دخلت الحرب الإسرائيلية على غزة يومها الـ 57، بعد انهيار الهدنة وعدم النجاح في تجديدها للمرة الثالثة، وتبادل كل من الجيش الإسرائيلي وحماس الاتهامات بشأن التسبب في انهيار الهدنة، وسحبت إسرائيل فريق جهاز الاستخبارات (الموساد) من الدوحة بعد بلوغ "طريق مسدود" في المفاوضات، واستأنفت إسرائيل ضرباتها على قطاع غزة بعد نهاية هدنة إنسانية شهدت عمليات تبادل للأسرى على مدار سبعة أيام.
انقسام داخلي إسرائيلي
وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، شدد من تل أبيب، على ضرورة أن تتصرف إسرائيل وفقاً لقوانين الحرب.
وقال بلينكن، مساء الخميس: "على إسرائيل اتخاذ المزيد من الخطوات الفعالة للحفاظ على حياة المدنيين.. هذه الإجراءات تعني اتخاذ خطوات أكثر فعالية بما في ذلك التحديد الواضح للمناطق والأماكن التي يمكن أن يكون المدنيون آمنين فيها".
من جانبها، كشفت الناطقة باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" تمارا الرفاعي، عن تفاصيل الوضع الصحي والإنساني في قطاع غزة، بعد انهيار الهدنة وعودة العمليات العسكرية التي يشنها الجيش الإسرائيلي منذ صباح الجمعة.
وقالت “الرفاعي” إن الأمر الخطر في الوقت الحالي، يتمثل في رصد تفشٍ لمرض الالتهاب الكبدي "أ"، في أحد ملاجئ الأونروا، الخميس الماضي، محذرة من استمرار انتشار المرض وانتقاله إلى مناطق أخرى داخل القطاع المُحاصر.
ويشهد الوضع الصحي تدهورا، إذ تحدثت منظمة الصحة العالمية عن وجود 111 ألف إصابة بالتهاب الجهاز التنفسي الحاد، و36 ألف حالة إسهال لدى أطفال دون الخامسة، بين النازحين في غزة
وأضافت الرفاعي: "متخوفون للغاية بشأن انتقال المرض بسبب الاكتظاظ الذي تشهده ملاجئ ومدارس الأونروا في قطاع غزة، خاصة أن هذا الالتهاب الكبدي الوبائي يُمكن أن يتفشى بسهولة، في خضم زيادة توافد النازحين على مراكز الإيواء بعد عودة القصف".
وأكملت: "نتخوف كذلك على وضع الناس في الملجأ الذي رصدنا فيه انتشار هذا المرض"، معبرة عن أملها في استعادة الهدنة مجددًا للسيطرة على تلك الأمراض.
ولكن على الجانب الآخر، شهد الداخل الإسرائيلي انقسامات شديدة، إذ تظاهر، السبت، آلاف الإسرائيليين في "تل أبيب"، لمُساندة أهالي المُحتجزين والأسرى لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وللضغط على حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ لعمل "كل ما هو ممكن"؛ من أجل تأمين الإفراج الفوري عنهم.
من جانبه، حاول نتنياهو في مؤتمر صحفي تبرير استئناف الاحتلال حربه على قطاع غزة، وقال إنه تم اتخاذ هذا القرار من أجل تحقيق أهداف الحرب، وإعادة جميع "المحتجزين والرهائن".
وأوضح نتنياهو أن القتال سيستمر في الجبهة الجنوبية (قطاع غزة) وستستمر مواجهة وردع حزب الله في الجبهة الشمالية (لبنان)، ولم يعقد نتنياهو مؤتمره الصحفي مع وزير الدفاع، يوآف جالانت، كما هو معتاد، ورد على سؤال لأحد الصحفيين عن سبب ذلك فقال إن جالانت اختار أن يجري مؤتمرًا صحفيًا وحده.
