ثمانِ وخمسون عامًا مرت على افتتاح الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مطار القاهرة الدولي، في 18 مايو عام 1963، بعد أن استغرق بناؤه آنذاك أكثر من ثمانِية أعوام، ليكون بوابة مصر الأولى، وبداية حقيقية لفتح نوافذ الطيران المدني مع دول العالم، في وقت كانت لاتزال تستخدم فيه السوائل التقليدية والبدائية في السفر.
تعود البدايات الحقيقية لإنشاء مطار القاهرة لعام 1942، إبان فترة الحرب العالمية الثانية عندما تعاونت القوات الجوية الأمريكية مع الجيش البريطاني لإنشاء مطارًا عسكريًا على بعد 5 كيلو مترات من مطار ألماظة، لخدمة قوات التحالف المشاركة في الحرب، وسمى آنذاك باسم "مطار باين فيلد" نسبة إلى اسم أول طيار أمريكي قتل في معارك الحرب العالمية الثانية.
حينها كان المطار يضم مدرجين للطائرات، وبرج للمراقبة الجوية وأربعة حظائر للطائرات، والعديد من المباني ما جعله كبيرًا جدًا إذا ما تمت مقارنته بالمقاييس التي كانت سائدة للمطارات في ذلك الوقت، حتى جاء عام 1945م وأنشئت مصلحة الطيران المدني المصرية بعد أن كانت إدارة تنتمى لوزارة الحربية.
أعقبها جاءت الحرب في أواخر عام 1946، وانتقلت إدارة المطار مع جميع المطارات المصرية الأخرى إلى الجانب المصري بعدما كانت تحت الإدارة البريطانية، وبدأت مصلحة الطيران المدني المصرية في تجهيز مطار مدني دولي ومن أجل استيعاب أكبر عدد من الركاب القادمين أو المغادرين للأراضي المصرية، فتم حينها توسعة صالتي السفر والوصول وتم تخصيص مطار ألماظة للرحلات الداخلية.
من مطار باين فيلد إلى الملك فاروق
وفي عام 1946، تم تغيير اسم المطار من مطار باين فيلد ليصبح مطار فاروق الأول، وبعد قيام ثورة يوليو تم تغييره من "مطار فاروق الأول" إلى "ميناء القاهرة الجوى"، وفى سنة 1955 تم إجراء بعض الدراسات لبناء مبنى جديد للركاب بدلًا من المبنى القديم، وذلك لمواكبة حركة السفر المتزايدة، وتم اختيار موقع المبنى الجديد بين المدرجين الرئيسيين.
وفي 18 مارس عام 1963، قام الرئيس جمال عبد الناصر بالافتتاح التجريبي لمبنى الركاب رقم 1 والذي استغرق تصميمه وتنفيذه ما يقرب من ثمانى سنوات إلى أن تم افتتاحه فعليا في 18 مايو 1963، وظل المبنى يعمل بكفاءة عالية حتى وصل عدد الركاب في عام 1970 إلى 1.268 مليون راكب، ونظرًا لهذه الزيادة في أعداد الوافدين إلى مصر فقد تم إنشاء صالة الركاب "رقم 2 وصول"، وفى عام 1977 وبعدها بعامين تم إنشاء الصالة "رقم 2 سفر".
وفى فترة الثمانينيات، شهد مطار القاهرة طفرة كبيرة في الطاقة الاستيعابية، وذلك بعد إنشاء صالة الركاب رقم 3 سفر ووصول في عام 1980، حيث وصل عدد الركاب في هذا العام 5.224 ملايين راكب.
التوسعات وافتتاح مباني الركاب
وفى عام 1986 تم افتتاح مبنى الركاب رقم 2 بطاقة استيعابية قدرها 3 ملايين راكب، وتم تخصيص هذا المطار في المقام الأول لشركات الطيران الأوروبي والخليجي والشرق الأقصى، وقد بلغ عدد الركاب في عام 2000 ولأول مرة منذ إنشاء المطار 8.943 مليون راكب بزيادة قدرها 22.3% عن عام 1980.
