الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ابن الست.. إحسان عبد القدوس طفل عبثت به الحياة.. نوستالجيا

صدى البلد

حياة مضطربة عاشها الطفل إحسان عبد القدوس، خلال حياته، لأنه لم يعش حياة مستقرة نتيجة شهرة والدته  روزاليوسف، وطموحها غير المحدود، وهو الأمر الذي جعله في عمر مبكر يدخل في العديد من نوبات الاكتئاب، والتي خرج من خلالها أكثر نضجًا، ومعرفة ببواطن الأمور.

وبغض النظر عن علاقته بأمه والتي وصفها بأنها “علاقة جيدة”، تحدث إحسان عبد القدوس كثيرا عن اسمه، والذي سبب له الكثير من المشكلات، إذ جاء في مجلة الهلال في عددها الصادر بتاريخ 1 فبراير 1990؛ أي بعد وفاة إحسان عبد القدوس بحوالي شهر واحد فقط، مقالا على لسانه، وقد تحدث إحسان عن العديد من المشكلات التي واجهها خلال طفولته يقول: "عانيت كثيرا من اسمی فخلال فترة طفولتي كنت كلما تشاجرت مع الأولاد في الشارع يجرون ورائي وهم مرددون "البنوتة أهو.. البنوتة أهو" لماذا؟ لأن اسمي إحسان وإحسان اسم يطلق على البنات ولهذا كنت دائما وأنا صغير اسال والدي ووالدتي: "انتو ليه سمتونی إحسان؟ كانت والدتي روزاليوسف، تقول لي: إن السبب في تسميتك باسم إحسان هو أنه أثناء الولادة وقفت بجانبها صديقتها الممثلة إحسان کامل ، فأطلقت، اسمها "إحسان" على أول أبنائها لكن والدي يحكي لي قصة أخرى تشير إلى أن سبب تسميتي إحسان، هو أن جدتي كانت تركية واسم إحسان في تركيا يطلق على الأولاد. إحسان مذكر لا مؤنث في تركيا وجدتي هي التي اختارت لي اسم إحسان وكان كلا من والدي ووالدتي يريدان أن يخففوا على نفسى وقع اختيار اسم إحسان لكنني في الحقيقة أكثر اقتناعا بكلام والدتي من والدي لأنه كان يحبني جدا ولهذا أراد أن يبرر لي اختيار الاسم ويخفف الصدمة نفسيا جدا من اختيار اسمى لدرجة أننى عندما بدأت الكتابة ونشرت اسمي في الصحف والمجلات فوجئت برسائل كتب عليها الآنسة إحسان عبد القدوس.

* مشاعر متباينة 

يتطرق إحسان لشيء أخر إذ يقول: رغم ما كنت أتعرض له، فإنني استطعت أن أفرض اسمي كرجل إذ كان لدي الإحساس دوما أنني ولدت مشهورا فكلما ذهبت إلى مكان يشار على إحسان ابن روزاليوسف ومحمد عبد القدوس، لذا لم تكن الشهرة شيئا ذا بال في بداية حياتي فأبي محمد عبد القدوس هي أكبر شخص في حياتي فلقد تأثرت به كثيرا من الناحية الفنية وكان يجلس في البيت يكتب القصص والأزجال والأشعار وكتب قصة اسمها "إحسان بيه" وقد تحولت إلى فيلم سينمائي وكان ثاني فيلم مصري بعنوان "بنت النيل"، ولهذا فإنني دائما ما أقرب الواقع الذي أعيش فيه بخيالي فقد كنت أسير في الصحراء التي كانت الناحية الشرقية من العباسية أسير وحيداً تنتابني نوازع ومشاعر متبانية وأخلو بنفسي وأسرح، وقد كان والدي يكتب وأجلس أنا في مواجهته وأكتب أنا الآخر؛ كتبت شعرا  منثورا وزجلا، وقد كتبت أول مسرحية في حياتي وعمري عشر سنوات.. مقلدا والدي الذي كان يكتب مسرحيات .

  • طريق المجد

ويتحدث إحسان عن علاقته بأمه روزاليوسف: إذ يقول": "لا أدري كيف استطاعت أن تحملني السيدة فاطمة يوسف تسعة أشهر وهي واقفة على خشبة المسرح تعتصر الفن من دمها وأعصابها لتكون يومها أعظم ممثلة في الشرق ولا أدرى كيف استطاعت أن تطرد عني الموت الذي، طاف بي مرات خلال طفولتي وصباي في حين إنها كانت دائما بعيدة عني تسعي في طريق مجدها، ولا أدري کیف استطاعت أن تنشئني هذه النشأة وأن تغرس في هذه المبادئ، وأن تقودني کطفل وكشاب في مدارج النجاح في حين أنني لم التق بها أبدا إلا وفي رأسها مشروع، وبين يديها عمل فكيف استطاعت أن تجمع في شخصها كل هذا، وإذا كانت قد استطاعت فكيف يمكن أن تحققه سيدة أخرى تريد أن تسعى سعيها؟ فإنها لم تكن غنية يوم ولدتني ويوم في رعايتها ولا كان أبي غنيا فلم تكن لنا قدرة على استئجار مربية لتعهد بي إليها ولم تكن الحياة قد سهلت إلى هذا الحد الذي تراه الآن لتيسير تربية الأطفال، إنما هي التي صنعتني بیدیها وهي التي أرضعتني وهي التي أعدت طعامي وهي التي وضعتني علی فراشي، فهي علمتني كيف أخطوا، فقد صنعتني بیدیها کما صنعت مجدها بيديها كل يوم من أيام هذا المجد وكل حرف فيه وكل خطوة من خطواتها وهي وحدها صاحبة الفضل فيه وليس لأحد فضل عليها، فقد التقطت دروس الفن، وجعلت من نفسها سارة برنار الشرق، كما اطلق عليها ذلك الجيل.

