يصادف اليوم الثامن عشر من يوليو ذكرى ميلاد المفكر الأمريكي توماس كون، صاحب الإنتاج الغزير في تاريخ وفلسفة العلوم، ومن أشهر مؤلفاته «بنية الثورات العلمية»، الصادر عام 1962، وترجمه إلى العربية المترجم المصري شوقي جلال، كما قدم عدد من المصطلحات والرؤى العلمية المغايرة لما هو سائد.
وُلد توماس صاموئيل كون في 18 يوليو عام 1922، في مدينة سينسيناتي أكبر مدن ولاية أوهايو الأمريكية،
نال شهادته الجامعية في الفيزياء من جامعة هارفرد عام 1943، ثم الماجستير في عام 1946، ودرس منهج تاريخ العلوم منذ 1948 إلى 1956 بناء على رغبة رئيس جامعة هارفرد “جيمس كونانت”، وحصل على درجة الدكتوراه في عام 1949.
بعد مغادرته لهارفرد، شغل توماس كون منصبًا تدريسيًا في جامعة كاليفورنيا، في قسمي الفلسفة والتاريخ. وحصل على درجة الأستاذية في تاريخ العلوم عام 1961. وانتقل إلى جامعة برنستون عام 1964، وفي عام 1979 التحق بمعهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا (MIT)، وبقى هناك إلى العام 1991.
إسهامات توماس كون
قدم توماس كون مصطلح «العلم العادي» ويقصد به العلم اليومي الروتيني، الذي يعمل فيه العلماء في مختبراتهم ضمن “باراديغم” واحد.
كما يعود إليه مصطلح «الثورات العلمية» والذي يقصد به الثورات التي تحدث في أزمنة وفروع مختلفة من العلم، بمواجهة «الثورة العلمية» والتي تشير عادة إلى عصر النهضة.
وفقاً لرؤية “كون” فإن تطور العلم لم يكن دائماً مستقيماً وتقليدياً، وإنما كان بشكل ثورات. عند الكلام عن العلوم الإعتيادية يضرب مثلاً بحل اللغز، حيث إمكانية حل اللغز موجودة أساساً. في حين أن النظرة الثورية للعلوم التي يطرحها تتطلب مراجعة المعتقدات العلمية الحالية أو الممارسات العلمية بشكل كامل.
يرى كون أن الثورة العلمية يجب أن تقلب النظام الذي قامت على أساسه النظريات السابقة بشكل كلي، أن يستوعب النموذج جميع الشذوذات وأن يكون النموذج ذلك جديداً هو الآخر، أي الاسئلة وطبيعة التفكير التي يطرحها الباحث.
أبرز مؤلفاته
صدر له عدد من الكتب والمؤلفات، منها:
الثورة الكوبيرنيكية، عام 1957،
الشد الأساسي: دراسات في التقاليد العلمية والتغيير، عام 1977. نظرية الجسم الأسود وانقطاع الكم، عام 1987.الطريق منذ البنية: مقالات فلسفية، عام 2000. وكتابه
الأشهر «بنية الثورات العلمية»، الصادر عام 1962، وترجمه إلى العربية المترجم شوقي جلال.
كتاب بنية الثورات العلمية
يتناول الكتاب تحليلًا لتاريخ العلوم، وكان نشره سنة 1962 حادثة مهمة في تاريخ وفلسفة العلوم وعلم الاجتماع المختص في هذا الشأن، حيث أدى إلى إعادة تقييم ذاتي على المستوى العالمي وردة فعل تجاوزت مجتمع العلماء. في هذا العمل، تحدى «كون» النظرة التقليدية للتقدم في «العلم العادي». وكان يُنظر للتقدم العلمي أنه بمثابة «تطور بالتراكم» للنظريات والحقائق واسعة القبول. وجادل «كون» ليطرح نموذج «وقائع» أو «حوادث» قاطعت استمرارية الفكر والمفاهيم في «العلم العادي» بفترات من «الثورات العلمية». وأثناء تلك الثورات، أدى استكشاف الظواهر الشاذة إلى استحداث نموذج فكري كامل، يغير قواعد اللعبة ويحدد اتجاه الأبحاث الجديدة، ويطرح أسئلة جديدة عن بيانات قديمة، متجاوزًا بذلك منهج «حل الألغاز» الذي يتبناه العلم العادي.
