الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حوار|صاحب «الغريب» بالعامية: جدل «استعبط» في محله.. وأحلم بتدشين مجمع للغة المصرية

هيكتور فهمي مترجم
هيكتور فهمي مترجم مصري

خاض المترجم المصري هيكتور فهمي حربا ثقافية قبل عدة أشهر، بعد نشر ثاني أعماله المترجمة عن اللغة الفرنسية باللغة المصرية، وهي رواية “الغريب” من كلاسيكيات الأدب العالمي لألبير كامو، وتجدد هذا الجدل قبل أيام بعدما تبدل حال  مجمع اللغة العربية بالقاهرة، الذي رفض حينها الاعتراف بالكتابة باللغة المصرية، ثم أعلن إضافة كلمة “استعبط” المصرية للمعجم مُعترفا بها بأنها من كلمات اللغة العربية الفصحى.

في حوار خاص مع “صدى البلد”، يكشف هيكتور فهمي رؤيته للغة المصرية وطرق تطويرها، والتي يرفض وصفها بالعامية، باعتبارها لغة مستقلة بذاتها، والفارق بين اللغتين المصرية والعربية، وإلى نص الحوار..


ما تعليقك على إضافة كلمة "استعبط" في معاجم اللغة العربية الفصحى؟

أعتقد أن كلمة "استعبط" شغلت الحيز الأكبر من الاهتمام باللغة في هذه القضية مؤخرا، لكنها ليست المرة الوحيدة التي يتم فيها إضافة كلمات غير فصحى أو دخيلة على اللغة، سواء السنة الجارية أو في سنوات سابقة.

في رأيك.. هل إضافة هذه الكلمة يعد اعترافا باللغة المصرية؟

أرى بعد وضع الكلمة أن القائم على تحديد مصطلحات لغتتنا العربية الفصحى مُدرك للغة المصرية، وإضافة كلمات منها يعد اعترافا بها، ورغم تعدد الأقاويل عن أصول هذه الكلمة بين المصرية والعربية، لكنها كلمة مصرية أصيلة وإضافتها تمت بشكل خاطئ للمعنى.

هل تندرج إضافة هذه الكلمة وغيرها تحت بند التطوير ؟

بالطبع، لأن اللغة نحن من نطورها ونرى الاستخدام الأمثل للألفاظ، وأي شعب يستخدم الكلمات بالشكل الذي يناسبه، وعن لغتنا المصرية فهي حية ومتطورة، وأرى أن إدخال مجمع اللغة العربية هذه الكلمة تصرف ذكي ومرونة، لكن من ناحية أخرى أرى أنه تصرف ليس له معنى، لأنه في رأيي محاولة للالتفاف على الواقع.

والواقع يقول إننا نتحدث بالمصرية وهي كلمات مصرية، إذن لماذا أضمها للغة العربية التي ليست بحاجة إليها، بالإضافة إلى أن التفسير الذي قرأته معناه “استعبط” أن أحدهم ظن الثاني عبيطا، وهذا عكس المفهوم الذي نستخدم كلمة “استعبط” للدلالة عليه، بمعنى أن الشخص نفسه ادعى الجهل.

وفي رأيك ما الخطوة التي كان من المفترض اتخاذها للتعامل مع اللغة المصرية؟

أرى أنه من الأفضل الالتفات إلى اللغة التي يتحدث بها الجميع، اللغة المصرية، وهي مختلفة تماما عن اللغة العربية.

وكيف يتم تطوير اللغة المصرية؟

مجمع اللغة العربية غير مختص بهذه المهمة، ولكن ما أطالب به منذ فترة، وبدأت بالفعل في اتخاذ خطوات نحوه، هو أننا بحاجة إلى مجمع للغة المصرية مثل اللغة الفرنسية، لكن انقطعت لأنه بحاجة إلى مجهود كبير، وحال اتخاذ هذه الخطوة سوف يساهم في التوعية بالكلمات المصرية وأصولها واستخداماتها، مع عمل دراسات تخدم اللغة والثقافة المصرية.

وأرى أننا بحاجة للفصل بين الثقافة العربية والمصرية، خاصة أن الثانية أبدعت أشكالا وفنونا مختلفة منها في الأدب والعلم، ودليل وجوده بقوة إصدار كل فترة كتاب باللغة المصرية، ولكن نحتاج إلى تنظيم العمل بها لأنها ثقافتنا المصرية ولها جمهور من القراء.

