يوافق اليوم الثامن عشر من شهر مايو ذكرى ميلاد عمر الخيام، المولود في 1048 في مدينة "نيسابور"، إحدى المدن الرائدة في خراسان خلال العصور الوسطى والذي ترك إرثًا غنيًا في العلوم الفلكية والرياضية واللغة والتاريخ.
مسيرته
أمضى عمر الخيام طفولته في مدينة نيسابور، وتم تقدير مواهبه من قبل أساتذته الأوائل الذين أرسلوه للدراسة عند أعظم معلم في منطقة خراسان وهو الإمام "موفّق نيسابوري"، الذي كان يُدرس أولاد النبلاء، وسافر بعد دراسة العلوم والفلسفة والرياضيات وعلم الفلك في مدينة نيسابور، إلى مدينة بخارى في عام 1068، حيث كان يتردد إلى مكتبة الفلك المرموقة، وانتقل في عام 1070 إلى مدينة "سمرقند".
[[system-code:ad:autoads]]
كتب عمر الخيام خلال عام 1070، أعماله الجبرية الأكثر شهرة، و أطروحته «رسالة في براهين الجبر والمقابلة» التي كانت مكرسة لمعلّمه القاضي أبو طاهر، وعندما أصبح في سن السادسة والعشرين عام 1073، إتجه إلى خدمة السلطان ملك شاه الأول مستشارًا، فقد دُعي إلى "أصفهان" من قبل الوزير نظام الملك عام 1076؛ بهدف الاستفادة منه في المكتبات ومراكز التعليم هناك، بدأ في ذلك الوقت بدراسة أعمال عالم الرياضيات اليوناني "إقليدس" و"أبولونيوس".
قياس فلكي دقيق
كما شرع في إنشاء مرصد فلكي في أصفهان، حيث قاد مجموعًة من العلماء لإجراء عمليات رصد فلكية دقيقة تهدف إلى مراجعة التقويم الفارسي، وأنهى في عام 1079 مع فريقه عمليات قياس طول السنة بدقة مذهلة، ممّا يجعل التقويم الذي ابتكره النظام الأكثر دقة على الإطلاق.
رحلة الحج
فقدَ عمر الخيام التأييد الذي كان يضمنه من المحكمة؛بعد وفاة مالك شاه ووزيره، لذلك انطلق ليحجّ إلى مكة. كان أحد الدوافع الخفية المحتملة لذهابه إلى الحجّ التي أوردها "القفطي"، هو إظهار إيمانه للعامّة بهدف تهدئة حالات الاشتباه حول اتباعه لمذهب الشك.
تمّت دعوته بعد ذلك من قبل السلطان الجديد "سنجار" إلى مدينة "مرو الشاهجان" للعمل كمنجّم للبلاط الملكي. سُمح له لاحقًا بالعودة إلى مسقط رأسه نيسابور بسبب تدهور حالته الصحية. وقيل أنّه قد عاش حياته في عزلة عن البشر.
وفاته
توفي عمر الخيام عن عمر يناهز 83 عامًا في مدينة نيسابور في الرابع من ديسمبر عام 1131م، ودُفن في قبر كان قد تنبأ بموقعه في شعره، في بستان تسقط فيه الأزهار مرتين في السنة، ويطلق على ذلك المكان الآن ضريح عمر الخيّام.
رباعيات الخيام
هي مقطوعة شعرية بالفارسية، مكونة من أربعة أشطر يكون الشطر الثالث فيها مطلقا بينما الثلاثة الأخرى مقيدة.
كان في أوقات فراغه يتغنى برباعياته، وقد نشرها عنه من سمعها من أصدقائه، وبعد عدة ترجمات وصلت لنا كما نعرفها الآن. ويرى البعض أنها لا تنادي إلى التمتع بالحياة والدعوة إلى الرضا أكثر من الدعوة إلى التهكم واليأس، وهذه وجهة نظر بعض من الناس، وقد يكون السبب في ذلك كثرة الترجمات التي تعرضت لها الرباعيات، زيادة على الإضافات، بعد أن ضاع أغلبها.
من جهة أخرى؛ هناك اختلاف حول كون الرباعيات تخص عمر الخيام فعلا، فهي قد تدعو إلى اللهو واغتنام فرص الحياة الفانية، إلا أن المتتبع لحياة الخيام يرى أنه عالم جليل وذو أخلاق سامية؛ لذلك يعتبر بعض المؤرخين أن الرباعيات نسبت بالخطأ إلى الخيّام، وقد أثبت ذلك المستشرق الروسي “زوكوفسكي”، فرد 82 رباعية إلى أصحابها، ولم يبق إلا القليل الذي لم يعرف له صاحب.
ترجم رباعيات عمر الخيام إلى الإنجليزية “إدوارد فتزجيرالد” في عام 1859، فعرفت هذه الترجمة نجاحا كبيرا لدى مستشرقي نهاية القرن.
كما فسر البعض رباعياته على أنها إلحاد، كونها تدعو إلى اللهو والمجون، بينما يرى الفريق الآخر أنه مات مسلمًا؛ مستنتجًا ذلك من سيرته ومؤلفاته ومن رافقه من العلماء.
يقول عمر الخيام:
لبستُ ثوب العمر لـم أُسْتَشَـرْ
وحرت فيه بيـن شتّـى الفكـر
وسوف أنضو الثوب عني ولـم
أدركْ لمـاذا جئـتُ أيـن المقـر
لـم يبرح الداء فؤادي العليـل
ولـم أنل قصدي وحان الرحيـل
وفـات عمـري وأنا جاهـل
كتاب هذا العمر حسم الـفصول
من هنا نرى أن رباعيات الخيام تتراوح بين الإيمان والإلحاد وبين الدعوة للمجون والدعوة للهو وبين طلب العفو من الله وإعلان التوبة، لذا اختلف العلماء في تصنيف عمر الخيام والأرجح أنه لم يخرج عن المألوف، إنما هي صرخة في وجه الظلم والأمور الدخيلة على الدين الإسلامي في عصره.
فيما لم يفكر أحد من معاصريه في جمع الرباعيات، فأوّل ما ظهرت سنة 865 هجرية، أي بعد رحيله بثلاثة قرون ونصف، وأوّل ترجمة للرباعيات كانت للغة الإنجليزية، وظهرت سنة 1859، أما الترجمة العربية من الفارسية فقام بها الشاعر المصري أحمد رامي، وهناك ترجمة أخرى للشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي، كما ترجمها كذلك الشاعر الأردني عرار.