وفي عام 1997 صدر كتاب «على طريق توماس كون: رؤية نقدية لفلسفة تاريخ العلم في ضوء نظرية توماس كون»، للكاتب والمفكر شوقي جلال، وجاء إهداء الكتاب:
«إلى توماس كون
عالم الفيزياء وفيلسوف العلم، وقد غيبه الموت في السابع والعشرين من يونيو ١٩٩٦. كانت حياته مغامرةً معرفية متصلة الحلقات اختراقًا لحواجز القياس والتقليد، بحثًا في الجذور. وأضحت نظريته «بنية الثورات العلمية» إنجاز عصر ونبراسًا هاديًا لمنطق تطور العلم في التاريخ، ومَعلمًا من معالم الارتقاء الحضاري للمعرفة الإنسانية إليه وقد سعينا ليكون له حضور بيننا وأن يكون لنظريته مكانًا في فكرنا نخطو بها على درب العلم فهمًا وإسهامًا.».
عن الكتاب
كَسرَت نظرية «توماس كُون» الموروثَ عن المعرفة العلمية، وقدَّمَت رؤيةً مُغايِرة حول تاريخ تطوُّر العلوم، ومُفادُها أن المعرفة العلمية ليست تراكُمية، بل تَخلَّلها الكثيرُ من الثورات على النظريات السائدة. ويتَّخذ «شوقي جلال» من تلك النظرية مثالًا على ضرورة الخروج عن المألوف، مؤكِّدًا على ضرورة وجودِ بيئةٍ اجتماعية وثقافية صالحة لنُموِّ أفكارٍ ونظرياتٍ جديدة، كما هو الحال في البيئة الغربية التي سمحَت بوجود العديد من المدارس الفلسفية التي تُقدِّم كلٌّ منها رؤيةً خاصةً لتطوُّر العلوم، وقد ساهمَت هذه البيئة العلمية في ظهورِ تياراتٍ جديدة نظرَت إلى العلم خارج النَّسَق السائد. وفي هذا الكتاب يدعو «شوقي جلال» إلى دراسة التراث في إطار العلم، لا في إطار الأيديولوجيا؛ فلا يُمكِن أن نصبح جزءًا من العصر الحديث إذا أغلَقنا على أنفُسنا واكتفَينا بما نملك، فهذا عين الجمود!
من أجواء الكتاب
"لُبُّ نظرية توماس كُون هو فكرة «النموذج الإرشادي الذي يُناظر المخطَّطات عند بياجيه ودورها في نمو المعرفة»؛ ولهذا انصبَّ أكثر الهجوم ضد نظرية توماس كُون على مفهوم النموذج الإرشادي والثورة العلمية.
ومن تفسيرات كُون لمفهوم النموذج الإرشادي أنه نظريةٌ علميةٌ مقترنة بمثال عن تطبيقٍ ناجحٍ ومثير. وأهم النماذج الإرشادية هي تلك التي تنشأ عنها مجالات بحثٍ علمي؛ نموذج نيوتن تولَّدَت عنه ميكانيكا الأجرام السماوية. وينشئ النموذج الإرشادي مجالًا يكون محصَّنًا لدرجةٍ كبيرة ضد التزييف، ولا يُمكِن الإطاحة به إلا عن طريق نموذجٍ إرشاديٍّ بديل. وما إن يكتمل النموذج الإرشادي ويتحدد مجال البحث حتى تبدأ فترة يُسمِّيها كُون «العلم القياسي»، وهي فترة «حل الألغاز»."