يصادف يوم الثلاثين من أبريل ذكرى وفاة الشاعر السوري نزار قباني، صاحب العطاء الشعري الفريد، والممتد لأكثر من نصف قرن، فقد عُرف بشاعر الحب والمرأة، وبرع في الشعر السياسي، لذلك نتناول في السطور التالية مقتطفات من أقواله ، وأبرز ما قيل عن شعره وشخصه.
ولد نزار قباني في 21 مارس 1923، لأسرة عربية دمشقية عريقة، جده أبو خليل القباني من رواد المسرح العربي، تخرج من كلية الحقوق في الجامعة السورية عام 1945، والتحق بالسلك الدبلوماسي متنقلاً بين عواصم مختلفة، حتى قدّم استقالته عام 1966.
صدر له أول ديوان عام 1944 بعنوان «قالت لي السمراء»، وتابع عملية التأليف والنشر التي بلغت خلال نصف قرن 35 ديوانًا أبرزها «طفولة نهد» و«الرسم بالكلمات»، وقد أسس دار نشر لأعماله في بيروت باسم «منشورات نزار قباني»، وكان لدمشق وبيروت حيِّزٌ خاصٌّ في أشعاره لعلَّ أبرزهما «القصيدة الدمشقية» و«يا ست الدنيا يا بيروت».
أحدثت حرب 1967 مفترقًا حاسمًا في تجربته الشعرية والأدبية، إذ أخرجته من نمطه التقليدي بوصفه «شاعر الحب والمرأة» لتدخله معترك السياسة، وقد أثارت قصيدته «هوامش على دفتر النكسة» عاصفة في الوطن العربي، وصلت إلى حد منع أشعاره في وسائل الإعلام.
وصيته
توفي في 30 أبريل 1998 عن عمر ناهز 75 عامًا في لندن. بسبب أزمة قلبية، وأوصى في وصيته بأن يتم دفنه في دمشق التي وصفها: "الرحم الذي علمني الشعر، الذي علمني الإبداع والذي علمني أبجدية الياسمين".
دُفن قباني في دمشق بعد أربعة أيام حيث دفن في باب الصغير بعد جنازة حاشدة شارك فيها مختلف أطياف المجتمع السوري إلى جانب فنانين ومثقفين سوريين وعرب. ولقد كتبت عن جنازته الدكتورة ناديا خوست ما يلي: "كانت طائرة خاصة سورية أرسلها الرئيس السوري قد نقلت جثمانه من لندن إلى دمشق. فخطف الدمشقيون تابوته، وحملوه على الأكتاف في موكب شعبي لم تشهد دمشق مثله إلا يوم تشييع رجل الاستقلال فخري البارودي مؤلف الأناشيد التي تناقلتها الشعوب العربية. حمله الناس إلى الجامع الأموي...وصلوا عليه، ثم حملوه على أكتافهم إلى المقبرة. قطعوا دمشق من شمالها إلى جنوبها مشيا".
قالوا عنه
قال النقاد عن نزار أنه "مدرسة شعرية" و"حالة اجتماعية وظاهرة ثقافية" وأسماهُ حسين بن حمزة "رئيس جمهورية الشعر"، كما لقبّه "أحد آباء القصيدة اليومية": إذ قرّب الشعر من عامة الناس.
الأديب المصري أحمد عبد المعطي حجازي، وصف نزار بكونه "شاعر حقيقي له لغته الخاصة، إلى جانب كونه جريئًا في لغته واختيار موضوعاته"، لكنه انتقد هذه الجرأة "التي وصلت في المرحلة الأخيرة من قصائده "لما يشبه السباب".
وقال الشاعر علي منصور إن نزار قد حفر اسمه في الذاكرة الجماعيّة وأنه شكل حالة لدى الجمهور "حتى يمكن اعتباره عمر بن أبي ربيعة في العصر الحديث".
وعن شعره السياسي قال حسين بن حمزة: « أذاق العرب صنوفًا من التقريظ جامعًا بين جلد الذات وجلد الحكام، في طريقة ناجعة للتنفيس عن الغضب والألم».
له أيضًا دور بارز في تحديث مواضيع الشعر العربي (الحديث) «إذ ترأس طقوس الندب السياسي واللقاء الأول مع المحرمات»،
وكذلك لغته «إذ كان نزار مع الحداثة الشعرية، وكتب بلغة أقرب إلى الصحافة تصدم المتعوّد على المجازات الذهنية الكبرى. وقد ألقت حداثته بظلال كثيفة على كل من كتب الشعر، وذلك لكون قصائد نزار سريعة الانتشار».
من ناحية أخرى، كانت قصيدته «خبز وحشيش وقمر» سببًا بجدال ضخم انتشر في دمشق ووصل تحت قبة البرلمان، نتيجة اعتراض بعض رجال الدين عليه ومطالبتهم بقتله، فما كان منه إلا أن أعاد نشرها خارج سوريا، رغم ذلك فقد قررت محافظة دمشق تسمية الشارع الذي ولد فيه على اسمه، وقد قال نزار إثر قرار المحافظة: "نزار قباني هذا الشارع الذي أهدته دمشق إليّ، هو هدية العمر وهو أجمل بيت أمتلكه على تراب الجنّة. تذكروا أنني كنت يومًا ولدًا من أولاد هذا الشارع لعبت فوق حجارته وقطفت أزهاره، وبللت أصابعي بماء نوافيره".
أهم منجز لنزار قباني كما قال الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة هو أنه "نقل موضوع الحب من الوصف الخارجي إلى موضوع خاص في الشعر العربي الحديث حيث لا يشبهه أحد"، وقال أيضًا "نزار كما عرفته في بيروت هو أكثر الشعراء تهذيبًا ولطفًا".
في عام 2008 وبمناسبة الذكرى الخامسة والثمانين لمولده، وتزامنًا مع احتفالية دمشق "عاصمة الثقافة العربية" واليوم العالمي للشعر، طاف محبّو الشارع وشخصيات من المجتمع المدني وألقوا في الشوارع والساحات قصائد له "عن عشق دمشق"، كما قامت الأمانة العامة للاحتفالية بطبع كتاب تذكاري عنه بعنوان «نزار قباني قنديل أخضر على باب دمشق».