الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

فضل الاستغفار .. احذر طلب المغفرة لهذا الصنف يُعَدُّ اعتداء في الدعاء

فضل الاستغفار مائة
فضل الاستغفار مائة مرة

فضل الاستغفار مائة مرة .. من السنن المهجورة عند كثير من المسلمين الاستغفار مائة مرة، فقد جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " إِنَّا كنَّا لنعدُّ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في المجلسِ يقولُ ربِّ اغفر لي وتب عليَّ إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الغفورُ مائةَ مرَّةٍ". رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي

فضل الاستغفار مائة مرة

والاستغفار: استفعال من غفر بمعنى طلب المغفرة، يقال: اسْتَغْفَرَ اللهَ لذنبه ومن ذنبه، فَغَفَرَ له ذنبه مَغْفِرَةً وغَفْرًا وغُفْرانًا، وأَصل الغَفْرِ: التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ. غَفَرَ اللهُ ذُنُوبَهُ أَي سَتَرَهَا. 

وقد نهى الله عز وجل عباده المؤمنين عن الاستغفار لمن لم يؤمن بالله تعالى وتبين أنه قد حقت عليه كلمة العذاب بموته على الشرك، أو بنزول الوحي بأنه من أهل النار؛ كأبي لهب وامرأته؛ قال تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ [التوبة: 113].

ووفقاً لدار الإفتاء المصرية أن الله سبحانه قد يتفضل بغفران جميع ذنوب العبد ما عدا الشرك، ولهذا فطلب المغفرة لهذا الصنف يُعَدُّ اعتداء في الدعاء؛ لأنه يكون حينئذ طلبًا لما نفى الشرع إمكان حدوثه، بل طلبًا لما لا يرضاه الله ولا يفعله أبدًا كما أخبر عز وجل في كتابه الكريم؛ فقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48].

يقول الإمام فخر الدين الرازي في "تفسيره" (16/ 158، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [التوبة: 113] يحتمل أن يكون المعنى: ما ينبغي لهم ذلك، فيكون كالوصف، وأن يكون معناه: ليس لهم ذلك، على معنى النهي. فالأول: معناه أن النبوة والإيمان يمنع من الاستغفار للمشركين. والثاني: معناه لا تستغفروا، والأمران مقاربان. وسبب هذا المنع: ما ذكره الله تعالى في قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾، وأيضًا قال: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: 48]، والمعنى: أنه تعالى لما أخبر عنهم أنه يدخلهم النار.

كما أن طلب الغفران لهم جارٍ مجرى طلب أن يخلف الله وعده ووعيده وأنه لا يجوز. وأيضًا لما سبق قضاء الله تعالى بأنه يعذبهم، فلو طلبوا غفرانه لصاروا مردودين، وذلك يوجب نقصان درجة النبي عليه الصلاة والسلام وحظ مرتبته، وأيضًا أنه قال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، وقال عنهم: إنهم أصحاب الجحيم، فهذا الاستغفار يوجب الخلف في أحد هذين النصين، وإنه لا يجوز] اهـ.
أما الحي من غير المسلمين فلا بأس من الاستغفار له؛ على معنى طلب أن يوفق للإيمان الذي هو سبب المغفرة، لا على معنى مغفرة عدم إيمانه إن مات عليه.

