الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حقوق الإنسان .. كيف ابتذلت دول أوروبا الشعار النبيل بازدواجية فاضحة؟ انتهاكات على أراضي القارة العجوز بلا محاسبة.. والمهاجرون الضحايا الأضعف

البرلمان الأوروبي
البرلمان الأوروبي

حقوق الإنسان شعار نبيل، وبعض الدول والمنظمات الدولية ترفعه كعنوان عريض يخفي وراءه أغراض مستترة غير بريئة ، فتبتذل الشعار وتفرغ قضيته من مضمونها، والأهم من ذلك تتعامى عامدة عما تقترفه حكومات ومؤسسات تلك الدول نفسها من انتهاكات لحقوق الإنسان.

معايير مزدوجة

ومنذ تحولت مسألة حقوق الإنسان إلى قضية مركزية في أجندة السياسة العالمية، التي يفرضها ويقودها الغرب الأوروبي بالأساس، تبين بوضوح مدى الزيف وازدواجية المعايير التي يتبناها الغرب، سواء على مستوى الخطاب أو الممارسة العملية، وبحيث يُفهم صراحة أو ضمنًا أن "الإنسان" المقصود الإنسان الأبيض حصرًا.

وفي الوقت الذي تجرد فيه دول أوروبا المهاجرين من حقوقهم الإنسانية الأساسية المتجاوزة للقوميات والجنسيات، تفخر مصر بسجلها المشرف في استضافة ورعاية اللاجئين والمساواة بينهم وبين المواطنين في الحقوق الأساسية والخدمات، باعتراف وإشادة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في أكثر من مناسبة.

على أراضي الدول الأوروبية، التي لا تكف عن العزف منفردة ومجتمعة على وتر حقوق الإنسان في العالم، تُرتكب انتهاكات بحق بشر مستضعفين لا يملكون ما يدفعون به عن أنفسهم تجاوزات الحكومات والمؤسسات الرافضة لوجودهم والساعية للتخلص منهم بأي طريقة.

وفي فبراير الماضي، دعت المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة دول الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء عمليات الصد، والطرد الجماعي، واستخدام العنف ضد المهاجرين واللاجئين، بمن فيهم الأطفال، على حدود الاتحاد الأوروبي البرية والبحرية الخارجية.

وتواصل المنظمة الأممية المعنية بالهجرة تلقي تقارير موثقة عن انتهاكات حقوق الإنسان وخروقات القانون الدولي واتفاقياته، بما في ذلك الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.

معاملة وحشية

وقالت المنظمة في بيان صحفي إن انخراط موظفيها المباشر مع المهاجرين - بما في ذلك أثناء تقديم المساعدة - بالإضافة إلى الشهادات والصور المختلفة التي نشرتها المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام، "يؤكد مستوى الوحشية التي تعرضوا لها قبل إعادتهم عبر الحدود البحرية والبرية".

وفي هذا السياق، قال أوجينيو أمبروزي المسؤول بالمنظمة الدولية للهجرة، "إن استخدام القوة المفرطة والعنف ضد المدنيين أمر غير مبرر".

وأضاف: "يجب أن تتماشى سيادة الدول - بما في ذلك اختصاصها في الحفاظ على سلامة حدودها - مع التزاماتها بموجب القانون الدولي واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع".

ويحظر القانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي عمليات الإعادة والطرد الجماعي، كما تدين المنظمة الدولية للهجرة بأشد العبارات إساءة معاملة المهاجرين واللاجئين على أي حدود.

وبحسب بيان المنظمة الأممية المعنية بالهجرة، يسلط الوضع المقلق على بعض الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي الضوء على "الحاجة إلى تحسين سياسة الهجرة واللجوء والحوكمة، وتنفيذ الممارسات الإنسانية والمتكاملة القائمة على الحقوق".

وكانت المفوضية الأوروبية قد تبنَّت أخيراً توصيات للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من أجل "مضاعفة عمليات إعادة" المهاجرين غير الشرعيين الذين تمَّ رفض طلباتهم باللجوء. وقال الخبراء المعنيون بحقوق الإنسان إن تدابير جديدة هدفت إلى تنظيم إجراءات العودة كانت "تصوراً خاطئاً" لحلِّ تحديات الهجرة في أوروبا. وقام الخبراء بحثِّ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على البحث عن تدابير بديلة من شأنها أن تحفظ حقوق الإنسان للمهاجرين على نحو أفضل.

وضع يبعث على الأسى

في مارس الماضي، اتهم مجلس أوروبا لحقوق الإنسان الدول الأوروبية بالفشل في حماية أرواح الآلاف ممن قضوا في المتوسط أثناء محاولتهم الوصول للسواحل الأوربية. ووضع المجلس الدول المعنية أمام مسؤوليتها بضرورة التزامها بحماية حقوق الإنسان.

وأصدر مجلس أوروبا لحقوق الإنسان تقريرا شديد اللهجة، اتهم فيه السياسات الأوروبية المتبعة حاليا في ما يتعلق بالهجرة بالمسؤولية عن مقتل آلاف المهاجرين في البحر المتوسط.

وجاء في التقرير "رد أوروبا هو واحد من أفظع الأمثلة حول كيفية تقويض سياسات الهجرة السيئة لحقوق الإنسان ومسؤوليتها عن آلاف الضحايا".

وقالت دنيا مياتوفيتش، مفوضة المجلس، إن "الدول الأوروبية لا تؤمن للاجئين والمهاجرين الذين يحاولون الوصول إليها عن طريق البحر المتوسط أي حماية. هذه الانتكاسة في حماية أرواح وحقوق اللاجئين والمهاجرين، والتي يمكن تجنبها، تتفاقم وتتسبب في وفاة الآلاف كل عام".

وانتقد التقرير "افتقار الدول الأوروبية للإرادة" لوضع سياسات لحماية المهاجرين. ويخلص إلى أن "وضع حقوق الإنسان في منطقة البحر المتوسط يبعث على الأسى، ويزداد تدهورا".

ويسرد التقرير سلسلة من الأسباب التي تقف وراء تدهور الوضع، ومنها تضاؤل أعداد السفن المخصصة لتنفيذ عمليات إنقاذ في المتوسط، فضلا عن العراقيل الإدارية والقانونية التي تفرضها بعض الدول الأوروبية على عمل المنظمات غير الحكومية، في إشارة إلى ما تتعرض له عدة منظمات غير حكومية من ملاحقات قضائية في إيطاليا بتهم التواطؤ مع مهربي البشر.

ومع استمرار استعداد دول الغرب لاستخدام دول أخرى "للقيام بعملها القذر" بشأن الهجرة، فإنها تخاطر بتقويض القيم التي يُفترض أن المجتمعات الغربية تتبناها، ويكشف نفاق الغرب في التعامل مع قضايا حقوقية نصّ عليها القانون الدولي.