الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الحوار الوطني والزيادة السكانية .. 70 عامًا من المعاناة هل تجد حلًا

جلسات الحوار الوطني
جلسات الحوار الوطني

واجهت مصر تحديات كثيرة، ولكن يظل التحدي الأكثر إلحاحًا مشكلة الزيادة السكانية، حيث تأتي مصر في المرتبة الأولى عربيًا من حيث عدد السكان، والثالثة أفريقيًا، والرابعة عشرة عالميًا.

وحسب التقرير الصادر من هيئة الأمم المتحدة في يوليو 2022، يتركز أكثر من نصف الزيادة المتوقعة في عدد سكان العالم حتى عام 2050 في 8 بلدان (جمهورية الكونغو الديمقراطية، مصر، إثيوبيا، الهند، نيجيريا، باكستان، الفلبين، وجمهورية تنزانيا المتحدة).

وحذر ليو زينمين، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، من أن النمو السكاني السريع يجعل القضاء على الفقر، ومكافحة الجوع وسوء التغذية، وزيادة تغطية أنظمة الصحة والتعليم أكثر صعوبة.

جلسات الحوار الوطني

تحدث الرئيس عبد الفتاح السيسي، في يناير 2023 عن تأثير الزيادة السكانية، قائلا: "بتلوموني وتلوموا الحكومة.. انتوا بتتكلموا في زيادة 2 مليون .. طب في 10 سنين 20 مليون .. طب إحنا مواردنا زادت أولا علشان تكفي قبل الـ 20 مليون .. طب لما ييجوا.. مش لهم طلبات في كل شيء.. أغذية ومدارس ومستشفيات ووظائف".

وقال عندما افتتح المرحلة الأولى من مدينة المنصورة الجديدة في ديسمبر 2022 ، إن النمو السكاني سيأكل الدولة، معلقًا: "هل يرضى ربنا كنا من 100 سنة، حاجة والوضع الحالي حاجة تانية".

وأضاف الرئيس معلقا على زيادة النمو السكاني مع محدودية الموارد: “خلاص ارضوا بقا متقولوش إيه أنا مفتكرش حد هيقدر يعمل أكتر من اللي إحنا بنعمله والله، البلاد اللي زى حالتنا عايزة واحدة من تلات حاجات يا إما صبر وعمل ودا مسار اللي هيشوف نتايجه مش إحنا ولكن الشباب الصغيرين اسمعوا كلامي".

وأكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء في أكتوبر 2022، أن الزيادة السكانية تحدٍ كبير يواجه الدولة المصرية، قائلا: "المؤتمر الاقتصادى الذى عقد فى عام 1982 ذكر أن تحديات الاقتصاد المصرى أساسها اختلال التوازن فى الحجم المتزايد من السكان ولم تقابله زيادة مماثلة فى الموارد الاقتصادية".

وأضاف أن الزيادة السكانية فى مصر تعادل حجم الزيادة السكانية فى 27 دولة أوروبية خلال ثلاثين عاما، أما فيما يتعلق بالناتج المحلى فهو لا يفى بالاحتياجات المزايدة للمواطنين ما يتطلب إعادة ترتيب أولويات الإنفاق العام والخاص وزيادة معدلات الإنتاج.

قضية الزيادة السكانية 

وانطلقت الأربعاء 3 مايو 2023 - أولى جلسات الحوار الوطني، الذي دعا إليه الرئيس السيسي، خلال حفل إفطار الأسرة المصرية 26 أبريل 2022، بمشاركة واسعة من مختلف القوى السياسية والحزبية ورجال الدولة والمال والأعمال والرياضة والفن والثقافة، إضافة لممثلي النقابات والاتحادات المهنية والعمالية والنوعية والمتخصصة والمجتمع المدني وأهل الخبرة والمعرفة.

وتم تحديد المحاور الرئيسية في الحوار الوطني، وتقسيمها إلى 3 محاور، بحيث يضم كل محور، عددا من اللجان التي تهتم بمناقشة الملفات بداخله، وجاء تقسيم المحاور كالتالي:

  • المحور السياسي.
  • المحور الاجتماعي.
  • المحور الاقتصادي.

فيما يخص لجان المحور الاجتماعي ، فقد تم تقسيم لجان المحور الاجتماعي، إلى 6 لجان فرعية كالتالي:

  • لجنة التعليم والبحث العلمي.
  • لجنة الصحة.
  • لجنة القضية السكانية.
  • لجنة الأسرة والتماسك المجتمع.
  • لجنة الثقافة والهوية الوطنية.
  • لجنة الشباب.

