الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أحمد السعيد: مصر دولة مركزية ومحورية لبكين.. الصين لن تدخل حربا مع تايوان.. والعالم سينقسم إلى معسكر شرقي وآخر غربي|حوار خاص

صدى البلد

تمثل تجربة التنين الصينى، نموذجا ملهما لدول العالم، فى النهضة والتحدى والإصرار على النجاح، حيث فرضت الصين نفسها على الساحة الدولية كقوة عظمى تناطح الجميع وخاصة أمريكا سواء كان على الصعيد الاقتصادي أو العسكري، وتحاول جميع دول العالم تحسين وتعزيز علاقاتها مع الاقتصاد الأكبر في العالم خاصة في ظل الأزمات الطاحنة التي يواجهها العالم بسبب عواقب فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية.

ومع استمرار تراجع نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ ازداد الاستقلال السياسي لدول المنطقة بشكل ملحوظ، وأصبح "الانفراج والتنمية" موضوعًا جديدًا في الشرق الأوسط؛ وقد فتح التعاون الصيني العربي بداية فرص تاريخية جديدة، حيث لعبت الصين دور الوساطة في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض.

 

وفيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، اتهمت أمريكا وحلف شمال الأطلسي الصين بتقديم أسلحة فتاكة إلى موسكو، الأمر الذي عارضته ونفته بكين بشدة، ولكن تغيرت تلك الاتهامات الآن لتصبح استغاثات بالصين للعب دور الوساطة لإنهاء الأزمة وإقناع روسيا بالحوار والجلوس على طاولة المفاوضات.

 

وفي ظل تلك الأحداث العالمية المتشابكة والمتوترة أجرينا ذلك الحوار مع د.أحمد السعيد الخبير في الشأن الصيني.. وإلى نص الحوار:

  • مصر دائما حاضرة مع الصين في كل كواليس ما يحدث في المنطقة.
  • بكين لن تتخذ أي إجراء عنيف او أمني تجاه تايوان بأي شكل من الأشكال.
  • العالم سيتقسم إلى معسكر شرقي وآخر غربي ولكن دون وجود حرب باردة.
  • أمريكا تحاول حصار الصين عن طريق الدول المحيطة بها.
  • الصين المنتصر الأكبر من أزمة كورونا، محققة أفضل معدل اقتصادي بنمو قدره 3%.

 

الصين لديها توجهات جديدة تجاه منطقة الشرق الأوسط، وخير دليل على ذلك دور الوساطة الذي لعبته بكين في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، وتدخلها لإنهاء الصراع بين فلسطين وإسرائيل، فأين مصر من هذه التحركات والتوجهات وما هو مستقبل العلاقات وموقف مصر من الحزام والطريق؟

تعتبر مصر دولة مركزية هامة للغاية بالنسبة للصين، لما تمتلكه مصر من مكانة  حيوية ومؤثرة في إقليمها سواء كان إفريقيا أو شرق أوسطيا، وبالتالي مصر دائما حاضرة مع الصين في كل كواليس ما يحدث في المنطقة، كما أن الوضع الجغرافي لمصر بين 3 قارات يمنحها دائما أفضلية بالنسبة لخطط الصين، وخاصة مبادرة الحزام والطريق، فمصر لديها زخم إعلامي وثقافي وثقل سياسي وجيش قوي وتتمتع بقيادة سياسية حكيمة، ناهيك عن العلاقات القوية للغاية بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والزعيم الصيني شي جين بينج.

وفيما يتعلق بحل الأزمة الفلسطينية، فلا يوجد حل لتلك الأزمة إلا بوجود ضامن وهو مصر التي تحظى بثقة الشعب الفلسطيني وبدون الوجود الصيني في المرحلة القادمة، لأنها أكثر دول في العالم تستطيع السيطرة على إسرائيل في المرحلة القادمة. 

وبخلاف القضية الفلسطينية فالصين لها دور كبير في دعم عودة سوريا للجامعة العربية بعد 12 عاما، وسيكون لها دور لإنهاء التوترات والأوضاع غير المستقرة التي تشهدها السودان ورفع الحظر عنها، كما أنها ستساهم في التنمية التي تحدث في المنطقة، وأعتقد أن الاستثمارات الصينية القادمة وخاصة في مصر ستكون غير مسبوقة، لما يتمتع به مصر والصين من شراكة استراتيجية شاملة يجعلها مستقطبة دائما لبكين سياسيا وثقافيا واقتصاديا وتجاريا وإعلاميا، وبالتالي ستكون الأفضلية دائما لمصر.

صرح وزير الخارجية الصيني تشين جانج، أن تايوان خط أحمر وأن أمريكا تستغل أزمة أوكرانيا لتزويد تايوان بالأسلحة، فمتي تنتهي الأزمة بين تايوان والبر الرئيسي وتعود تايبيه للوطن الأم، وهل ستؤثر انتخابات تايوان الرئاسية في مصير عودة تايوان، وهل نشهد استخدام بكين للقوة؟

تصريح وزير الخارج الصيني تشين جانج ليس جديدا، بل أنه بند تم إضافته في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني بأن تايوان جزء لا ينفصل عن الصين وأنه لا توجد في العالم إلا صين واحدة، وتعتبر تلك التصريحات تأكيدا لمبدأ الصين الثابت، الذي لا يتغير بأي شكل من الأشكال. 

