الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أوروبا والعالم خائفون.. لماذا يعد صعود اليمين المتطرف خطرا على الغرب| تحليل

جورجيا ميلوني زعيمة
جورجيا ميلوني زعيمة الحزب اليميني المتطرف في إيطاليا

يعود مرة أخرى اليمين المتطرف إلى دوائر السلطة وصنع القرار في أوروبا بعد غياب منذ الحرب العالمية الثانية.

ماذا يعني اليمين المتطرف؟

يشكل صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في كلا من إيطاليا والمجر والسويد وفرنسا وغيرهم، رعبا للأنظمة المتواجدة وعلى النظام الأوروبي العام منذ تأسيس حلف شمال الأطلسي في عام 1949 وبعده الاتحاد الأوروبي في عام 1991، والذي جعلا أوروبا مدينة واحدة كبرى، وهو ما يتعارض مع مبادئ اليمين المتطرف التي لا تحب الاختلاط بالعرقيات الأخرى وتتفاخر بقوميتها وجنسها وعرقيتها.

جاء أصل مصطلح اليمين عندما استعملت لاول مره في أحد البرلمانات الأوروبية للإشارة إلى الأشخاص الذين كانوا يجلسون عن يمين الرئيس والذين كانوا معروفين بانتمائهم الي السلطة والرأسمالية، كما أن في ذلك الوقت كانت تعتبر الكنيسة في أوروبا من طبقة الأغنياء وذات السلطة لذلك تم تصنيفها الي اليمين ومن هنا جاءت تسميتهم باليمين المتطرف نظرا لتمسكهم بالعادات والتقاليد الكنسية والتي كانت تتصف بالتطرف والرجعية.

عاد اليمين المتطرف مرة أخري إلي الحياة السياسية الأوروبية بعد عدة مشاركات قليلة، وكان أشهر هذه المشاركات مشاركة حزب الديموقراطيين القومي في السويد بانتخابات 2010 الذي استطاع دخول البرلمان ولكن بنسبة قليلة 5.7% فقط من الأصوات، بينما استطاع في 2022 بالفوز بأغلبية الأصوات والحصول على 176 مقعدا في البرلمان السويدي، كما شارك حزب التجمع الوطني الذي يشكل اليمين المتطرف في فرنسا والذي تتزعمه مارين لوبان، الانتخابات الرئاسية أمام حزب الجمهوريين وزعيمة الرئيس الفرنسي الحالي إمانويل ماكرون، وهي الانتخابات التي فاز بها ماكرون بينما حصلت لوبان على ما يقرب من 42% من الأصوات، وعلى الرغم من خسارة لوبان للانتخابات إلا أن حزب التجمع الوطني حاز على عدد أصوات كبير وهو الأمر الذي أثار الخوف في فرنسا والذي حذر منه الرئيس الفرنسي ماكرون عندما قال "يجب الحذر من تصاعد نفوذ اليمين المتطرف في البلاد".

أسباب صعود اليمين المتطرف

وبالرغم من الخوف الحالي من صعود اليمين المتطرف في أوروبا، فهناك عدة عوامل ساعدهم في العودة مرة أخري، لأن التيارات السياسية الأوروبية الأخرى كانت تنتهج سياسات أدت إلى تزايد المشاكل في الدول الأوروبية، ومن أهمها الانفتاح على المهاجرين خاصة من إفريقيا وآسيا وهي السياسة التي تبنتها ألمانيا وطبقها الاتحاد الأوروبي وجعلها من مبادئه مما خلق مشاكل اقتصادية واجتماعية في أوروبا وتزايدت حدة العمليات الإرهابية بسبب المهاجرين وأخذت من الفرص وأموال ورفاهية الشعوب الأوروبية الأصلية، حسب رأي الشعب، وهو الملف الذي يعتبر العصا السحرية في يد اليمين المتطرف.

