الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل يجب على الزوج المسلم أن يأمر زوجته الكتابية بالحجاب.. ومتى يأثم؟

الحجاب
الحجاب

هل يجب على المسلم أن يأمر زوجته الكتابية بالحجاب؟ سؤال أجاب عنه الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف. 

هل يجب على المسلم أن يأمر زوجته الكتابية بالحجاب؟

وقال علي جمعة في فتواه، إن جمهور الفقهاء يرون أن الكافر مطالب شرعًا بفروع الدين كما هو مخاطب بأصل الإيمان، وأنه ليس للزوج منع زوجته من أكل الخنزير ولا من شرب الخمر ولا من الذهاب إلى الكنيسة.

وأضاف : لا يجوز للزوج الاستمتاع بعضو من زوجته نجس، وأن للزوج له أن يأمر زوجته الكتابية بالحجاب، فإن لم يأمرها، أو أمرها فأَبَت لم يأثم.

وبين في جواب مسألة الحجاب للزوجة الكتابية أن هذه المسألة مبنية في أصلها على مسألة أصولية شهيرة، وهي: "تكليف غير المسلم بالفروع الفقهية"، وهي في غير المرتد فيها ثلاثة مذاهب على المشهور، وقد لخصها الإسنوي في "التمهيد" (ص126، ط. مؤسسة الرسالة) بقوله: "الكفار هل هم مكلفون بفروع الشريعة؟ فيه مذاهب؛ أصحها: نعم، قال في البرهان: وهو ظاهر مذهب الشافعي. فعلى هذا يكون مكلفًا بفعل الواجب وترك الحرام، وبالاعتقاد في المندوب والمكروه والمباح. والثاني: لا، واختاره أبو إسحاق الإسفراييني. والثالث: مكلفون بالنواهي دون الأوامر".اهـ.

واوضح أن كثيرًا من الفقهاء في كتب الفروع لم يذكر أن غير المسلم مطالب بأداء هذه العبادات، وقد أزال الإمام النووي ظاهر هذا التعارض بين كتب الأصول والفروع بقوله في المجموع (3/ 5، ط. المنيرية): "وأما الكافر الأصلي فاتفق أصحابنا في كتب الفروع على أنه لا يجب عليه الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها من فروع الإسلام، فأما في كتب الأصول، فقال جمهورهم: هو مخاطب بالفروع، كما هو مخاطب بأصل الإيمان، وقيل: لا يخاطَب بالفروع، وقيل: يخاطب بالمنهي عنه؛ كتحريم الزنا والسرقة والخمر والربا وأشباهها، دون المأمور به كالصلاة. والصحيح الأول، وليس هو مخالفًا لقولهم في الفروع؛ لأن المراد هنا غير المراد هناك، فمرادهم في كتب الفروع: أنهم لا يطالَبون بها في الدنيا مع كُفرهم، وإذا أَسلَم أحدُهم لم يلزمه قضاء الماضي، ولم يتعرضوا لعقوبة الآخرة، ومرادهم في كتب الأصول: أنهم يعذبون عليها في الآخرة؛ زيادة على عذاب الكفر، فيعذبون عليها وعلى الكفر جميعًا، لا على الكفر وحده، ولم يتعرضوا للمطالبة في الدنيا، فذكروا في الأصول حكم أحد الطرفين، وفي الفروع حكم الطرف الآخر، والله أعلم".اهـ.

وتابع: لعل سبب ندرة النقل في هذا الفرع هو الاحتشام العام في ظل الشريعة الغراء، مع قيام نظام الحسبة، وانتشار الأخلاق الراقية. وظاهر الأمر أن احتجاب المرأة كان يزداد يومًا بعد يوم، كما ورد في صحيح البخاري (رقم 318) «عن حَفصَة بنت سِيرين قالت: كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد، فجاءت امرأة فنزلت قصر بني خلف فأتيتُها، فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ثنتي عشرة غزوة، فكانت أختها معه في ست غزوات. فقالت: فكنا نقوم على المرضى ونداوي الكلمى، فقالت: يا رسول الله، على إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج. فقال: لتُلبِسها صاحبتُها مِن جِلبابها فليَشْهَدنَ الخَيرَ ودَعوةَ المؤمنين». ففي هذا الأثر نجد أنه حدث في عصر التابعين منع للجواري من الخروج للعيدين مع كونه مخالفًا لما كان في العصر الأول.

