بدأت ليلة عاشوراء، ويكثر معها البحث عن فضل صيام يوم عاشوراء وصيام العاشر من محرم، والذي يوافق الجمعة الثانية من محرم 1445.
منح يوم عاشوراء
ويقول الدكتور أحمد همام مدير عام إدارة الإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، في بيانه كيف استنهاض الهمم لصيام العاشر من المحرم صيام يوم عاشوراء: لقد امتن الله تعالى بفضله وكرمه على أمة الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وسلم- بكثير من المنح والعطايا؛ فجعل لهم مواسم للخير تضاعف فيها الحسنات وترفع فيها الدرجات؛ ليتقرب العبد من رب الأرض والسماوات، وذلك مثل شهر رمضان وليلة القدر والعشر الأوائل من ذي الحجة ويوم الجمعة والأشهر الحرم والعشر الأوائل من شهر الله المحرم وغيرها.
[[system-code:ad:autoads]]
ومن هذه المنح يوم عاشوراء، وهو اليوم الذي نَجَّى الله فيه موسى الكليم- عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم- من الغرق والهلاك على يد فرعون وجنوده؛ بل وأهلك الله فرعون وجعله مثلًا وعبرة للعالمين.
ومن باب شكر الله على نعمائه "واشكروا لي ولا تكفرون" (البقرة ١٥٢) والفرح بعطائه وكذلك كسر شوكة أعدائه «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا...» (يونس ٥٨)؛ فإننا نحن المسلمين مطالبون- على وجه الاستحباب- بصيام هذا اليوم تقربًا إلى الله تعالى وسرعةً في الاستجابة لأمر الله "وذكرهم بأيام الله" (إبراهيم ٥) وتأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وتصديقًا لما رواه البخاري ومسلم، أن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "قَدِم النّبي- صلّى الله عليه وسلّم- المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوّهم، فصامه موسى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: فأنا أحقّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه".
وتابع: في هذا الصوم ما يؤكد لنا وجوب اغتنام أيام الفرح والسعادة في طاعة الله ورضوانه بعيدًا عن سخطه وعصيانه، فقد كان النبي يفرح بعطاء الله ويُؤدِي حقه شكرًا وعبادة: "أفلا أكون عبدًا شكورًا" رواه مسلم.
وكان الصحابة يفرحون والإيمان في قلوبهم كأمثال الجبال الرواسي.
ومن جميل رحمة النبي بهذه الأمة أن هذا الصيام لم يكن على الوجوب؛ وإنما كان على سبيل الندب والاستحباب، فقد ورد عن عائشة- رضي الله عنها- أنها قالت: "كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يصومه، فلمّا قَدِم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلمّا نزل رمضان كان من شاء صامه ومن شاء لا يصمه". رواه البخاري
ولكنه في الوقت ذاته عظَّمَ أجر هذا الصيام ونوه إلى فضله- وما ينطق عن الهوى - رغبةً فيما عند الله وطمعًا في ثوابه ورحمته واستئثارًا بهذا الفضل لأمته، فقد سئل- صلى الله عليه وسلم- عن صيام يوم عَاشوراء فقال: " يُكَفِّرُ السَّنَةَ الماضية" رواه مسلم.
ويستحب للمسلم أن يصوم اليوم التّاسع مع اليوم العاشر من المحرّم إن استطاع، وذلك لما ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عباس- رضي الله عنه- أنه قال: "لمّا صام رسول الله يوم عاشوراء، وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله، إنّه يوم تعظمه اليهود والنّصارى، فقال: إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأت العام المقبل حتّى توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم" رواه مسلم.
وفي ذلك مخالفة مطلوبة لأفعال اليهود ولو كانت أفعالهم على سبيل القربة والطاعة، وكأن النبي- صلى الله عليه وسلم - يهدف من وراء هذا الصوم في هذا اليوم إلى أمور عديدة منها:
- استحباب أن يكون الفرح لأي أمر ديني أو دنيوي بطاعة الله وعبادته والتجرد والإخلاص له، وحبذا لو كان ذلك بالصيام والصلاة.
- استحباب الفرح عند نجاة المؤمنين من أي سوء، واستحباب الفرح كذلك عند هلاك الظالمين" فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين" (الأنعام ٤٥).
- وجوب تذكير الناس بعضهم بعضًا، ومِن ثَمَّ تذكير الدعاة لغيرهم بأيام الله طلبًا للعطاء واغتنامًا لأيام الخير واستنهاضًا للهمم وتشميرًا لسواعد الجد والاجتهاد.
- استذكار التاريخ وما فيه من دروس وعبر، واستلهام سِيَر العظماء للاقتداء بهم واقتفاء أثرهم، وفي الوقت نفسه يجب الحذر والبعد عن أعمال المجرمين والظالمين والنظر إلى عاقبتهم الوخيمة بعين الاعتبار، وصَدَق مَن قال: "ومن وعى التاريخ في صدره فقد أضاف أعمارًا إلى عُمُرِه".
- تعليم النشء أمور دينهم وتعريفهم بأنبيائهم وما لاقوه من العنت والإيذاء والتنكيل حتى وصلنا هذا الدين على ما هو عليه الآن؛ ليحافظ الصغار مع الكبار عليه، ويرفع الجميع رايته، ويبذل الرجال والنساء في سبيله المهج والأرواح، فضلًا عن العرق وأنواع الكفاح.