الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما هي الخلوة ؟ أسرار عظيمة يكشفها علي جمعة

علي جمعة
علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ، إن البعض يسأل عن الخلوة ما هي ؟، وما هي أدلتها.

ما هي الخلوة ؟ 

وأوضح علي جمعة : من أدلة الخلوة التي استدل بها المسلمون أن النبي ﷺ  كان يذهب إلى غار حراء الليالي ذوات العدد فَيَتَحَنَّثُ -يتعبد-، وكان يتزود حتى إذا ما نفد زاده -الأكل والشرب- نزل حتى يتزود لمثلها .

واستدلوا أيضًا بسيدنا موسى عليه السلام حيث أنه ذهب ثلاثين يوماً ثم إنه ازداد عشراً حتى أصبح أربعين ليلة مع ربه في خلوته . {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} واستدلوا أيضًا بخلوة سيدنا زكريا عليه السلام الذي اختلى الناس ثلاثة أيام {قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ}.

وأكمل: إذن الخلوة مشروعة، والانكفاف عن الأنام والناس مشروع، لكنه بشروط ؛ أن يحرم على العابد أن يُضيّع أهله، فيجب أن يدبر لأهله ما يلزمهم من "أكل، شرب، لبس ، علاج" وإذا حدث طاريء فيجب أن يكون هناك من يشرف عليهم، وإذا لم يستطيع تدبير ذلك فعمله خيرٌ من خلوته، ولا يجوز له أن يختلي.

وأشار علي جمعة إلى أن الخلوة تحولت عندنا في شريعة الإسلام إلى الاعتكاف ؛ والاعتكاف وإن لم يكن فرضًا إلا أنه بوابة لمن أراد أن يتزود، وأن يشحن قلبه، وأن تُكشف له أسرار العبادة، وأن تتنزل عليه رحمات من عند الله سبحانه وتعالى ، وهى أمر يُرقِّي الإنسان مع ربه لأن فيها هذه المعاني الأربعة التي تكلم عنها العلماء مستنبطين إياها من الكتاب ومن السنة : (قلة الطعام ، قلة المنام ، قلة الكلام ، قلة الأنام)..

ولفت إلى قلة الطعام : يقول ﷺ : «بحسب ابن آدم لقيماتٍ يقمن صلبه فإن كان ولا بد ؛فثلث لطعامه، وثلثٌ لشرابه، وثلثٌ لنفسه» ولو تتبعنا ما شرعه رسول الله ﷺ من صيام الفرض والنفل لظهر لنا شيء عجيب ، أنه فعل ما يساوي فعل نبي الله داود، فعند صيام الاتنين والخميس، بعض الشهور فيها أربع أسابيع، وبعض الشهور فيها خمس أسابيع لأن السنة فيها اتنين وخمسين أسبوع، نخرج رمضان - 11 أسبوع-  فيكون 48 أسبوع، 48 أسبوع × 2 = 96 يوم -اتنين وخميس- ، وكان يصوم 3 أيام القمرية "13 و 14 و 15" (  3 أيام × 11 شهر = 33 ) ، 33 + 96 = 130 تقريبًا، 130 + 30 يوم رمضان = 160 يوم ، وكان يصوم شعبان ومحرم يكاد لم يصم شهرًا بعد رمضان إلا شعبان فاصبح العدد 190 يوم ، وفي محرم يصوم عاشورا ويصوم الـ 10 أيام من الحجة فأصبح العدد 200يوم، 200 من 360 يوم أكثر من النص، وسيدنا ﷺ يقول : خير الصيام صيام نبي الله داود، فكان يعمل يصوم يومًا ويفطر يومًا يعني نصف الـ 360يوم يعني 180 يوم.

وكذلك قلة المنام : وهو قيام الليل . حيث يقول ربنا سبحانه وتعالى : { قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا} ، يقول سبحانه : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا } ، يقول تعالى : { تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ.. } إلى آخر هذه الآيات التي تمثل الغالبية من القرآن ..

قلة الكلام: نُهينا عن اللغو ، أمرنا رسول الله ﷺ بالصمت وقال: «إذا رأيتم الرجل أُوتي صمتًا فإنه يُلَقَّى الحِكمة»، ويقول: «اضمن لي ما بين لحييك وفخذيك أضمن لك الجنة» ، ولذلك جمع ابن أبي الدنيا ـ رضي الله تعالى عنه ـ كتابًا كبيرًا في (الصمت) وأورد فيه تلك الأحاديث الكثيرة جداً في فضيلة الصمت.

وأيضا قلة الأنام : الانكفاف عن الخلق ، الأنس بالله ، الوحدة مع ربنا سبحانه وتعالى. فهذا هو شأن الخلوة .

وبين هناك أيضا الخلوة القلبية يقول تعالى :{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} فيها أمر بالاعتزال الوجداني، فما هو الاعتزال الوجداني ؟ قالوا: "خلوتهم في جلوتهم" ، قال سيدنا رسول الله ﷺ: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللهِ سُبْحَةُ الْحَدِيثِ» قَالُوا : وَمَا سُبْحَةُ الْحَدِيثِ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : «الرَّجُلُ يُسَبِّحُ وَالَّناُس يَتَكَلَّمُون» فالإنسان يبدأ في التسبيح والناس حوله، القلب يسبح وهو في وسط الناس ، لكنه منفصل شعوريًّا عن خلق الله ،وهو جالس مع الناس، لكن قلبه معلق بالله، هو دائم الذكر والطمأنينة، وإن كان يخالط الناس في الظاهر، شغال مع المجتمع بالنفع، بالعطاء، وهكذا كان حال سيدنا رسول الله ﷺ في مكة، كان ﷺ في المجتمع، ويدعو إلى الله، ويجتنب الأوثان، وبيته مفتوحٌ ليل نهار للأمانات فقد كان الصادق الأمين، وعندما غادر ترك الإمام علي حتى يرد الأمانات إلى أهلها المشركين، فلماذا لم يعتزلهم سيدنا ﷺ وقال لهم أنا لا آخد أمانة ولا أتحمل مسئولية؟ لأنه نافع لمجتمعه، لأن خلوته في جلوته ﷺ .
واختتم بقوله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} يعني ابقوا في عزلة من الشر حتى لو بقيتم وأنتم تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتقيمون حدود الله، وتنفعون الناس، حتى لو كان حالنا كحال أهل مكة ، فما بالك لو كان من حولك من المسلمين فعليك مسئولية أكبر في السعي بعد الوعي {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} أنا هاعيش في المجتمع، واتعامل مع الكل سواء كان موافقني أو مخالفني بقلب مفتوح ونافع.