يبحث كثير من المسلمين والمثقفين المحبين للتراث الإسلامي عن حقيقة كون النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقيرًا، ويتساءلون متعجبين: تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن النبي محمدا كان يمر عليه الهلال تلو الهلال تلو الهلال ولا يُوقد في بيوته نار، ففهمنا من بعض الأحاديث أن النبي محمدا كان فقيرًا، فهل هذا الكلام صواب أو أن هناك حقائق لا نعرفها؟!
ولمعرفة تفاصيل الموضوع نحاول مع حضراتكم الوصول إلى الإجابة الشافية عن السؤال الذي شغل بال وعقل الكثيرين للوقوف على حقيقة فقر أو غِنى النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه.
ثروة النبي محمد من أبيه وأمه وزوجه خديجة
كان عبد الله بن عبد المطلب والد النبي محمد صلى الله عليه وسلم يعمل في التجارة، ومن المعلوم أن هذه المهنة تُدِر أموالًا على أصحابها، ومن ثمَّ ورث النبي عن أبيه بعض الممتلكات والعبيد والإماء، فكانت أم أيمن الحبشية التي كان يطلق عليها “بركة” إحدى الإماء التي ورثها النبي محمد عن أبيه، وورث من العبيد شقران وولده صالح، بالإضافة إلى خمسة جمال وغنمة، وباستطاعتنا أن نقدر قيمة هذه الأشياء في وقتنا الحالي.
أما أم النبي محمد آمنة بنت وهب، فقد ورث عنها المصطفى دارها في شعب بني علي التي شهدت مولده، أما خديجة رضي الله عنها فورث عنها دارها التي تقع في مكان مميز جدًّا بين الصفا والمروة، كما ورث عنها أموالًا كثيرة.
حقيقة فقر النبي محمد صلى الله عليه وسلم
إن الناظر في كُتب السيرة يتعجب من وصف النبي بالفقر! فكيف لفقير أن يفتح أحد عشر بيتًا ويتكفل بالرعاية والنفقة؟! قيل: إن النبي محمدا كان يرعى نحو 70 عبدًا، حتى أعتق أكثرهم، كان يُكرم ضيوفه بسخاء لا يُوصف، يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر، يُهدي المحبين هدايا قيمة، يُعين المديونين والمكروبين من الصحابة.
سخاء النبي محمد صلى الله عليه وسلم
ثبت أن النبي عليه السلام نحر من الهدي 25 ناقة من ماله الخاص، وبإمكانك أن تقارن ذلك بأسعار اليوم حتى تعلم حقيقة فقر النبي أو غناه، لأنك إن حاولت أن تشتري خمسة وعشرين ناقة اليوم فستكلفك أكثر من مليوني جنيه، وأثناء بحثي عن الحقيقة وقعت على كتاب “أموال النبي كسبًا وإنفاقًا وتوريثًا” للباحث الدكتور عبد الفتاح السمان الذي أكد بما لا يدع مجالا للشك أن النبي محمدا كان ثريًّا منفقًا باستثناء أوقات الحصار التي عانى منها النبي والصحابة، ولكن هذه أوقات استثنائية، وكما تعلمون القليل النادر لا يُقاس عليه.
كسْب النبي محمد في حياته إجماليًّا
أشار الدكتور السمان إلى أن إجمالي كسب النبي محمد طوال حياته يقدر بـ مليون ومائتي جرام من الذهب، أما الأراضي التي أوقفها النبي محمد فكانت نحو خمس عشرة قطعة أرض، كل أرض تقدر بنحو خمسة وعشرين جرامًا من الذهب.
خدم النبي محمد صلى الله عليه وسلم
كان يخدم النبي الكريم صحابة أجلاء نالوا شرف خدمته والقرب منه والاهتداء بهديه، من هؤلاء:
- بلال بن رباح الحبشي الذي اختصه النبي بالأذان، وأطلق عليه «مؤذن الرسول».
- أنس بن مالك، الملقب بأبي حمزة، وهو من أكثر الصحابة رواية عن النبي محمد، وآخر أصحابه موتًا.
- عقبة بن عامر الجهني صحابي جليل، كان فقيهًا وكاتبًا وشاعرًا، وهو أول من بايع النبي محمد بعد هجرته إلى المدينة وهو لا يزال شابًا صغيرًا يافعًا.
خلاصة القول
أقول: إن النبي محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن فقيرًا ولم يعانِ إلا في أوقات الحصار، ولم يَنسب الله إليه الفقر، لكنه كان صلى الله عليه وسلم كثير الإنفاق في أمور البِرِّ والخير، ففي حديث أنس بن مالك: ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئًا إلا أعطاه، قال: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فأعْطَاهُ غَنَمًا بيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إلى قَوْمِهِ، فَقالَ: يا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فإنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عطاء لا يخشى الفاقَةَ. فاللهم صلِّ وسلم على خاتم الأنبياء محمد وآله وصحبه أجمعين.