وورد قول سعيد بن أبي سعيد لأخيه الحسن البصري: "إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن! قال: اصرف بصرك عنهن" (علقه البخاري (5/ 2299)، وفي هذا دليل على وجود ذلك في عهد السلف دون نكير. لكن كلمة "نساء العجم" لا تعني الكتابيات، أو المجوسيات والكتابيات معًا، بل قد يكون المراد المجوسيات فقط دون الكتابيات، وإن كان اللفظ يفيد العموم، لكنه لم يرد نص ما يفيد أن من أولئك كن زوجات لمسلمين، لكن على كل حالٍ العبارةُ على الاحتمال في كل ذلك. وهي وإن كانت لا نستطيع بها الاستدلال على جواز ترك الزوج زوجته الكتابية دون حجاب للاحتمالات المذكورة، لكن نستطيع أن نستدل بها على جواز ترك ذلك لولي الأمر، ويقاس الزوج عليه بجامع القوامة والرعاية في كليهما.

ويضاف إلى ذلك أن المسلم يجوز له نكاح الأمة -بالشروط الفقهية المذكورة في بابها-، ومعلوم أن عورة الأمة تختلف عن عورة الحرة، فدَلَّ ذلك على أن أمر الحجاب يرجع التكليف به بحسب حال الزوجة، وليس بحال الزوج.

وقد صَرَّح كثيرٌ من أهل العلم أن الزوج لا يمنع زوجته مما أُحِلّ لها في دينها، إلا أن يكون ذلك الحلال في دينها مانعًا للزوج من كمال الاستمتاع، الذي هو حقه بموجب العقد الذي دفع فيه المهر في مقابل التمكين من الاستمتاع، وإنما يمنعها الزوج مما يحرم عليها في دينها؛ كمنعه لليهودية من أكل الخنزير دون النصرانية.

قال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير (2/ 268، ط. دار إحياء الكتب العربية): "إنما كره ذلك مالك في بلد الإسلام؛ لأنها تتغذى بالخمر والخنزير وتغذي ولده بهما، وهو يقبلها ويضاجعها، وليس له منعها من ذلك التغذي، ولو تضرر برائحته، ولا من الذهاب للكنيسة".اهـ.

وقال النفراوي في الفواكه الدواني (2/ 19، ط. دار الفكر): "إنما كُره نكاحها في بلاد المسلمين؛ لأن الزوج ليس له منعها من أكل الخنزير ولا من شرب الخمر ولا من الذهاب إلى الكنيسة". اهـ.

وقال البَهُوتي في كشاف القناع (2/ 190، ط. دار الكتب العلمية): "(وتُمنَع) أي: للزوج منع الزوجة (الذمية من دخول كنيسة وبيعة)، فلا تخرج إلا بإذن الزوج. (و) له منعها من (تناول محرم و) من (شرب ما يسكرها)؛ لأنه محرم عليها، و(لا) تُمنَع مما (دونه)، أي: دون ما يسكرها (نَصًّا)؛ لاعتقادها حِلَّه في دينها، (وكذا مسلمة تعتقد إباحة يسير النبيذ) فلا يمنعها منه، (وله إجبارها على غسل أفواههما ومن سائر النجاسات كما تقدم)؛ لأنه يمنع من القُبلة، (ولا تُكرَه الذمية على الوطء في صومها نَصًّا، ولا) على (إفساد صلاتها) بوطء أو غيره؛ لأنه يضر بها، (و) لا على إفساد (سَبتها، ولا يشتري لها) -أي: الزوجة الذمية- زُنّارًا (ولا) يشتري (لأمته الذمية زُنّارًا)؛ لأنه إعانة لهم على إظهار شعارهم، (بل تخرج هي تشتري لنفسها نَصًّا)".اهـ.