كما أن الاقتصاد المتراجع للدول الأوروبية منذ بداية كورونا مرورا بـ الحرب الروسية الأوكرانية ومساندة الدول الأوروبية لأوكرانيا بكل ما أوتت من قوة سواء اقتصادية أو سياسيا أو عسكريا ساهمت في تراجع الاقتصاد الأوروبي إلى حد غير مسبوق، حيث تشير المؤشرات الاقتصادية لمنطقة اليورو إلى الانكماش بنسبة 0.1% في الربع الثالث من عام 2022 وتراجع حاد في الرابع الرابع، كما تجد الحكومات الأوروبية صعوبة بالغة في كبح جماح التضخم بسبب زيادة أسعار الطاقة والغذاء العالمية وذلك يرجع بسبب العقوبات الأوروبية والأمريكية التي فرضت على روسيا وقطع روسيا إمدادات الغاز عن بعض الدول الأوروبية أبرزها بولندا والسويد وتقليصها لألمانيا وفرنسا، وحاليا متوافقة تماما بسبب الانفجار الأخير لخطوط غاز نوردستريم 1، 2 في بحر البلطيق والمتوجهة إلى ألمانيا، مما أدي إلى زيادة الأسعار بشكل كبير على المواطن الأوروبي، كل هذه المشاكل الاقتصادية كانت مادة خصبة للدعاية الإعلامية والخطابية لليمين المتطرف حتى حاز على ثقتهم.

وعلى الوضع السياسي الخارجي، تعارض الأحزاب اليمينية المتطرفة السياسات الخارجية للحكومات الأوروبية الحالية خاصة معاداتهم لروسيا ووصفها بأنها دولة معادية ومساعدتهم الأوكرانية ودعمها بالسلاح والأموال، لأنهم يرون أن هذا الدعم ليس ذا فائدة على الشعوب الأوروبية التي تعاني نقص في الطاقة وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بسبب الحرب، فهم يرفعون شعار الوطن أولا، لذلك ليس من الغريب أن نجد المجر، وهي تحكمها الآن حكومة يمينية متطرفة، أن يخرج وزير خارجيتها ويقول إن المجر ترفض سياسية العقوبات على واردات النفط الروسي، لافتا إلى أن واردات النفط الروسي تشكل 65% من احتياجات المجر، لذلك فأن اليمين المتطرف يهمه في المقام الأول المصلحة الوطنية ولا يهمه الحرب.

تداعيات صعود اليمين المتطرف

نتيجة لكل الخلافات العقائدية بين تيار اليميني المتطرف والقوى السياسية الأخرى في أوروبا، فمن الواضح أن ظهور الأحزاب اليمينية المتطرفة لن يكون على هوي الولايات المتحدة الأمريكية، لأن صعود اليمين المتطرف يشكل تعارض مع المصالح الأمريكية في المنطقة وهي التحالفات التي شكلتها أمريكا لمواجهة النفوذ الروسي وبالأخص حلف الشمال الأطلسي "الناتو"، وذلك لأن اليمين المتطرف لا يعترف بهذه التحالفات، فهم يؤمنون بالدولة الوطنية الواحدة دون الدخول في أي تحالفات من شأنها الإضرار بالمصالح الخاصة لدولته، لذلك يشكل صعود اليمين المتطرف ضررا للمصالح الأمريكية وهو ما لا تريده أو ستسمح به الولايات المتحدة، لذلك ستكون هناك محاولات جادة من الولايات المتحدة لعرقلة صعود اليمين المتطرف إلى مراكز صنع القرار في أوروبا.

كما ستنعكس قناعات الأحزاب اليمينية المتطرفة على سياساتها مع الدول الأخري، فقد تختلف السياسات الأوروبية بشكل جذري في علاقتها مع روسيا والصين وستكون المعاملة بناء على المصالح المتبادلة فقط، وبذلك ستعود العلاقات الأوروبية الروسية والصينية ولكن ليس بالقدر الكافي وذلك نظرا للعداء التاريخي بين اليمين المتطرف واليسار الذي يمثل الاشتراكية في روسيا والصين.

وبالنسبة للمنطقة العربية ستكون سياسات اليمين المتطرف أكثر حدة وقد تصل حتي العداء مع بعض الدول، وذلك نظرا للعداء بين اليمين المتطرف والإسلام فهم يرون أن الإرهاب يأتي من الشرق خاصة بعد العمليات الإرهابية التي حدثت في بعض الدول الأوروبية.

كما ينظرون للشرق الأوسط على أنه مصدر للمهاجرين وخطر على الحضارة الأوروبية،لذلك سيكون هناك وقف تام للهجرة من الشرق الأوسط وحالات طرد وتضييق للذين هاجروا إلى أوروبا في السابق.

بذلك ستكون حقبة صعود اليمين المتطرف في أوروبا من أصعب الحقب التي سيواجهها العالم، لذلك على العرب التعامل مع الأحزاب اليمينية المتطرفة بمبدأ الند والمصالح المتبادلة والتنسيق المشترك المستمر فقط لا بمبدأ الصداقة والشراكة الاستراتيجية.