ميدانيا، كشف جيش الاحتلال الإسرائيلي هوية أحد قادة الجيش والذي قُتل في هجوم حماس يوم 7 أكتوبر الماضي، ويدعى العقيد عساف حمامي قائد اللواء الجنوبي بفرقة غزة.
وبحسب ما نقلته صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، فإن جيش الاحتلال لم يكشف عن هوية "حمامي"، كأحد العسكريين الذين قتلوا في 7 أكتوبر، إلا بعد قرابة شهرين من الهجوم.
أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، السبت، بوجود "خلافات مع الولايات المتحدة"، و"ضغوط دولية متزايدة" على إسرائيل بشأن حربها في غزة، متعهداً بمواصلة الحرب حتى تحقيق أهدافها.
وأعرب نتنياهو خلال مؤتمره الصحفي الأول منذ انتهاء الهدنة في غزة، عن ترحيبه بدعم الولايات المتحدة لتل أبيب، مشيراً إلى أن "واشنطن تدعم بعض أهداف الحرب.. اثنين منها بشكل مؤكد"، وذلك في إشارة واضحة إلى الخلافات مع الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بإدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، إذ تريد الولايات المتحدة رؤية السلطة الفلسطينية تتحمل مسئولية القطاع.
كما اعترف بوجود اختلافات في الرأي مع واشنطن بشأن كيفية تحقيق هذه الأهداف، لكنه قال إن الحليفين قد تمكنا من التغلب عليها بشكل كبير، كما أقر بوجود بعض الخلافات المتعلقة بالمسائل الإنسانية.
وأضاف: "في نهاية المطاف هذه حربنا، ويجب علينا نحن أن نتخذ القرارات، فنحن نحاول إقناع أصدقائنا الأمريكيين وننجح في الأمر في كثير من الأحيان، وآمل وأعتقد أن هذا ما سيحدث في المستقبل أيضاً".
وتابع: "لن نتوقف حتى ننتصر على حركة حماس"، لذلك سنواصل القتال، فقد أصدرت تعليمات أنا وحكومة الحرب لتوسيع العمليات العسكرية، حيث دمرنا مؤخراً الكثير من المواقع العسكرية، وقضينا على مقاتلين وبنى تحتية تابعة لهم".
وأردف: "أقول لأصدقائنا في العالم أنتم شركاؤنا في تحقيق أهداف القضاء على (حماس) واستعادة أسرانا، ولا يمكن تحقيق هذه الأهداف إلا بالانتصار، ولا يمكن ذلك إلا باستمرار العملية العسكرية البرية".
ولفت إلى أن إسرائيل "تعمل في الشمال على صد كل محاولات حزب الله (اللبناني)، كما تقوم بالقضاء على الخلايا الإرهابية، وتقصف البنى التحية العسكرية ومخازن السلاح".
وحذر نتنياهو من أنه "في حال ارتكب حزب الله خطأ، ودخل في حرب واسعة، فإنه سيخرب لبنان بيديه"، واصفاً الحرب بـ"الصعبة والعادلة"، وذكر أن إسرائيل "عملت على تجنيد المجتمع الدولي من أجل تعزيز العملية العسكرية وتوسيعها"، لكنه أضاف: "الضغوط الدولية تتزايد علينا لكن لن نخضع لها".
جاء ذلك بعدما قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف جالانت، السبت، إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة "لا تهدف إلى السيطرة على القطاع بشكل دائم"، وإنما "تقويض قدرات حركة حماس وإنهاء سيطرتها على غزة".
ماذا بعد انتهاء احرب في غزة؟
واتهم جالانت في مؤتمر صحفي حركة "حماس" بالتسبب في "انهيار الهدنة الإنسانية بعدما رفضت تسليم 17 امرأة وطفلاً ما زالت تحتجزهم"، وقال: "نتيجة لقرار حماس عدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه ووفقاً لقرارات مجلس الوزراء الحربي، أصدرت تعليمات للجيش الإسرائيلي باستئناف إطلاق النار صباح الجمعة".