أزمة تايوان ليست أزمة بين سكان البر الرئيسي الصيني وسكان الجزيرة، بل إنها أزمة بين الحكومة الصينية والأمريكية واليابانية، لها أسبابها السياسية الواضحة، حيث أنها وسيلة أمريكية للضغط وإحراج الصين على الساحة العالمية بحجة المحاولات الانفصالية، وهناك أسباب اقتصادية تخص كوريا واليابان، حيث أن السيطرة على الحركة التجارية للسفن في مضيق تايوان هي سيطرة على كثير من الخطوط التجارية في العالم. 

انتهاء الأزمة سيكون من داخل تايوان بطريقة سلمية عن طريق التفاوض مع الحكومة الصينية، لأن تايوان منقسمة داخليا الى قسمين أو إلى حزبين حزب موالي للصين "الكومينتانج" ويميل إلى العودة إلى الصين بنفس تجربة كونج كونج وماكاو دولة واحدة ونظامان، وجزء ثاني "الحزب الديمقراطي التقدمي" يحظى بدعم كبير من أمريكا واليابان يحاول الانفصال عن البر الرئيسي، أما المواطن التايواني فهو لا يبالي بأمر الانفصال، لأنه سيحتفظ بجواز سفره ومزاياه الاقتصادية على أكمل وجه، فمن وجهة نظره، لن يخسر أي شيء.

وفيما يتعلق باستخدام الصين القوة لاسترداد تايوان، فإن بكين لن تتخذ أي إجراء عنيف او أمني تجاه تايوان بأي شكل من الأشكال، فالصين بإمكانها استخدام القوة لمحاربة أي دولة في العالم، أما تايوان فليست دولة، بل إنها جزء من الوطن الأم، وبالتالي من المستبعد تماما بأي شكل من الأشكال أن يكون هناك  حرب إلا إذا أعلنت تايوان بشكل رسمي انفصالها عن الصين وهو إعلان لم يتم إلى الآن.

وفيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية في تايوان، فإذا نجح الحزب الموالي للصين، الذي ينادي بالعودة إلي حكم بكين، عندئذ سيكون حل الأزمة سريعة للغاية، أما إذا نجح الحزب الديمقراطي فلن يتغير الوضع ولن يتفاقم، لأن الأزمة لا تخص تايوان أو الصين، بل إنها أزمة إعلامية بضغط أمريكي بالتعاون مع كوريا واليابان، لتعطيل الصين عن مسار التنمية والتقدم الاقتصادي.

كيف تقيم التحركات الصينية لأوروبا، حيث كثفت بكين زيارتها لأوروبا عندما زار وانج يي العديد من الدول الأوروبية الهامة على هامش مؤتمر ميونخ للأمن.. كما سجري وزير الخارجية الصيني جولة أوروبية تشمل فرنسا وألمانيا والنرويج، فهل استطاعت الصين أن تعزز علاقاتها مع القارة العجوز بع محاولات أمريكا أن تفشي الوقيعة بين الطرفين؟

النمو الصيني يضر أوروبا، ولكن العلاقات السياسية هي علاقات مصالح، فمن الممكن أن نرى أوروبا تتجه للصين لأن المنافع الاقتصادية والتجارية التي تأتي منها أكبر من أمريكا، والصين أيضا تتعامل مع هذا الأمر بذكاء شديد، فهي تحاول أن تفض العهد المتين الأمريكي الأوروبي، من خلال صنع التفرقة بينهم، حيث أنها تتعامل مع القارة العجوز بعيدا عن الإملاءات الأمريكية، وخير دليل على ذلك، إجراء وزير الخارجية الصيني حوارا صحفيا مع السفير الأمريكي ببكين، قبل الخروج لزيارة ألمانيا وفرنسا والنرويج، لكي يخبره بالرسائل الصينية قبل زيارة أوروبا.

وتعتبر ألمانيا أحد أهم الشركاء التجاريين للصين، ومن ناحية أخرى، تستورد فرنسا كل منتجاتها هي الأخري من بكين، كما أن السياحة الصينية هي أحد أهم مصادر الدخل لباريس، فالتحركات الصينية تجاه أوروبا لاستقطاب الدول الأوروبية لمبادرة الحزام والطريق، وتفرض عزلة لأمريكا على الساحة الدولية، وتقليل الدول الداعمة لواشنطن بدون قيود أو شروط.

