خلال الساعات الأخيرة أحدثت صورة الإمام الأكبر الشيخ أحمد الطيب، جدلًا على وسائل التواصل الاجتماعي، بعدما التقطت صورة له أثناء عودته من رحلة علاجية إلى ألمانيا، إذ ظهر بجانبه كتاب “أفول الغرب” الذي كتبه المفكر المغربي حسن أوريد، وهو الأمر الذي دفع أحمد الصاوي رئيس تحرير جريدة الأزهر للحديث عن الأمر عبر صفحته الشخصية على “فيسبوك”.
وجاء في منشوره: "أكان لابد أن يقرأ فضيلة شيخ الأزهر الإمام الطيب عن «أفول الغرب»، فيثير بذلك حفيظة أدعياء العلم والتنوير الذين لم يقرأوا فى الصورة غير أنفسهم وعقولهم الغارقة فى السطحية والشكلانية، وتصوراتهم عن «الخناقة» التى فى عقولهم التى يستخدمون فيها كل ما يليق وما لا يليق على طريقة الشخصية السينمائية «خالتى فرنسا».
تراجع الحضارة
الحقيقة أن اهتمام فضيلة الإمام أحمد الطيب بالقراءة فى هذا الموضوع يتواكب مع اهتمام كبير لمفكرين وكتاب ومراكز أبحاث غربية كبرى، اهتمت طوال العقد الأخير على الأقل وبكثافة بصك هذا المصطلح وترويجه رسمياً، حتى بات من لا يقرأ تصورات المفكرين والباحثين والفلاسفة عن الأفول أو التراجع الغربى حضارياً هو الرجعى الذى يعيش فى غيبوبته الفكرية، ومن يقرأ ويتعمق فى هذا الشأن هو التقدمى المواكب للعالم وما ينتجه من أفكار.
وأضاف: لا أعرف إن كان هؤلاء «أدعياء العلم والتنوير» سبق لهم قراءة كتاب «أفول الغرب» للمفكر المغربى حسن أوريد واطلعوا على ما يتضمنه من تأملات نقدية في الواقع الغربى والعربى على السواء، ربما لو أنفقوا قدراً قليلاً من الوقت قبل قذف «بوستاتهم» الانطباعية الساذجة التى لا تليق بمن يدعى الانحياز للعلم والتنوير، وأقل قواعد العلم والتنوير أن نقرأ أولاً. لو فعل هؤلاء ما أقول ربما فتح لهم كتاب حسن أوريد الباب لفهم الاهتمام الغربى وليس العربى بهذه النبوءة حتى أن أوريد لم يكن أول ولن يكون آخر المفكرين الذين تعرضوا لذلك وبنفس العنوان.
يكفى أن أقول لك أن «أفول الغرب»، أو Westlessness كان عنواناً رئيسياً فى مؤتمر ميونخ للأمن فى 2020، ومحوراً رئيسياً فى التقارير البحثية لمؤسسات حلف شمال الأطلسى وسط تساؤلات حقيقية وجادة عن مستقبل الغرب بجناحية الأوروبى والأمريكى.
الغرور الأوروبي
يستطرد: سبق الفيلسوف الألمانى أوسوالد شبانغلر، المغربى حسن أوريد ومؤتمر ميونخ كذلك فى التعبير عن هذه الرؤية في كتابه الذى يحمل ذات العنوان decline of the west برؤية جديدة لفلسفة التاريخ، منتقداً الغرور الأوروبي والاعتقاد السائد أن الحضارة الغربية هي الوريث الوحيد لعصر النهضة. منتهياً إلى أن كل حضارة في نظره تنقسم تاريخياً لأربع فصول كفصول السنة، ربيع صيف خريف وشتا، وأن الغرب أصبح في مرحلة الأفول الذي يسبق الانهيار.
