الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الثوب الأغلى في التاريخ .. تبديل كسوة الكعبة المشرفة بالحرير المطرز بماء الذهب والنقوش القرآنية .. التكلفة تتجاوز 20 مليون ريال من خلال 200 صانع يقوم على حياكتها

الكعبة المشرفة
الكعبة المشرفة

الثوب الأغلى في التاريخ 

  • تبديل كسوة الكعبة بالحرير المطرز بماء الذهب والنقوش القرآنية  
  • تغسل مرتين في السنة: الأولى في شعبان والثانية في ذي الحجة
  • ظهرت الكتابة على كسوة الكعبة المشرفة في العصر العباسي


الكسوة الشريفة من أهم مظاهر التبجيل والتشريف لبيت الله الحرام، ويرتبط تاريخ المسلمين بكسوة الكعبة المشرفة وصناعتها التي برع فيها أكبر فناني العالم الإسلامي، وتسابقوا لنيل هذا الشرف العظيم، وهي قطعة من الحرير الأسود المنقوش عليه آيات من القرآن من ماء الذهب، تكسى بها الكعبة ويتم تغييرها مرة في السنة، وذلك خلال موسم الحج، صبيحة يوم عرفة في التاسع من ذي الحجة.

تستبدل الكعبة كسوتها مرة واحدة كل عام، في نهاية العام الهجري، وبعد إحضار الثوب الجديد تبدأ عقب صلاة العصر مراسم تغيير الكسوة، حيث يقوم المشاركون في عملية استبدالها عبر سلم كهربائي بتثبيت قطع الثوب الجديد على واجهات الكعبة الأربعة على التوالي فوق الثوب القديم، وتثبت القطع في عرى معدنية خاصة (47 عروة) مثبتة في سطح الكعبة، ليتم فك حبال الثوب القديم ليقع تحت الثوب الجديد نظرا لكراهية ترك واجهات الكعبة مكشوفة بلا ساتر.

ويتولى الفنيون في مصنع الكسوة عملية تشبيك قطع الثوب جانبا مع الآخر، إضافة إلى تثبيت قطع الحزام فوق الكسوة (16 قطعة جميع أطوالها نحو 27 مترا) و 6 قطع تحت الحزام، وقطعة مكتوب عليها عبارات تؤرخ إهداء خادم الحرمين الشريفين لثوب الكعبة وسنة الصنع، ومن ثم تثبت 4 قطع صمدية (قل هو الله أحد الله الصمد) توضع على الأركان، و11 قطعة على شكل قناديل مكتوب عليها آيات قرآنية توضع بين أضلاع الكعبة الأربعة.

ويوجد في المتر المربع الواحد من كسوة الكعبة المشرفة 1،3 كيلو جرام من الحرير، وعدد خيوط يبلف 17 ألف خيط حرير، وتتميز الكعبة باعتماد طراز الفن الإسلامي في زخرفة الباب مع المحافظة على الشكل المعهود للباب ونقش الآيات الكريمة على الذهب، مع إضافة زخارف في الزوايا العلوية تحيط بها الآيات القرآنية المكتوبة حسب الترتيب الموضوع لها.


تغسل الكعبة مرتين في السنة: الأولى في شهر شعبان، والثانية في شهر ذي الحجة، ويستخدم في غسلها ماء زمزم، ودهن العود، وماء الورد، ويتم غسل الأرضية والجدران الأربعة من الداخل بارتفاع متر ونصف المتر، ثم تجفف وتعطر بدهن العود الثمين.

قديما وبعد فتح مكة، أبقى (صلى الله عليه وسلم) على كسوة الكعبة، ولم يستبدلها حتى احترقت على يد امرأة تريد تبخيرها، فكساها الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالثياب اليمانية، ثم كساها الخلفاء الراشدون من بعده، أبو بكر وعمر بالقباطي، وعثمان بن عفان بالقباطي والبرود اليمانية، حيث أمر عامله على اليمن (يعلى بن منبه) بصنعها، فكان عثمان أول رجل في الإسلام يضع على الكعبة كسوتين، إحداهما فوق الأخرى، أما علي (رضي الله عنه) فلم يذكر المؤرخون أنه كسا الكعبة، نظرًا لانشغاله بالفتن التي حدثت في عهده، ومن عام الفتح إلى يومنا هذا، انفرد المسلمون بكسوة الكعبة المشرفة.

