يُعد الأدب المصري القديم بوتقةٌ تضم العديد من النماذج القصصية والشعرية؛ بما في ذلك النقوش على جدران المقابر والمعابد والمسلاّت والأعمدة؛ قد تجد الكثير من الحكايات والأساطير والمُدونات الدينية والفلسفية، سيرٌ ذاتية وتأريخات، شعرٌ وترانيم، مقالات شخصية، تسجيلات للمحاكمات، وعلى الرغم أن هذه النماذج لا تُعد أدب بالشكل الدارج؛ إلا أنه قد تم تصنيفهم كذلك في الدراسات المصرية، ويمكن تقسم تاريخ الأدب عند المصريين القدماء إلى عصرين كبيرين قديم وحديث.
العصر القديم
امتاز الأدب في العصر القديم بشيوع المحسنات اللفظية؛ حيث اهتم الكتاب بزخرفة الألفاظ وتنميقها على نحوٍ مُشابه لما ساد اللغة العربية في العصر العباسي الثاني، غير أن الكُتاب الفراعنة كانوا يعنون بناحية المعنى عنايتهم بترصيع الألفاظ، فكتبوا بهذه الأساليب المزخرفة بحوثُا قيمة، ضاع كثيرا من أدب هذا العصر ، فلم تعثر فيه إلا على كتب للأمثال أو للتعاليم المدرسية أو التأملات، وأما غير ذلك من ألوان الأدب فلم تعثر على شيء..
[[system-code:ad:autoads]]
عثرنا على قدر قليل ولا يمكن أن نتصور خلو الأدب المصري القديم من قصائد غزلية مثلّا، أو من أناشيد ملكية، أو أن عناية المصريين القدامى بالأمثال والتعاليم المدرسية تفوق عنايتهم بالغزل والنشيد، وإن كنا قد وجدنا منها شيئًا لا بأس به، وكل ما هنالك أنهم اعتادوا أن يدفنوا مع تلاميذ المدارس كتبهم عند موتهم؛ فحفظتها القبور لنا حتى وصل إليها الكاشفون المنقبون فعرفناها، أما كتب الأدب الأخرى التي كانت تحفظ مع الأحياء فقد جهلنا أمرها.
ويبدو غريبا لنا أن نرى المصريين - وقد عنوا كثيرا بدينهم وآخرتهم - يجعلون للدين المرتبة الثانية من أدبهم، وقد يخفف من حدة هذه الغرابة أن العقيدة أمر موروث يأخذه الأبناء عن الآباء من غير بحث ولا اقتناع.
ويظهر في عهد الأسرة الخامسة (سنة ٣٧٠٠ ق.م) من العصر القديم، قد أنشئ كتاب واحد على الأقل من كتب الأمثال، وقد بلغ الأدب غايته في هذه المرحلة بين الدولتين القديمة والوسطى وفي عهد الأسرة الثانية عشرة
المشهورة (۱۹۹۵-۱۷۹۰ ق.م).
وقد ظلت كتابات هذا العصر تقرأ في المدارس المصرية القديمة خمسمائة سنة. على حالها عن الزخرفة والعناية بالمحسنات اللفظية التي أُغرم بها المصريون وقتها إغرامًا شديدا، والتي بذل الأدباء في سبيلها كل جهد ليصلوا بها إلى العذوبة والجمال.
العصر الحديث
غير الأدب وجهته في هذا العصر، فسار في طريق أخرى غير الطريق التي اعتادها قديما فقد كانت مادة الأدب إلى هذا الوقت اللغة الفنية العالية في كل ألوانه، وقد تقترب من لغة المحادثة إذا تناولت وثائق حيوية أو صورت قصصًا شعبية.
أما في العصر الحديث فقد احتجبت اللغة الفنية، ولم يعد أحد من الشعب يفهمها، حتى إنه في عهد الثورة الدينية العظيمة التي حدثت أيام «أمنحوتب الرابع من ملوك الأسرة الثامنة عشرة، بدأ القوم يكتبون الشعر بلغة العامة، وقد أُلّفَتْ بهذه اللغة أنشودة الشمس الجميلة، وهي تضم في طياتها منهاجا للإصلاح الديني ولقد استقر نظام الكتابة بلغة العامة، وكتب له البقاء، وفي عهد الأسرتين التاسعة عشرة والعشرين ظهر أدب قوي مكتوب بتلك اللغة الجديدة التي أسميناها «المصرية الجديدة»، كما كتب بها جزء كبير مما جمعناه في هذا الكتاب وقد بقي للمدارس خطرها أيضًا في عهد المصرية الجديدة، ولكن أساليبها دبت فيها الحياة بقدر ما ذاق المصريون من حلاوة الحياة في هذا العصر؛ إذ رأوا الدنيا بعين الرضا، فتعشقوها وشغفوا بها.
والأدب الحديث خلو من الأفكار العميقة والبحوث الفلسفية، وقد يسوق الله إلينا كشفًا جديدًا يغير هذا الرأي، فإن حال مصر في ذلك الوقت تدعو إلى نقيضه.
ولم تَدمَّ سيطرة المصرية الجديدة على الأدب طويلًا، فإن الأدباء حنوا إلى العهود الأولى، فأخذوا يرضعون عباراتهم وينتقون لها أصفى الألفاظ والأساليب، وقد يزينونها بالألفاظ الأجنبية، واستمر الأدباء في طريقتهم يهذبون اللغة نحو خمسة قرون.
وأخذ هذا النوع من الأدب بعدها في الانحطاط حتى كاد أن يتلاشى وكان على تلاميذ المدارس أن يتعلموه كأنه مادة غريبة عنهم، حتى آل نجم الأدب إلى الغروب كما آل نجم مصر إلى السقوط. استمرت الحال كذلك عدة قرون - وقد نستثني منها عصر الإغريق – إلى أن ظهر أدب . جديد هو الأدب الديموطيقي، ولا دخل له في موضوع كتابنا. ويلاحظ أن اللغة الأجنبية التي كان الأدباء يزينون كلامهم بها في العصر الأخير من الدولة الحديثة، كانت مستعارة من لغة فلسطين غالبًا؛ لما كان بين البلدين من علاقة متينة قوية، وهذا يدعونا إلى القول بأن «كنعان» قد تأثرت بمصر من ناحية الأدب، كما تأثَّرَتْ بها من ناحية الفن. ولو وصل إلينا شيء من الأدب الفينيقي لرأينا الطابع المصري فيه واضحًا أيضًا من غير شك، وإننا لنرى الأدب العبراني - وإن كان زمنه متأخرا عن الزمن الذي نتحدث فيه – يذكرنا بنوع من الكتابات المصرية، نرى ذلك واضحًا في المزامير وأناشيد الإنشاد في الأدب الحكيم عند العبرانيين، وقد نرى تأثيرًا كذلك غير مباشر للغة المصرية، إذا دققنا البحث في أساليب العبرانيين وطرائق تعبيرهم غير ما ذُكر. وما دمنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة، فليس ببعيد إذن أن يكون الأوروبيون أنفسهم قد تأثروا بالعقلية المصرية والتفكير المصري، فاستفادوا وأفادوا.