وعلى ذلك المعنى يُحمل كلام من أجاز له منعها من العلماء؛ قال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (4/ 313، ط. دار الكتاب الإسلامي): (والكتابية المنكوحة كمسلمة في نفقة وقسم وطلاق) وغيرها لاشتراكهما في الزوجية... (وتجبر) الزوجة الممتنعة مسلمة كانت أو كتابية وكذا الأمة (على غسل حيض ونفاس) أي للحليل إجبارها على ذلك إذا طهرت لتوقف حل الوطء عليه... (وكذا جنابة) أي تجبر الكتابية على غسلها من الجنابة (و) على (ترك أكل) لحم (خنزير) ونحوهما مما يتوقف كمال التمتع على زواله (في الأظهر) كما تجبر على إزالة النجاسة. 

والثاني: لا إجبار؛ لأنه لا يمنع الاستمتاع، ومحل الخلاف في إجبار الكتابية على منع أكل الخنزير إذا كانت تعتقد حله كالنصرانية، فإن كانت تعتقد تحريمه كاليهودية منعها منه قطعًا (و) الكتابية (تجبر هي ومسلمة على غسل ما نجس من أعضائها) ليتمكن من الاستمتاع بها كما علله الرافعي، وعلله الماوردي لما يلحقه من المشقة بالتنجيس، وقضية ذلك أنه لا يجوز الاستمتاع بعضو نجس، والظاهر أن محله إذا كان يتولد منه تنجيس وإلا فلا كما بحثه الأذرعي. تنبيه: تخصيص المصنف بالأعضاء قد يخرج الثوب وليس مرادًا، فقد قال الماوردي: "له منعها من لبس ما كان نجسًا قطعًا، وفي الروضة له منعها من لبس جلد الميتة قبل دباغه، ولبس ما له رائحة كريهة، وله إجبارها أيضًا على التنظيف بالاستحداد وقلم الأظافر وإزالة شعر الإبط والأوساخ إذا تفاحش شيء في ذلك، وكذا إن لم يتفاحش، وله منعها من أكل ما يتأذى من رائحته؛ كبصل وثوم، ومن أكل ما يخاف منه حدوث المرض، وله منع الكتابية من شرب ما يسكر، وكذا من غيره ومن البيع والكنائس كما يمنع المسلمة من شرب النبيذ إذا كانت تعتقد إباحته من القدر الذي لا يُسكِر، وكذا من غيره، ومن المساجد والجماعات، وكالزوج فيما ذكر السيد كما فُهم بالأولى، وليس له إجبار أمته المجوسية أو الوثنية على الإسلام؛ لأن الرق أفادها الأمان من القتل". اهـ.

وقد ذهب بعض السلف -كسفيان الثوري- إلى أن النظر لعورات الكتابيات ممنوع؛ خوفًا من أن يجر النظر إلى الوقوع فيما يغضب الله، لا لأن لهن حرمة ذاتية ثابتة لهن في أنفسهن تُحَرِّم النظر لذواتهن من حيث هي، واستدل بقوله تعالى:{وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ} [الأحزاب: 59]، وقوله تعالى: {ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ} [الأحزاب: 59]؛ أي إذا فعلن ذلك، عُرِفن أنهن حرائر لسن بإماءٍ ولا عواهر. (انظر: تفسير ابن كثير: 6/ 425، ط. دار الكتب العلمية).

وشدد علي جمعة أن الزوج له أن يأمر زوجته الكتابية بالحجاب، فإن لم يأمرها أو أمرها فأَبَت لم يأثم؛ لكونها غير مكلفة بالفروع، أو أن المراد بتكليفها بالفروع المحاسبة عليه في الآخرة.


-