فيما يخص اللجنة الثالثة في المحور الاجتماعي، هي لجنة القضية السكانية، وتناقش ما يلي:

  • تشخيص الحالة السكانية في مصر.
  • تنمية الأسرة وتنظيمها.
  • تحسين الخصائص السكانية.
  • الخريطة السكانية والتوسع العمراني.

توزيع الخريطة السكانية 

قامت مصر بجهود كبيرة في ملف الزيادة السكانية فقد أطلقت مدن الجيل الرابع عام 2018 للتوسع العمرانى وزيادة المساحة المعمورة وتقليل التكدس و توزيع الزيادة السكانية الكبيرة بدلا من التمركز في الوادى والدلتا ، وتحديث الخريطة السكانية والعمرانية، ومنذ عام 2014 حتى 2022 وصل معدل الإنفاق على المدن 45  مليار جنيه فى السنة،  

ومن أبرز مدن الجيل الرابع العاصمة الإدارية وتصل مساحتها لـ 180 ألف فدان المرحلة الأولى منها بمساحة 40 ألف فدان، وعدد السكان المتوقع 6.5 مليون نسمة، والعلمين الجديدة والمنصورة الجديدة وتوشكى الجديدة وحدائق أكتوبر والعبور الجديدة وغيرها.

وتبنت الدولة مخططًا استراتيجيًا للتنمية العمرانية في مصر، يستهدف زيادة مساحة المناطق المعمورة، وإنشاء التجمعات العمرانية والمدن الحضارية، بهدف تخفيف الازدحام عن المدن القديمة، ومجابهة الزيادة السكانية المطردة، حيث تم البدء فى تنفيذ 14 تجمعًا عمرانيًّا جديدًا فى شتى أنحاء الجمهورية (العاصمة الإدارية الجديدة - العلمين الجديدة - المنصورة الجديدة - شرق بورسعيد - ناصر بغرب أسيوط - غرب قنا - الإسماعيلية الجديدة - رفح الجديدة - مدينة ومنتجع الجلالة - الفرافرة الجديدة - العبور الجديدة - توشكى الجديدة - شرق العوينات)، وتبلغ إجمالى مساحات هذه التجمعات الجديدة نحو 380 ألف فدان، تمثل 50% من إجمالى مساحات التجمعات العمرانية التى تم تنفيذها خلال الـ 40 عاما السابقة، ومن المخطط أن تستوعب التجمعات العمرانية الجديدة، عند اكتمال جميع مراحلها، نحو 14 مليون نسمة، وتوفر حوالى 6 ملايين فرصة عمل دائمة.

ويشهد أيضاً القطاع العقاري في مصر طفرة كبيرة في كافة المحافظات مما أدى إلى تغير خريطة العقارات في الوطن وذلك بعد سنوات طويلة ظلت مصر تعاني المشكلة نفسها، فالمساحة المأهولة ثابتة بينما يتزايد عدد السكان بمعدلات متسارعة، وفي الوقت نفسه تتآكل رقعة الأراضي الزراعية أمام تعديات البناء.

وقال الدكتور عادل عامر الخبير الاقتصادي، إن الزيادة السكانية إذا لم يقابلــــها مشروعات تنموية تغطي حجم هذه الزيادة السكانية فبالتالي سوف تتآكل هذه التنمية حيث إن عمليات التنمية تفقد تأثيرها كلما زاد حجم السكان، حيث إن المواطن لن يشعر بأي تنمية تمر بمصر لأن الزيادة في حجم السكان تُدمر هذا الانجاز سنوياً

وأضاف الدكتور عادل عامرتصريحات لــ"صدى البلد" ،أن أي مرحلة من مراحل التنمية يجب أن يقابلها عمليات لتنظيم النسل و توزيع جيد للكتل السكانية على المناطق الاقل سكاناً، لكي يشعر المواطن بآثار التنمية.

واستكمل الخبير الاقتصادي، أن مواجهة هذه الازمة تكمن في تنفيذ أمرين في غاية الأهمية ألا وهما؛ ما قامت به الدولة المصرية بالفعل من خلال الامتيازات المادية التي تم منحها للأسر التي تحافظ على انجاب ما لا يتجاوز الطفلين، وثانياً إعادة توزيع السكان على المحافظات الاقل سكاناً بحيث إن تدخل هذه المحافظات في حيز التنمية وبالتالي تغطي هذه الزيادة والاستفادة من العنصر البشري ، فضلاً عن نقلهم لمناطق الجمهورية الجديدة وإقامة المشروعات التنموية بها وتوفير كافة السبل مثل المرافق والمواصلات.

التوسع العمراني والتنمية                

وفقاً لدراسة قام بها المرصد المصري في 2022 قامت بها سالي عاشور فإن الأهمية والدافع وراء التوسع في إنشاء المدن الجديدة المصرية، هو وسيلة لاستيعاب الزيادات السكانية، وتمثل كذلك وسيلة لإحداث تنمية شاملة في كافة أرجاء الجمهورية، والتوسع في بناء ظهير عمراني وخدمي وتجاري وسياحي جديد يستوعب الزيادة السكانية المطردة.