هل ترى أن جدل إضافة “استعبط” لمعجم اللغة العربية الفصحى بداية للاعتراف بنظيرتها المصرية؟

هذه الكلمة كغيرها من الكلمات المصرية التي تتم إضافتها وهي بداية الطريق، واستجابة لكن متأخرة، لأن هذا الطريق بدأ قبل فترة طويلة وتمت مواجهته بالعنف وخُمدت نيرانه لفترة ثم عاد مجددا خلال فترة التسعينات بترجمة دكتور مصطفى صفوان، وأرى أن موقف مجمع اللغة العربية غريب، نظرا لمهاجمة الترجمات باللغة المصرية، ثم الاستجابة والاعتراف بكلمات منها.

وأعتقد أنه كان الأفضل من إدخال هذه الكلمة للغة العربية، الحرص على تطوير اللغة العربية نفسها، من خلال المساعدة على تقريبها للجميع مع تجديدها وإتاحة اللغة المصرية في الأدب بدون هجوم، ولدينا مثال في اللغة الفرنسية التي تتجدد كل سنة، وهذا هو همي الأصلي لأن تأثير اللغة المصرية على العربية أصبح واضحا، واللغتان تأثرتا ببعضهما لفترات كبيرة لكنهما ليستا لغة واحدة.

لماذا تتحدث عن الترجمات فقط دون أشكال الأدب باللغة المصرية؟

تقييم انتشار اللغة المصرية تتم ملاحظته من خلال الترجمات، لأن التاريخ يقول إن اللغات تكون رسمية من خلال الترجمات، أي أنها أصبحت لغة وقادرة على نقل أي فكرة من لغة إلى لغة أخرى والتعبير عنها، ومن الأمثلة الشهيرة هي ترجمة الكتاب المقدس في القرن السادس عشر من اللاتيني إلى الألماني.

وتناول علماء اللغويات تصنيف الاعتراف باللغة حين تنضم إلى حركة الترجمة، وتتحول اللهجة إلى لغة رسمية بواسطة حركة الترجمة.

مجمع اللغة العربية هاجمك بعد نشر روية “الغريب”، وبعد أشهر تم الاعتراف بكلمة دارجة أنها فصحى، هل ترى الأمر ردا على الرسالة التي حاولت تقديمها؟

أرى الموضوع بنظرة أبعد أو من منظور مختلف، فالكلمة لم تفاجئني بضمها للغة العربية لأن كلمات كثيرة مصرية تم ضمها سابقا، لكنها أول كلمة حديثا تشغل حيزا بهذا الشكل، وفي حياتنا اليومية نستخدم الكثير من الكلمات المصرية المدرجة في معظم اللغة العربية، مثل واحة، وتمساح، وكحكح.

الجزء الأبعد لكلمة “استعبط” يبين لنا أن اللغة العربية مثلها مثل غيرها من اللغات التي تأخذ من المصري القديم والجديد، وهذا طبيعي ولا يقلل من اللغة العربية أو يضيف للغات الأخرى، فاللغة تستعير وتضيف وتجدد وتواكب العصر، وأن تأخذ كلمات من المصري الجديد معناه أن لغتنا حية ومستقلة وتستطيع التعبير، والإضافة للغة العربية.

وهذا ليس عملي أنا فقط، هناك الكثير من المهتمين باللغة المصرية ويكتبون بها، لكن أنا الوحيد الذي صدرت له ترجمتان باللغة المصرية، والوحيد الذي ترجمت من اللغة الفرنسية إلى المصرية، وكل الذين خاضوا هذ التجربة اكتفوا بعمل واحد فقط.

والمثير في ضم كلمة “استعبط” أنها ليست كلمة أجنبية أو مستحدثة مثل الديمقراطية، والكمبيوتر، وأيديولوجية، وهم بحاجة إلى إضافتها لأسباب كثيرة، لكن في حالة كلمة مصرية أصيلة سأكون سعيدا إذا لفتت أعمالي الانتباه والتي ما زالت محل مناقشات وندوات حتى الآن.

هل للغة المصرية تأثير على الكتابة باللغة العربية؟

نعم، فاللغة العربية استمدت الكثير من اللغة المصرية باعتبارها الأقدم وذات نفوذ ثقافي أبعد، ويظهر تأثير اللغة المصرية على الكاتب، إذ يختلف أسلب المصري عن السوري أو الليبي، كل منهم له بصمة خلال الكتابة باللغة العربية مستمدة من لغته الأصلية من اختيار الألفاظ إلى طريقة الكتابة وأسلوب التفكير، لأن الكُتاب الثلاثة يكتبون بلغة تختلف عن لغتهم الأم.

وإضافة هذه الكلمة يأتي ردا قويا على المهاجين للكتابة باللغة المصرية من المثقفين، لأنه يتضح لنا أن الاعتراف باللغة العربية وتحديد مصطلحاتها يتم عبر أشخاص يختارون ويحذفون ويطورون من اللغة.