وفى عام 2004، تم توقيع عقد تنفيذ مبنى الركاب رقم 3 المشروع الأضخم في مجال توسعة مطار القاهرة، حيث أصبحت الحاجة ملحة لزيادة الطاقة الاستيعابية للمطار بعد زيادة أعداد الركاب بشكل هائل سنويًا، ففى عام 2005 بلغ عدد الركاب 10.218 ملايين راكب بزيادة قدرها 14.2% عن عام 2000، كما تم افتتاح صالة الوصول الدولية رقم 3 والتي تتبع مبنى الركاب رقم 1 وفى نفس العام تم افتتاح خدمة أهلا المميزة، حيث يتمتع الراكب بأجواء الضيافة العربية الأصيلة في صالات أهلا مع إنهاء إجراءات السفر دون أي مشقة.
وفى عام 2008 أقيمت احتفالية عالمية حضرها كبار رجال الدولة والشخصيات العامة ونجوم الفن والرياضة والمجتمع للإعلان عن بدء التشغيل التجريبي لمبنى الركاب رقم 3، وفى عام 2009 تم التشغيل الفعلي لمبنى الركاب رقم 3 لتعمل منه شركة مصر للطيران وشركات الطيران الأخرى الأعضاء في تحالف ستار العالمي، وفى نفس العام تم افتتاح طريق المطار الجديد.
ومع انتعاش الحركة داخل المطار وكثافة التشغيل في بعض الأوقات من العام، مثل موسمي الحج والعمرة، جاء التفكير في إنشاء مبنى الرحلات الموسمية في عام 2011 ليتم تخصيصه لخدمة ضيوف الرحمن في السفر والوصول على رحلات مصر للطيران المتجهة من وإلى جدة، والمدينة المنورة لتخفيف الضغط على صالة السفر رقم 1 التي كانت تقلع منها رحلات حج وعمرة مصر للطيران بجانب الشركات الأخرى.
وما بين افتتاح المطار في أوائل الستينات بطاقة استيعابية حوالي 5 ملايين مسافر سنويا، وما بين قدرته الكلية الآن التي تزيد عن 30 مليون راكب سنويا، الكثير من التطويرات التي جرت على مدار السنوات الخمسين الماضية، والتي جعلته من أكبر المطارات في قارة أفريقيا من حيث المساحة والطاقة الاستيعابية وحجم حركة السفر.
كما يعتبر مطار القاهرة مطارا محوريا HUB للحركة الجوية بين الشرق والغرب ويخدم العديد من شركات الطيران العالمية خاصة في حركة ركاب الترانزيت، ويعتبر مطار القاهرة هو بوابة قارة أفريقيا في حركة النقل الجوي. فيما لا تزال عمليات التطوير والتوسعة بمطار القاهرة الدولي مستمرة من خلال تنفيذ العديد من المشروعات لأجل أن يحافظ المطار على مكانته الرائدة بين مطارات العالم خاصة داخل القارة الأفريقية.
وحصل مطار القاهرة على العديد من الجوائز والشهادات أبرزها أفضل مطار في أفريقيا عام 2006 والمطار الأول على قارة أفريقيا في الشحن الجوي عام 2019، وآخرها شهادة الاعتماد الصحي للسفر الآمن من المجلس العالمي للمطارات ACI في ظل جائحة كورونا التي يعاني منها دول العالم منذ أكثر من عام وقطاع الطيران المدني والمطارات بصفة خاصة.
ولمطار القاهرة الدولي، أيضاً دور حيوي في الترويج للحضارة المصرية العريقة خاصة مع تدشين متحف مطار القاهرة الذي تم تخصيصه لعرض مجموعة من القطع الأثرية الفرعونية أمام المسافرين من مختلف الدول، خاصة ركاب الترانزيت، بهدف التعريف والترويج لعراقة الحضارة المصرية القديمة، بما يسهم في تنشيط السياحة، وجذب المزيد من الزائرين إلى مصر.
وقد كان ولا زال مطار القاهرة شاهدا على الأحداث والفعاليات الوطنية المختلفة، فهو بوابة مصر الأولى لاستقبال وتوديع ضيوفها القادمين إليها بمختلف المناسبات والمحافل الدولية المقامة على أرض مصر من مؤتمرات وبطولات رياضية وغيرها من المناسبات الوطنية.