وأضاف: "طالما أن حماس لا تلتزم بما هو منصوص عليه، فسنواصل تكثيف النيران، وسنعمل حتى يتم تحقيق الأهداف التي حددناها لأنفسنا، إنني أتابع عن كثب عمليات الجيش".
وذكر جالانت أن "العملية البرية ستتواصل في قطاع غزة، موضحاً أنه "قبل نحو شهر، عندما كنا نستعد للدخول البري، كان هناك كثيرون في حماس يعتقدون أنهم سيتمكنون من إيقافنا".
وتابع: "لقد اعتقدوا أنهم قادرون على إحداث انقسام في المجتمع الإسرائيلي بين أولئك الذين اعتقدوا أنه من الضروري التفاوض، وأولئك الذين اعتقدوا أنه من الضروري الدخول إلى غزة"، مشدداً على أن "تكثيف العملية العسكرية، يؤدي إلى ضرب حماس والقضاء على المزيد من القادة والمزيد من المسلحين".
وأشار إلى أن "كثافة الضغط العسكري كانت نتيجته عودة 110 محتجزين معظمهم من الإسرائيليين"، حسب قوله، وقصف الجيش الإسرائيلي، السبت، قطاع غزة لليوم الثاني على التوالي منذ انتهاء الهدنة مع "حماس" التي سمحت بإطلاق سراح 80 أسيراً إسرائيلياً مقابل 240 فلسطينيا، بالإضافة إلى تسريع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وتقود قطر والولايات المتحدة ومصر جهود الوساطة بين حركة "حماس" والمسئولين الإسرائيليين من أجل إطلاق سراح أسرى تحتجزهم "حماس" وفصائل فلسطينية أخرى في غزة، والتوصل إلى اتفاق بشأن هدنة في القطاع.
وقرر رئيس الوزراء الإسرائيلي إعادة فريق جهاز الاستخبارات (الموساد) من الدوحة بعد بلوغ "طريق مسدود" في المفاوضات، وفق ما أعلن مكتبه، السبت.
ورغم إعلان إسرائيل أن هدفها من مخطط إنشاء منطقة عازلة في قطاع غزة هو منع هجمات الفصائل الفلسطينية من الوصول إليها، فإن لتل أبيب دوافع أخرى، وفق تصريحات بعض الخبراء.
وفي تقرير لوكالة "رويترز"، الجمعة، جاء أنّ إسرائيل أبلغت الولايات المتحدة وعددا من الدول المجاورة بأنها تعتزم إقامة منطقة عازلة على حدود غزة الجنوبية بعد انتهاء الحرب؛ لمنع خروج هجمات من القطاع باتجاه الإسرائيليين.
من جانبه، قال صلاح جمعة، نائب رئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، عن الخطة الإسرائيلية بإقامة هذه المنطقة العازلة إنها "لن تنجح"، واستدل على ذلك بأن "إسرائيل أقامت منطقة عازلة بالفعل من قبل، وكانت تمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم، والنتيجة في النهاية معروفة، فشل ذريع".
كما أنّ الفصائل الفلسطينية "دائما تبتدع ما تحتاج إليه للوصول إلى إسرائيل، ولديها الآن الأنفاق وطائرات مسيّرة وصواريخ وطائرات شراعية"، ولذلك يرى أنّ الأهداف الحقيقية لهذا المُخطّط الإسرائيلي هي:
- السيطرة الفعلية على مسافة من 2- 3 كم داخل غزة، وهذا سيعدّ كارثة؛ فهي بذلك ستقتطع جزءا كبيرا من القطاع وتضمه.
- تهجير الفلسطينيين والطريقة التي تستهدف بها البنية التحتية يوحيان بذلك.
- وتوقّع أن المخطّط "سيفشل"، خاصة مع "صمود الشعب الفلسطيني".