في عصر الدولة الأموية اهتم الخلفاء الأمويون بكسوة الكعبة، وفي عهد معاوية بن أبي سفيان كسيت الكعبة كسوتان في العام: كسوة في يوم عاشوراء والأخرى في آخر شهر رمضان استعدادا لعيد الفطر، وكانت كسوة الكعبة ترسل من دمشق، حيث تصنع من أحسن الأقمشة وأفضلها وترسل إلى مكة في منطقة على أطراف دمشق سميت الكسوة نسبة لذلك، حيث اشتهر محمل الحج الشامي الذي ينطلق من دمشق بجموع الحجيج المجتمعين من كافة البقاع ومن دول كثيرة في الشرق ووسط آسيا، كما أن معاوية هو أيضا أول من طيب الكعبة في موسم الحج وفي شهر رجب.

اهتم الخلفاء العباسيون بكسوة الكعبة المشرفة اهتمامًا بالغًا لم يسبقهم إليه أحد، نظرًا لتطور النسيج والحياكة والصبغ والتلوين والتطريز، ما جعل الخلف يصل إلى ما لم يصل إليه السلف.

كما ظهرت الكتابة على كسوة الكعبة المشرفة منذ بداية العصر العباسي فكان الخلفاء من الأمراء يكتبون أسماءهم على الكسوة ويقرنون بها اسم الجهة التي صنعت بها وتاريخ صنعها، كما هي العادة الجارية إلى اليوم.

ويرجع اهتمام السعودية بصناعة الكسوة إلى ما قبل عام 1381هـ أي منذ عام 1345هـ، وذلك حين توقفت مصر عن إرسال الكسوة بعد حادثة المحمل الشهيرة في العام السابق 1344هـ، وأمر الملك عبد العزيز آل سعود بعمل كسوة للكعبة المشرفة، بغاية السرعة، وعملت كسوة من الجوخ الأسود الفاخر مبطنة بالقلع القوي.

وفي مستهل شهر محرم 1346هـ، أصدر الملك عبد العزيز، أوامره بإنشاء دار خاصة بصناعة الكسوة، وأنشئت تلك الدار بمحلة أجياد أمام دار وزارة المالية العمومية بمكة المكرمة، تمت عمارتها في نحو الستة الأشهر الأولى من عام 1346هـ، فكانت هذه الدار أول مؤسسة خصصت لحياكة كسوة الكعبة المشرفة بالحجاز منذ كسيت الكعبة في العصر الجاهلي إلى العصر الحالي. 

وأثناء سير العمل في بناء الدار كانت الحكومة السعودية تقوم من جانب آخر، ببذل الجهود لتوفير الإمكانيات اللازمة للبدء في وضع الكسوة، والتي تتألف من المواد الخام اللازمة لمصنع الكسوة من حرير ومواد الصباغة، ومن الأنوال التي ينسج عليها القماش اللازم لصنع الكسوة، وقبل كل ذلك وبعده العمل على إيجاد الفنيين اللازمين للعمل في شتى المراحل، وعلى الرغم من أن هذه العناصر الأساسية التي يجب توفرها لمصنع الكسوة، لم يكن أي منها متوفرًا لدى المملكة حين ذاك.

وفي عام 1397هـ أصدر الملك خالد بن عبد العزيز، أمره بتغيير باب الكعبة، حيث لاحظ أن الباب الذي صنع في عهد الملك عبد العزيز قد ظهر عليه القدم، وأمر بعمل باب آخر لسلم الكعبة الداخلي الذي يصعد بواسطته إلى سطحها يكون مغلفا بالذهب الخالص.

وبدأت الإجراءات اللازمة لتنفيذ الأمر الملكي الكريم، فتم الاتفاق مع شيخ الصاغة بمكة المكرمة «الشيخ أحمد إبراهيم بدر» لصنع البابين بتكلفة إجمالية بلغت «13.420.000»ريال، عدا كمية الذهب التي جرى تأمينها بواسطة مؤسسة النقد العربي السعودي، حيث احتاج البابان من الذهب ما مقداره 280 كيلوجراما عيار 99.99%، وتم الاتفاق أيضًا مع المهندس المعماري منير الجندي، اختصاصي التصميمات والعمارة الإسلامية، على المشاركة في التصميمات والدراسات الخاصة بالبابين ومتابعة التنفيذّ.

وبلغت قيمة الدراسات «300.000» ريال وأقيم معمل خاص لصياغة البابين في مكة المكرمة وبدأ العمل التنفيذي من غرة ذي الحجة سنة 1398 هـ، وفي خلال ثلاثة أشهر قدمت الأفكار الأساسية والدراسات الخاصة، وتميزت باعتماد طراز الفن الإسلامي في زخرفة الباب مع المحافظة على الشكل المعهود للباب ونقش الآيات الكريمة على الذهب، مع إضافة زخارف في الزوايا العلوية تحيط بها الآيات القرآنية المكتوبة حسب الترتيب الموضوع لها.

وأضيفت في الزاويتين العلويتين زخارف متميزة لإبرازها بشكل قوس يحيط بلفظ الجلالة «الله جل جلاله» واسم الرسول «محمد صلى الله عليه وسلم» والآيات الكريمة هي: «ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ»، «جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ»، «رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْق وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْق وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا»، «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ»، «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ».