ونتيجة لتلك التحركات، سيتمتع الجميع بعالم متعدد الأقطاب، تأتي في مقدمته أمريكا دائما ذات التأثير الثقافي والإنساني الأكبر، ومن الممكن أن تأتي الصين في المرتبة الثانية، ثم بعد ذلك تظهر كتل أخرى مثل روسيا التي تدعم الصين، وألمانيا التي تدعم أمريكا، أما عن بقية دول الاتحاد الأوروبي فاقتصادهم لا يسمح لهم بالمنافسة، وبعد تلك التغيرات الكبيرة، سينقسم العالم إلى معسكر شرقي ومعسكر غربي ولكن دون وجود حرب باردة، لأن الطرفين "أغنية"، على عكس تجربة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي.

ولكن من ناحية أخري، الصين تهتم بتواجدها في أفريقيا أكثر من أوروبا وكان ذلك واضحا للغاية عندما زار وزير الخارجية تشين جانج القارة السمراء كأول زيارة خارجية له بعد تعيينه، ولكن العلاقات مع أوروبا هامة فقط من أجل المكانة الدولية، لكي تكون لاعب قوي في القضايا السياسية الدولية.

شهدنا في الآونة الأخيرة تحسنا في العلاقات بين كوريا واليابان بوساطة أمريكية بعد سنوات من التوتر والأزمات التاريخية، حيث كثف الأطراف الثلاثة مناوراتهم العسكرية وتعاونهم الأمن، فكيف لهذا التقارب أن يؤثر سلبا على الصين؟

العلاقات بين اليابان وأمريكا وكوريا الجنوبية علاقات وطيدة ووثيقة، حيث يجمعهم التضرر من التقدم الاقتصادي الصيني و بالتالي أي تقرب بينهم يكون الهدف منه إضعاف الحالة الاقتصادية للصين على الساحة الدولية. حيث أن بزوغ النجم الصيني في الصناعات و بالاخص الصناعات التقنية سوف يؤثر بشكل كبير جدا على الدخل القومي لكوريا واليابان، بالإضافة إلي أن الصين أصبحت من العلامات البارزة في صناعة السيارات والسيارات الكهربائية و هذا ما يعتمد عليه كوريا و اليابان في دخلهم القومي. 

وفي هذا الصدد، تحاول أمريكا حصار الصين عن طريق الدول المحيطة بها مثل استراليا و كوريا الجنوبية و اليابان، فبالتالي كلما أصبحت العلاقات بينهم قوية كلما تأثرت الصين، لذلك تحاول الصين من الجانب الآخر أن تبني علاقات حديدية قوية جدا مع إيران وباكستان ودول آسيا الوسطى وتحاول على فك الترابط الأمريكي الأوربي لكي تعوض به الضرر الواقع عليها من الترابط الياباني والكوري.

 كما أن المناورات العسكرية لن يكون لها تأثير بعيد لأن الصين ليست بدولة حرب فالصين مسيطرة بشكل جيد على بحر الصين الجنوبي وعلاقتها جيدة  بالدول التي توجد في البحر و لا تهتم بالحركات الأمريكية، فالضغط الأمريكي في أكثر من اتجاه سواء من خلال استراليا او اليابان او كوريا او من خلال قضية تايوان واللعب وورقة حقوق الإنسان أو من خلال كورونا. فالهدف من كل هذا هو إضعاف الصعود الصيني الذي يمثل لأمريكا أكبر تهديد قد يحدث في العالم.

هل استطاعت أمريكا أن تفرض سيطرتها على بحر الصين الجنوبي وتعزيز حصارها للصين بتوطيد علاقاتها مع الفلبين وكوريا الجنوبية واليابان وإسرائيل؟

الصين أقوي من أن يتم حصارها فهي أصبحت أقوى بكثير على الساحة الدولية وحضورها الدولي أقوي، حيث يوجد ٦٨ دولة مشتركة في الحزام و الطريق و أصبح لديها البنك الآسيوي الدولي للاستثمار في البنية التحتية و العديد من التحالفات و لديها مبادرات دولية ذات نتائج جيدة، كما أنها المنتصر الأكبر من أزمة كورونا، محققة أفضل معدل اقتصادي بنمو قدره 3%.

وعلى الرغم من توتر العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم، إلا أن العلاقات التجارية بين واشنطن وبكين كبيرة جدا، فالبتالي الخاسر  في النهاية هو الشعب الأمريكي خصوصا بعد رفع الأسعار وقلة المنتجات وارتفاع الديون.

أما الصين فهي تتجه إلى دول أخرى غير اليابان و كوريا للتعاون معها لأن الصين سلاحها الأساسي هو الاقتصاد و أداء اقتصاد الصين هو الأفضل في العالم محقق ٣٪؜ نمو في سنوات الكورونا، علي عكس جميع الدول الأخرى التي تضررت بصورة كبيرة. وهذا يعني أن الصين محافظة على تواجهها و وضعها الدولي بشكل جيد. وتعمل بكين مع دول منظمة البريكس لاعتماد عملات محلية لدول البريكس والاستغناء عن الدولار، حيث من الممكن أن نرى استيراد البترول من الدول العربية باليوان.