تتقاطع و تتوازى الطرق مثل المصائر في الحياة، وفي الطريق إلى ميدان بيت القاضي الذي وُلد فيه نجيب محفوظ، يصحبنا جمال الغيطاني إلى القبو حيث جرى مشهد من المشاهد المؤثرة في الأدب العربي، في نهاية ثلاثية محفوظ، هنا في القبو تحت قصر الأمير باشتك، كان "السيد أحمد عبدالجواد" الذي بدت عليه بدايات الشيخوخة والإعياء، وفي ليلة من ليالي الحرب العالمية ضربت صفارات الإنذار، وكعادة أهالي الجمالية اللذين كانوا يلجأون إلى هذا القبو؛ كي يحتموا فيه من الغارات، نزل السيد أحمد مع ابنه كمال والعائلة إلى القبو وبعدما انتهت الغارة، وقف لكي يرجع إلى بيته في ميدان بيت القاضي، فلم يقدر على المشي، السيد أحمد صاحب البنيان القوي لم تعد تحمله قدماه، مال كمال ليحمله أباه صاحب الهيبة والشموخ، الذي طالما كان صوته في البيت يعملون له ألف حساب، ولما حمله بدأ الوالد يحتضر، ليرجع به إلى البيت، فإذا به مات السيد أحمد عبد الجواد.
يذكر الغيطاني أحد فصول الثلاثية بأنه من أروع ما كتب في أدب المراسي في الأدب العربي، والذي تبدئه “أمينة” بالحديث عن الخلل الذي ألم ببيت السيد أحمد عبد الجواد، متابعا: دار الزمن وعشت لحظة كانت بالنسبة لي دافع أن تدمع عيني.
يوم الوداع
ويضيف: عندما رأيت الأستاذ نجيب في مستشفى الشرطة نائما على السرير، نجيب محفوظ التاريخ والكيان الذي يحتوي الشخصيات و الأزقة، وفيه روح مصر و الحواري و ثورة 19 و سيد درويش .. والذي يمثل كل ما يمكن تصوره في الحقبة الزمنية الطويلة التي عاشها الأستاذ نجيب؛ الذي ناء تحت وطأة الزمن.. واستسلم.
و يستطرد الغيطاني: كان من الصعب أن أرى أيضا جزء من تاريخي بهذا الشكل رغم معرفتي الجيدة أن الموت مصير كل حي، متابعًا: أنا شعرت بشعور كمال عبدالجواد عندما حمل أبوه في الليلة التي لجأوا فيها إلى القبو، لكن المكان تغير.
رحل الأستاذ نجيب محفوظ في الخامس عشر من أغسطس عام 2006، ذلك اليوم الذي يقول عنه جمال الغيطاني إنه يمثل "تاريخ صعب" بالنسبة له.