وقال الإمام الطبري في "تفسيره" (14/ 515، ط. مؤسسة الرسالة): [وقد تأوَّل قومٌ قولَ الله: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى﴾ الآية، أنّ النهي من الله عن الاستغفار للمشركين بعد مماتهم، لقوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾. وقالوا: ذلك لا يتبينه أحدٌ إلا بأن يموت على كفره، وأما وهو حيٌّ فلا سبيل إلى علم ذلك، فللمؤمنين أن يستغفروا لهم] اهـ.
وقال الإمام القرطبي في "تفسيره" (8/ 274، ط. دار الكتب المصرية): [قال كثير من العلماء: لا بأس أن يدعو الرجل لأبويه الكافرين ويستغفر لهما ما داما حيين. فأما من مات فقد انقطع عنه الرجاء فلا يُدْعَى له. قال ابن عباس: كانوا يستغفرون لموتاهم فنزلت، فأمسكوا عن الاستغفار، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا] اهـ.
وفي "تفسير ابن كثير" (4/ 224، ط. دار طيبة): [قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية: كانوا يستغفرون لهم حتى نزلت هذه الآية، فلما نزلت أمسكوا عن الاستغفار لأمواتهم، ولم ينههم أن يستغفروا للأحياء حتى يموتوا... قوله: ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ للهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ [التوبة: 114] قال ابن عباس: ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه. وفي رواية: لما مات تبين له أنه عدو لله. وكذا قال مجاهد، والضحاك، وقتادة، وغيرهم، رحمهم الله] اهـ.
وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3/ 228-229، ط. دار الفكر) عن سعيد بن جبير قال: مات رجل نصراني وله ابن مسلم، فلم يتبعه، فقال ابن عباس: كان ينبغي له أن يتبعه ويدفنه ويستغفر له في حياته.
وعنه قال: مات رجل نصراني، فوكله ابنه إلى أهل دِينه، فذكر ذلك لابن عباس فقال: ما كان عليه لو مشى معه ودفنه واستغفر له ما كان حيًّا، ثم تلا: ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ﴾ الآية.
وقد ذكر هذا المعنى غير واحد من أهل العلم:
فيقول القاضي البيضاوي في تفسيره "أنوار التنزيل" (3/ 99، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾؛ بأن ماتوا على الكفر، وفيه دليل على جواز الاستغفار لأحيائهم فإنه طلب توفيقهم للإِيمان] اهـ.
ويقول العلامة النسفي في "مدارك التنزيل" (1/ 713، ط. دار الكلم الطيب): [﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾: من بعد ما ظهر لهم أنهم ماتوا على الشرك] اهـ.
وقال الإمام الخازن في "لباب التأويل في معاني التنزيل" (2/ 412، ط. دار الكتب العلمية): [ومعنى الآية: ما كان ينبغي للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين، وليس لهم ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يغفر للمشركين، ولا يجوز أن يطلب منه ما لا يفعله. ففيه النهي عن الاستغفار للمشركين ولو كانوا أولي قربى؛ لأن النهي عن الاستغفار للمشركين عام فيستوي فيه القريب والبعيد. ثم ذكر عز وجل سبب المنع؛ فقال تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾؛ يعني: تبين لهم أنهم ماتوا على الشرك، فهم من أصحاب الجحيم، وأيضًا فقد قال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾، والله تعالى لا يخلف وعده] اهـ.
وقال العلامة ابن عطية في "تفسيره" (3/ 90، ط. دار الكتب العلمية): [والاستغفار للمشرك الحي جائز؛ إذ يرجى إسلامه، ومن هذا قول أبي هريرة رضي الله عنه: رحم الله رجلًا استغفر لأبي هريرة ولأمه، قيل له: ولأبيه. قال: لا؛ إن أبي مات كافرًا] اهـ.
وقال العلامة الألوسي في "روح المعاني" (8/ 418، ط. المنيرية): [والتحقيق في هذه المسألة: أن الاستغفار للكافر الحي المجهول العاقبة بمعنى طلب هدايته للإيمان مما لا محذور فيه عقلًا ونقلًا، وطلب ذلك للكافر المعلوم أنه قد طبع على قلبه، وأخبر الله تعالى أنه لا يؤمن وعلم أن لا تعليق في أمره أصلًا مما لا مساغ له عقلًا ونقلًا] اهـ.
وعلى هذا المعنى يحمل ما رواه البخاري في "صحيحه" (4/ 175) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»، قال الإمام العيني في "عمدة القاري" (23/ 19، ط. دار إحياء التراث العربي): [معناه: اهدهم إلى الإسلام الذي تصح معه المغفرة، لأن ذنب الكفر لا يغفر] اهـ.
وقال العلامة الملطي الحنفي في "المعتصر من المختصر من مشكل الآثار" (1/ 121، ط. عالم الكتب): [ومما يدل على جواز الاستغفار للمشرك مادام حيًّا: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»] اهـ.
وشددت بناء على ما سبق: فإنه يجوز الاستغفار لغير المسلم الحي إذ كان يرجى إيمانه، بمعنى أن يوفق إليه، لا بمعنى أن يتجاوز الله له عن كفره ويسامحه عليه.