وذكرت الدراسة: تشير التوقعات أن يبلغ معدل الزيادة المتوقعة في عدد السكان من 100 مليون إلى 160 مليون نسمة بحلول عام 2050، وفقاً لآخر الإحصائيات السكانية للأمم المتحدة (UN Data, 2019) وكانت إحدى أهم نتائج هذا التشخيص أنه على الرغم من الانطباع العام بشأن الازدحام المفرط، فمن المتوقع أن يفوق عدد سكان الحضر في مصر عدد الأشخاص الذين يعيشون في المناطق الريفية لأول مرة في عام 2041، بحلول ذلك الوقت سيعيش 69 مليون شخص مصري في المناطق الحضرية.

واستكملت: يبلغ عدد المدن المصرية نحو 223 مدينة يسكنها 43.1% من السكان، يتركز 56% منهم في منطقة القاهرة الكبرى ومحافظات الإسكندرية، ويمثل إقليم القاهرة الكبرى أكبر منطقة حضرية في القارة الأفريقية، وهو المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي في مصر، مع وجود أكثر من 19 مليون نسمة يمثلون نحو 20% من سكان البلاد. 

وتابعت الدراسة: ينظر إلى قطاع التشييد والبناء في مصر بوصفه قاطرة للنمو والتنمية؛ نظرا إلى دوره في نمو القطاعات المغذية الأخرى والمستهلكة لمنتجاتها، بالإضافة إلى قدرته على استيعاب العمالة وخاصة العمالة غير الماهرة أو المدربة، فبحسب الدراسات الاقتصادية أن كل فرصة عمل في القطاع توفر حوالي 7 فرص للعمل في القطاعات الأخرى. حيث يعمل في هذه الصناعة أكثر من 3.5 مليون عامل على مستوى الجمهورية بصفة مباشرة، وهذا بخلاف الوظائف المؤقتة وغير المباشرة والتي يتم توفيرها. 

استيعاب الزيادة المتلاحقة

وأكدت الدراسة: سيكون تطوير مدن الجيل الرابع في جميع أنحاء الجمهورية بما في ذلك (مدينة المنصورة الجديدة، العاصمة الإدارية)  محركًا رئيسًا لأنشطة البناء في السنوات القادمة، ومن المتوقع أن تؤدي هذه التطورات إلى رفع القدرة التنافسية للسوق المحلية وتحسين مستويات المعيشة وخلق فرص العمل، و تأتي المنصورة الجديدة كإحدى مدن الجيل الرابع التي تتوسع فيها الدولة حاليًا بإنشاء أكثر من 30 مدينة على ذات النمط، وقد تم إطلاق المخطط في عام 2017 ليبدأ العمل بها في بداية مارس عام 2018، وتتميز تلك المدينة بكونها تمثل امتدادًا قويًا لمدن الدلتا المزدحمة بالسكان، وفي حاجة ماسة إلى التوسع العمراني لاستيعاب الزيادات السكانية المتلاحقة، وتم اختيار الموقع ليتوسط تجمعات ذات ثقل سكاني وقاعدة اقتصادية؛ بحيث تحقق التوازن والتنمية الشاملة لمنطقة الدلتا، ومن هذا المنطلق، تم التخطيط لأن تستوعب تلك المدينة أكثر من 600 ألف نسمة، هذا وتحتوي المدينة على عدد من الخدمات المتنوعة، بداية من توافر الخدمات التعليمية وذلك عبر إنشاء جامعة أهلية وهي جامعة المنصورة الجديدة للعلوم والتكنولوجيا، بالإضافة إلى عدد من المدارس العامة والدولية أيضًا، ويضم مخطط المدينة عدة مشروعات سكنية، مختلفة الفئات كـ: (إسكان سياحي، وإسكان الفيلات، وإسكان متوسط، وإسكان اجتماعي).

وختتمت الدراسة: يجب الاعتراف بأن التوسع العمراني يمثل قوة دافعة مهمة للتنمية الشاملة في مصر؛ فعلى سبيل المثال توجد 80٪ من فرص العمل في المدن؛ وتسهم القاهرة والإسكندرية وحدهما بأكثر من 40٪ من الناتج المحلي الإجمالي لمصر، فقد نجحت تلك المدن في جذب الشركات والاستثمارات، مع إمكانيات مستقبلية أكبر، ويمكن أن تساعد الروابط القوية بين المدن كمراكز اقتصادية والمناطق الريفية في ضمان استفادة الجميع من ثمار التوسع الحضري.