من جانبه، قال أستاذ العلوم السياسية، الدكتور جهاد الحرازين، إنه من الواضح أن هناك نوعاً من الانفلات الأمني، وبرز ذلك في بيانات الأمم المتحدة التي أكدت أنها تخشى من زيادة الانفلات بعد أن تعرضت مستودعاتها للسرقة.
وأضاف الرقب، في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن الانفلات الأمني يعني غياب الجهات الحكومية على الأرض، وهذا يدلل على أن حماس قد فقدت السيطرة على السلطة، لكن ذلك ينطبق على فترة الحرب وليس على ما بعدها، لأن الموظفين الحكوميين ما زالوا موجودين.
وتستأنف إسرائيل القتال في غزة وسط خلافات مع واشنطن وجهود لإعادة الهدنة، ومع بدء العد التنازلي لمهلة أمريكا لإسرائيل في تنفيذ أهدافها في غزة خلال أسابيع عدة فقط، بدأت تظهر مقترحات لإدارة أمن غزة، وبحسب المعلومات المتوافرة فإن هذه المسودات جميعها لدى الوسطاء المصريين والقطريين الذي يجلسون مع قيادات حركة "حماس" ويطلعونهم عليها.
ومن بين المقترحات، قدمت ألمانيا وثيقة للدول الأوروبية تنص على تشكيل تحالف دولي تديره الأمم المتحدة وتشرف على قطاع غزة، ويكون مهمة التحالف تفكيك أنظمة الأنفاق وتهريب الأسلحة إلى القطاع، فيما الأمم المتحدة تتولى مهمة شئون السكان.
منذ أسابيع برزت الأمم المتحدة ومؤسساتها ووكالاتها المتخصصة على ساحة غزة بقوة كبيرة، إذ أصبحت مصدر المعلومات شبه الوحيد عن القطاع، ونشرت طواقم موظفيها على الأرض للإشراف على توزيع المساعدات.
حتى منظمة الصحة العالمية باتت هي التي تصدر بيانات عن واقع القطاع الصحي وتتولى مهمة الإشراف على إجلاء ومتابعة عمل الأطباء، كما أن مكتب تنسيق الشئون الإنسانية "أوتشا" يوثق أوضاع النازحين ويشرف على رصد الانتهاكات، فيما "أونروا" تقوم بمهمة توزيع المساعدات الإنسانية ورعاية مراكز الإيواء، ومع بروز دور الأمم المتحدة باتت مهام المؤسسات الحكومية في غزة تتقلص بشكل كبير.
وأيضاً اقترحت الولايات المتحدة تشكيل لجنة من مصر والأردن والسلطة الفلسطينية لإدارة غزة، لكن هذه المسودة رفضت، إذ قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إن بلاده ترفض أي حديث عن إدارة غزة ما بعد الحرب، عبر قوات عربية أو غير عربية، كما رفض الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الاقتراح.
وقال: "مصر لن تلعب دوراً في القضاء على (حماس)، وغير مستعدة لمناقشة مقترحات لإدارة القطاع".
وسط الحديث عن مقترحات لإدارة غزة، رفضت حركة "حماس" جميع المقترحات التي قدمت لها.
يقول القيادي فيها أسامة حمدان: "لا نسمح بمشاركة أي قوات دولية أو عربية في إدارة غزة، هذه المخططات فاشلة ومصير القطاع مرتبط فقط بقرار ديمقراطي من سكان غزة".
ويضيف: "قرار ترتيب البيت الفلسطيني هو قرار الشعب القادر على تحديد مصيره ومستقبله ومصالحه، ويكون عبر الانتخابات، ولا يمكن أن نقبل بأي مقترحات أميركية ترسلها لنا وتأتي على أهواء إسرائيل".
ويوضح أن إسرائيل فشلت في قرار إنهاء "حماس"، والدليل أنها تفاوضت عبر الوسطاء بطريقة غير مباشرة ووصلت إلى هدنة مؤقتة بقرار من قياداتنا وهذا أثار جدلاً في داخل تل أبيب حول أهداف الحرب التي تريد القضاء على الحركة.