرية من أهم الأسواق جذبا للمستثمرين في ظل المنافسة العربية من السعودية، حيث تعد مركزا إقليميا لسلاسل الإمداد والوصول للأسواق الأفريقية، وذلك بفضل الاتفاقيات التجارية والعلاقات الدبلوماسية، وأيضا القبول من الشعب وحكومات الدول الأفريقية”.
وتملك مصر قوة جذب كبيرة وتعد مركزا إقليميا لجذب الاستثمار الأجنبي ورؤوس الأموال التي تبحث عن الاستقرار واستهداف دول التصدير، خاصة في ظل ما تعانيه العديد من دول العالم من ارتفاع تكلفة الإنتاج ومشاكل في الطاقة وسلاسل الإمداد والنفاذ إلى الأسواق.
ويوجد اهتمام كبير من العديد من الدول الأجنبية بالحصول على الأراضي وتخصيص مناطق صناعية، كما أن الهيئة في الـ6 أشهر الماضية خصصت 4.5 مليون متر مربع.
ولفت إلى أن الهيئة مع بداية العام الحالي وضعت استراتيجية الترويج لفرص الاستثمار وتهيئة مناخ الأعمال في محورين رئيسيين، الأول حصر المشكلات ووضع حلول جذرية لها، وثانيا المصالحة مع المستثمرين من خلال فض المنازعات بعيدًا عن المحاكم.
وتم إطلاق منصة التواصل مع منظمات الأعمال تضم جميع المسئولين وتجتمع بشكل دوري لوضع آليات تنفيذية لحل المشكلات التي تم حصرها، مرحبًا بالتعاون مع الجمعية المصرية اللبنانية لرجال الأعمال في الترويج لفرص الاستثمار اللبناني في مصر.
كما تم تحديث الخريطة الاستثمارية بما يتيح للقطاع الخاص بوضع فرصه الاستثمارية والشراكات بها، حيث تتضمن حاليًا 60 فرصة، كذلك العمل ضمن خريطة دولية لأهم الدول المستهدفة للترويج لفرص الاستثمار في مصر، وتم السماح بإنشاء شركات الخدمات بقانون المناطق الحرة الخاصة، كما تم تحديد الانشطة الخدمية التي تمتلك فيها مصر ميزة تنافسية مثل التعدين وICT وغيرها.
وتم إصدار 22 رخصة ذهبية بقيمة 264 مليارات جنيه، وهي عبارة عن موافقة واحدة لتراخيص النشاط والمباني والموافقة البيئية والدفاع المدني بجانب الأراضي.
تهيئة مناخ الاستثمار بمصر
وقامت الحكومة المصرية بمجهودات كبيرة لتهيئة مناخ الاستثمار وتشجيع الاستثمار الأجنبي، وهو ما تدعمه كثير من المؤشرات الدولية، حيث إن القرارات التي أصدرها المجلس الأعلى للاستثمار تعد غير مسبوقة في تشجيع المستثمرين.
ويوجد بمصر أكثر من 10 ملايين أجنبي، وتستقبل الهيئة يوميا العديد من المستثمرين الأجانب، وتقوم بالتصدي لجميع الصعوبات التي تواجههم، إما من خلال حلول جذرية أو أخرى يتم التعامل معها لحين الوصول إلى إجراء مستدام لحلها.
ومع كل التحديات التي نواجهها من مشكلة عملة واستيراد الخامات، إلا أن فرصة الاستثمار في مصر في هذا التوقيت لن تتكرر في هذه الفترة، وتم تسهيل حصول الأجانب على الإقامة من خلال إلغاء لجنة الموقف التنفيذي وخفض عدد المستندات بنسبة 62%، حيث يتم التقدم إلى اللجنة المكتبية بالهيئة للحصول على الإقامة.
وسجلت قيمة صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر 66.7 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية، بحسب ما أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وقيمة صافي الاستثمار الأجنبي المباشر سجلت 5.7 مليار دولار خلال النصف الأول من العام المالي 2022 ـ 2023، مقابل 3.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام المالي السابق، بزيادة بلغت 2.4 مليار دولار، وبنسبة قدرها 75.4 بالمائة.
وتصدرت السعودية قائمة أعلى عشر دول استثمارًا في مصر خلال النصف الأول من العام المالي 2022 ـ 2023، حيث بلغت قيمة استثماراتها 2.1 مليار دولار، تليها في المرتبة الثانية الإمارات 1.5 مليار دولار، ثم إيطاليا 1.2 مليار دولار، ثم المملكة المتحدة 1.2 مليار دولار، ثم الولايات المتحدة مليار دولار، ثم لوكسمبرج 705.7 مليون دولار، ثم هولندا 641.4 مليون دولار، ثم الصين 418.6 مليون دولار، ثم سويسرا 388.6 مليون دولار، وأخيراً الكويت 282.2 مليون دولار، بحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية.
وذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد الشركات التي تم تأسيسها طبقا لقوانين الاستثمار بلغ 31.2 ألف شركة خلال العام المالي 2021 ـ 2022 مقابل 28.5 ألف شركة خلال العام المالي السابق له، بنسبة ارتفاع قدرها 9.2 بالمائة، وسجلت قيمة رأس المال لهذه الشركات 117.4 مليار جنيه خلال العام المالي 2021 ـ 2022 مقابل 84.9 مليار جنيه خلال العام المالي 2020 ـ 2021 بنسبة ارتفاع قدرها 38.3 بالمائة.
وتحظى مصر بمميزات تجعلها فريدة، فهي الملاذ الآمن للاستثمار الأجنبي والعربي الذي يبحث عن فرص استثمار بديلة في الأسواق الناشئة غير المرتبطة بالتصدير للدول المتأثرة بالتباطؤ الاقتصادي العالمي.
وتستطيع مصر تحقيق التقدم في مجال الاستثمار، ولذلك كثف القطاع الخاص السعودي خلال الفترة الأخيرة ضخ الاستثمارات في مصر، وأحدث هذه الاستثمارات التي تجاوزت ملياري دولار، توزعت على قطاعات الطاقة والعقارات والسياحة بشكل أساسي.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي، الدكتور فرج عبد الله،إن زيادة فرص الاستثمار في مصر سواء الخليجية منها أو الأجنبية يرجع إلى القرارات التي اتخذتها الحكومة المصرية في السنوات الآخيرة للتسهيل على المستثمرين بجانب الإشادات الدولية بأداء الاقتصاد المصري.
وأضاف فرج، في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن المؤسسات الدولية تشيد بقرارات الدولة المصرية وخطتها لتحسين الاستثمار وبيئة الأعمال.
وذكر أن إشادة التقارير الدولية تشير بكل تأكيد لتحسين بيئة الأعمال في الداخل المصري بشكل كبير، وتعكس مدى رغبة القائم بإدارة ملف الاستثمار في مصر بتقديم حلول جذرية، والذي انعكس في 22 قرارًا من أبرز القرارات التي اتخذت من المجلس الأعلى للاستثمار.
وأشار فرج إلى أن الدولة المصرية تدخل مرحلة جديدة باستقبال حجم من الاستثمارات، موضحًا أن قطاع الصناعة يستحوذ على نسب تتجاوز الـ 40% من حجم الاستثمارات بجانب التكنولوجيا واللوجيستيات والعقارات والمجال السياحي.