ويلي ذلك دائرتان على شكل الشمس كتب في وسطهما بخط جميل «لا إله إلا الله محمد رسول الله» بخط بارز، وقد ثبتت على سطح الدائرتين العلويتين حلقتا الباب اللتان تظهران مع القفل في شكل متناسق جميل، وبين الحلقتين والقفل توجد مساحة مناسبة لغرض الفصل بين أنواع الزخارف، وكتب تحت الدائرتين العلويتين الآية الكريمة «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».

والحشوتان اللتان تحت القفل، ففي وسطيهما كتبت سورة الفاتحة على شكل قرصين بارزين، وتحت هاتين الحشوتين، عبارات تاريخية بخط صغير: صنع الباب السابق في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود سنة 1363 وتحتها: صنع هذا الباب في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود سنة 1399.

وفي الجهة اليسرى تضمن زخرفة خفيفة كتب في الدرفة اليمنى عبارة: «تشرف بافتتاحه بعون الله تعالى الملك خالد بن عبد العزيز آل سعود في الـ22 من شهر ذي القعدة سنة 1399»، وفي الدرفة اليسرى، عبارة: صنعه أحمد إبراهيم بدر بمكة المكرمة، صممه منير الجندي، واضع الخط: عبد الرحيم أمين» كما وضعت زخرفة دقيقة خاصة لأنف الباب المثبت على الدرفة اليسرى. أما الجانب فصمم بطريقة فنية ومثبتة حسب التصميم الزخرفي بعد مراعاة اللوحات الدائرية البارزة التي تحمل أسماء الله الحسنى وعددها 15: فوق الباب: يا واسع يا مانع يا نافع، والجانب الأيمن: يا عالم يا عليم يا حليم يا عظيم يا حكيم يا رحيم، والجانب الأيسر: يا غني يا مغني يا حميديا مجيد يا حنان يا مستعان.

وخصص مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة، وحدة العناية بثوب الكعبة المشرفة على مدار الساعة بالمسجد الحرام، وهى تعنى بأعمال صيانة ثوب الكعبة المشرفة بشكل فوري، وتعددت أقسام مجمع الملك عبد العزيز لكسوة الكعبة المشرفة بين التحلية، والمصبغة، والمختبر، والنسيج الآلي، والطباعة، وتطريز المذهبات، وتجميع الثوب، واستبداله.

وأعلن مجمع الملك عبد العزيز، أن تكلفة صناعة الثوب الأغلى في التاريخ، تبلغ 20 مليون ريال سعودي، ويعمل عليه أكثر من 200 صانع مؤهلين من خلال برامج تدريبية وتطويرية وعمل مؤسساتي عالي الجودة.

وقال حمزة شعبان، أحد القائمين على الثوب الأغلى في التاريخ، إنه يعمل بقسم تطريز المذهبات بالمجمع لأكثر من (36) عامًا تعلم خلالها فن التطريز، حيث يقوم بتطريز قطع الحرير بأسلاك الفضة، وأسلاك الفضة المطلية بالذهب، يدويا ثم تحشى بالقطن لإبراز الآيات والزخارف على ثوب الكعبة، مبينًا أنه اكتسب هذه الحرفة عن طريق الممارسة، مؤكدًا أنه مع مرور السنوات ظلل شاهدًا على النقلة النوعية في آلية عمل المجمع، و أن الدولة وفرت لهم كل ما يسهم في رفع كفاءة جودة العمل بما يليق بكساء كعبة الله المشرفة.

وقال الأستاذ أحمد باعنتر الذي يعمل بقسم تجميع الثوب لأكثر من (37) عامًا أقوم بتجميع طاقات قماش الحرير لكل جنب من جوانب الكعبة الأربعة على حده، ومن ثم توصليها ببعضها البعض بأحدث المكائن وتثبيت القطع المذهبة عليها، مبينًا أنه تعلم المهنة من الشيخ عبدالرحيم أمين – والصانع أحمد سحرتي مقدماَ نصيحة للشباب المستجدين في العمل بأن يستذكروا شرف ما يقمون به وأن الله اصطفاهم لهذا العمل المبارك الذي يجمع بين خيري الدنيا والأخرة.

من جانبه تحدث عبدالله الزبيدي الذي يعمل بقسم النسيج الآلي لأكثر من (39) عامًا عن فخره واعتزازه بعمله في حياكة ثوب الكعبة المشرفة وأنه سعيد بما يقوم ويشعر ببركته في حياته الشخصية وكيف أنه منذ انضمامه للمجمع وأمور حياته في توفيق وتيسير من الله سائلًا الله أن يتقبل منه وأن يخلص نيته لوجهه تعالى.