وطبقاً لتحليل عالم الاجتماع دانييل بيل في كتابه «التناقضات الثقافية للرأسمالية» فإن المشكلة مع المجتمع الغربي تكمن في أن نجاحه الاقتصادي يدفع إلي تدمير القيم الجوهرية التي قام عليها، وهو ما يعد نبوءة مبكرة بالأفول الغربى.
أفول الغرب
ربما كانت معظم هذه المساهمات تتحدث عن أفول الغرب الأوروبى تحديداً، لكن تظهر وبقوة تنظيرات فلاسفة غربيين أمريكيين وكنديين تتحدث عن أفول الغرب الأمريكى تحديداً على رأسهم الفيلسوف الأمريكى نعوم تشوميسكى، والكندى إريك والبيرغ الذى يُلح فى كتاباته على أننا نحتاج إلى الاستعداد لعالم ما بعد أمريكا. ويقول: "أمريكا ما زالت في حالة أفول، ولا توجد إمبراطورية تترك المشهد من تلقاء نفسها أو بسرعة.أعتقد أن الولايات المتحدة تذهب إلى الأفول بشكل أسرع الآن. لأن بعض القوى ثارت على تجاوزاتها المروعة للتكنولوجيا وتدمير العالم والبيئة".
وكذلك تنبأ فيلسوفٍ السياسة الأميركية، زبيجنيو بريجنسكي، بأفول أميركا كدولةٍ عظمى في كتابه "أميركا بين عصرين" الصادر عام 1970.
هذه إذن قضية حضارية وفلسفية وفكرية وسياسية مهمة وعلى قدر بالغ من الخطورة، وتشغل عقول العالم كله ومراكز ابحاثه وتفكيره، والمختلف أن مساهمة المفكر المغربي حسن أوريد فيها وضعت العالم العربى فى صورة هذا الأفول من حيث تداعيات الانسحاب الغربى على مستقبل العالم العربي، فى ظل بناء النخب السياسية والإقتصادية والثقافية مشروعاتها على التبعية الغربية دون تبنى خيارات مستقلة متماسكة قادرة على أن تفرض نفسها وسط حالة التخبط والفراغ الذى يحدثها وسيحدثها الأفول الغربى، أو تستمر أزمات العالم العربى مجرد انعكاس لما يجرى فى الغرب، أو صدى لمشاكل الغرب.
يمكن اعتبار كتاب حسن أوريد تقدير موقف عربى مبنى على فرضية واضحة المعالم ويتبناها فلاسفة فى الغرب قبل الشرق عن الأفول الغربى وكيف يمكن أن يستوعب العالم العربي هذ التحول الجاري في العالم، وهى رؤية سواء اتفقت معها أم لم تتفق لابد أن تطلع عليه، خصوصاً إن كنت من المهتمين بواقع منطقتك وعالمك.
حياة الحضارات
لم يقرأ شيخ الأزهر أحمد الطيب إذن فى قضية هامشية، ولا كتاب صراعى يتحدث عن الغرب الكافر والشرق المؤمن، وإنما فى دورة حياة الحضارات وأثرها على العرب، مع العلم أن أفول الغرب لا يعنى أننا سنفقد الطائرة التى نعود بها من سفراتنا ولا قرص الدواء، فمن حصلوا القدر اليسير من التعليم يعلمون أن أفول الحضارات لا يقضى على منجزاتها، فقد أفلت الحضارة اليونانية وبقى منجزها الفلسفى، وأفلت الحضارة العربية الإسلامية وبقى منجزها الذى تأسست عليه علوم الرياضيات والطب والفلك والاجتماع، وحتى فكرة الطيران وكل ما بنت عليه الحضارة الغربية اللاحقة منجزاتها.
لدينا إذن شيخ للأزهر يقرأ.. والبعض يحاول التعريض به لأنه يقرأ، فيما من يدعون العلم والتنوير لا يقرأون فقط يدعون ويدعون ويدعون، ويبحثون عن تريندات كما مراهقى التيك توك.