  • صوت ناعم

أعجب إحسان كثيرا بشخصية أمه، وحاول كثيرا أن يحلل شخصيتها وعن ذلك قال: "كنت أحيانا أضع نفسي بعيدا عنها وأجرد نفسى من عاطفتي نحوها ثم أحاول أن أدرسها كما يدرسها أي غریب عنها، علني أجد مفتاحًا لشخصيتها وعلني أخرج من دراستي بقاعدة عامة لحياتها أطبقها على بنات جنسها، ولكن كنت أخرج دائما بمجموعة من المتناقضات لا يمكن أن تجتمع في إنسان واحد، إنها هادئة رقيقة تكاد تذوب رقة يحمر وجهها خجلا إذا ما سمعت كلمة ثناء، ويكاد صوتها الناعم الخفيض الرفيع المنغم يشبه صوت فتاة في الرابعة عشرة من عمرها، وهي تفضل العزلة ولها دنيا خاصة تعيش فيها، وليس لها كثير من الأصدقاء، وأغلب من يعرفونها لا تعرفهم وهي تكره أن يقيم في بيتها حفلا أو مأدبة بل إنها في بعدها عن الناس يفوتها كثير من المجاملات، حتى المجاملات التي يتطلبها العمل وهي بعد كل هذا قلب طيب ينشر الحب والسلام حوله حتى تبدو ساذجة تستطيع أن تضحك عليها بكلمة ويد سخية تعطى باستمرار وتأبى أن تأخذ نظير ما تعطى.

  • أزمة نفسية

يتطرق إحسان عن علاقته بجده وعن التناقضات التي عاش فيها حين كان في بيته، إذ مكث عنده خلال سنوات عمره الأولى يقول: "أما الشخص الثالث الذي له شيء في صدري فهو جدي الشيخ أحمد رضوان الذي نشأت في بيته كان من رجال القضاء الشرعي خريجي الأزهر وكان متدينا له حجرة صغيرة داخل المنزل مليئة بالكتب الدينية أطلق عليها والدي اسم "المعبر خانه".
لكني رفضت في بيته أمورا أحذر كل شاب متدين منها وهي التقاليد التي تنسب إلي الإسلام زورا وبهتانًا خاصة في مسألة المرأة وتحريم كل الحقوق الطبيعية عليها حتى الحق في أن تطل من الشباك واعتبارها مجرد متعة للرجل وعلى العكس من كل ذلك كانت والدتي التي انفصلت عن والدي منذ وقت مبكر تتمتع بكافة حقوقها كامرأة وشاركت في الحياة السياسية والعامة مشاركة فعالة، وقد أدى هذا التناقض بين الحياة في بيت جدى وحياة والدتي إلى أزمة نفسية عنيفة تعرضت لها في شبابي المبكر الزمتني الفراش ثلاثة أشهر وأوصاني والدي في مرضي بقراءة القرآن الكريم بعناية، وفعلا قرأته أكثر من مرة خلال تلك الفترة، ومن وقتها وانا أميل إلى الآراء المجتهدة في الدين.
 

عشت في بيت جدي حتى سن الثامنة عشرة كانت "عمتي" هي التي ترعاني في واقع الأمر، وبدأت غرابة حياتي في عمر مبكرة. فعلاقة إحساسي بأمي لابد أن تستوقفني فقد كنت مرتبطا بها، رغم أني لم أعش معها، فقد كنت أزورها مرة كل أسبوع وأعود في آخر النهار إلى بيت جدي كنت أتردد عليها فقط ولم أنم يوما في حضنها إلا مرات قليلة تعد على أصابع اليدين!،ورغم هذا الارتباط كنت دائما في معارك مستمرة معها، كانت حیاتي مع عمتي هي التي تشعل في نفسي الثورة عليها، ففي الوقت الذي كان محرما على عمتي أن تجالس رجلا من غير أسرة كنت أری أمي جالسة بين عشرة رجال كالعقاد والتابعي وآخرين.

وأضاف:  كنت أتساءل أيهما على صواب أمي أم عمتي؟ وظل التساؤل يكبر معي حتى صار "حيرة" واعترف أن هذه الحيرة مزقتني في وقت من الأوقات، وقد انتصبت العقد في طريقي كالمتاريس! وحاولت الانتصار على العقدة فكانت ثورتي أنني قد ثرت على وضع أمي، وثرت أيضا على وضع عمت، فقد كنت أحب كلاهما لكن أسلوب حياة كل منهما ليس كل الصواب بل بدأت في العمر المبكر اكتشف أن الوضعين خطأ.


* ابن الست

دائما ما كان يطلق على إحسان لقب "ابن الست" يقول: كانوا ينادوني ويقدموني للجميع ابن "روزاليوسف" فأنا منسوب لأمي وكنت أتساءل بیني وبین نفسى: لماذا أنا فقط انتسب إلى أمي وأصدقائي ينتسبون لآبائهم؟ فلا أحد من الأولاد في العباسية ابن سنية هانم أو خديجة هانم وكانت هذه عقدة أعاني منها، وبدأت التفكير في المرأة وأنا لم أصل حتى لسن البلوغ، إذ بدأت أفكر واسأل نفسي: "لماذا انتسب آبائنا دون أمهاتنا، ولماذا انتسب أنا لأمي؟ ومن هو هذا الكائن الغريب المسمى المرأة وفيم يختلف عن الرجل هل هو مخلوق آخر من يكون؟ فما زلت حتى الآن، أحاول أن أجيب على هذه التساؤلات، إذ ربما دفعني هذا لاعتبار المرأة عندي، كائن مستقل يشغل بالي، ويستفز فكري... ربما!