الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.هبة شفيق تكتب: الإستراتيجيات الإعلامية وأزمة كورونا

صدى البلد



تعد وسائل الإعلام أداة رئيسة وفاعلة في إدارة الأزمات التي تواجه الدول، ومنبر الحكومات في توجيه الرأي العام وتشكيل الاتجاهات والسلوكيات التي تسعي لإقناع المواطنين بها، بالإضافة إلى الوظيفة الأولى المتمثلة في التثقيف والإخبار. ولعل جائحة كورونا أبرز مثال على استخدام الحكومات لمختلف وسائل الإعلام التقليدية والرقمية في تحقيق أهدافها وإدارة الأزمة بعقلانية من أجل التعامل مع الواقع الجديد، وتخطي تحديات الأزمة. إن أغلب الحكومات سعت إلى تعريف المواطن بالأزمة والتحديات المطروحة وكيفية التعايش مع الوضع الراهن، واعتمدت في ذلك على عدد من الاستراتيجيات الإعلامية التي تكاملت مع استراتيجيات أخرى امتدت للجوانب الصحية، والأمنية، والاقتصادية، والتعليمية، وحتي الدينية.
ونشير هنا إلى ان الاستراتيجيات الإعلامية للحكومات تعتمد على نمط اتصالي قوي حيث المرسل يتميز بالقدرة على التفكير الاستراتيجي واتخاذ القرارات وبالتالي فإن وضوح أهداف الحكومات وتصميم خطط لمواجهة الأزمة وتحديد الاستراتيجيات المناسبة يساعد بالتأكيد في اختيار مضمون الرسائل والوسائل الأكثر فاعلية. حيث تتحقق سيطرة أكبر على وسائل الإعلام وخاصة التليفزيون الرسمي والصحف القومية، وكذلك مواقع الجهات الرسمية وحساباتها على وسائل الاعلام الرقمي بهدف التواصل الفعال مع المواطنين خلال الأزمة. فكانت الدول تبث خطابات وكلمات لرؤساء الوزارات ولوزراء الصحة وللمتحدثين الرسميين من أجل توجيه رسائل محددة توعي المواطنين وتوضح لهم الإجراءات التي تُتخذ، والتدابير المنوطة باحتواء الأزمة، وكذلك الخطط التي ستسير عليها الحكومة خلال شهور الأزمة وبعدها.
وفي النقاط التالية نحاول أن نوضح بعض الاستراتيجيات الإعلامية التي انتهجتها الحكومات في تعاملها مع أزمة كورونا:
1- توظيف وسائل الإعلام لخدمة أهداف الحكومات
استخدمت الحكومات مختلف وسائل الإعلام الحكومية والخاصة في بث الخطابات الرسمية والمؤتمرات التي تُعنى بالأزمة.  كما كانت وسائل الإعلام تبث التقارير الرسمية التي تصدرها وزارات الصحة بمختلف الدول حول احصاءات الإصابة بكورونا والمتعافين والمتوفين. فعلى سبيل المثال تبث الصفحة الرسمية لوزارة الصحة والسكان المصرية أعداد المصابين بكوفيد-19 يوميا، وتنشر صورا للمستشفيات التي تم تجهيزها للعزل والمستشفيات الميدانية، وكذلك بيان بالمستشفيات المخصصة للعزل بكل محافظة.
2- إتاحة الوصول للمعلومات حول الأزمة
يطلق على العصر الحالي مصطلح عصر الـبيانات الضخمة  Big Data، وقد أتاحت عدد من دول العالم للمواطنين إمكانية الوصول إلى المعلومات حول الأزمة، من تقارير رسمية وإحصاءات وتحليلات للوضع الراهن في شتى المجالات التي أثرت عليها الأزمة، إلا أن مسألة حرية تداول المعلومات مازالت تشكل عقبة أمام الدول النامية.
3- حملات التوعية خلال وبعد الأزمة
قدمت وزارات الصحة بالتعاون مع القنوات الخاصة والحكومية عدد من الحملات التي من شأنها التوعية بالمرض وأعراضه ومضاعفاته، والإجراءات الخاصة بالوقاية، والنظافة الشخصية، والتعامل معىمرضي كورونا، وإجراءات العزل المنزلي، وأسلوب التعامل والتعايش معه، وما يجب اتباعه عند التواجد في الأماكن العامة لتجنب الإصابة.
إلا أنه يمكن الإشارة إلى عدد من الإشكاليات التي طرحتها جائحة كورونا، والتي نرى أنه من الواجب اتخاذها خلال إدارة الأزمات بشكل عام، وتلك الجائحة الصحية بشكل خاص ومراعاتها ضمن صياغة وإعداد الاستراتيجيات الاعلامية: 
إلزام وسائل الإعلام بمراعاة الدقة والموضوعية والمصداقية والشفافية في نقل المعلومات وتوضيح الصورة وبيان الحقائق حول الأزمة، فلا يخفى أن عدد من وسائل الإعلام في دول العالم كانت تؤدي دورًا  في التهويل من الأزمة وإفتعال المشكلات والتعقيدات، وتضليل العقل الجمعي.
وضع قواعد مهنية ملزمة للعاملين في المجال الصحفي والإعلامي المعنيين بتغطية ومتابعة الأزمات الصحية، وتوفير التدريب الصحفيين المتخصصين في المجال الطبي، حيث ان الاتجاه للتخصص في العمل الإعلامي يضمن تغطية معمقة وموضوعية للأزمة.
يقع على عاتق الحكومات أمرين في غاية الأهمية: الأول يتعلق بالتقرير والاحصاءات الحكومية فيجب أن تكون تلك الدراسات مبنية على بيانات حقيقية واقعية معلنة لتفعيل مبدأ الشفافية من أجل تواصل أفضل مع المواطنين وكسب ثقتهم. أما الأمر الثاني فيتعلق بمحاربة الشائعات في أوقات الأزمات حيث يجب أن تكون الحكومة وممثليها المنوط بهم الرد الفوري على الشائعات من خلال الوسائل والمنصات الإعلامية المختلفة، وليس أي شخصيات أخرى غير رسمية.
الاهتمام بالإعلام التوعوي، وتطوير محتوي وأسلوب تقديم حملات التوعية الصحية، بحيث تراعي الفروق بين الفئات والطبقات المختلفة، حيث توضع خطط حملات التوعية وفقا لمحددات هي الهدف من الحملة، والمستهدف منها وخصائه، مع التركيز على تغيير سلوكيات الأفراد. بالإضافة إلى الاعتماد على تطوير تطبيقات تكنولوجيا الاتصال التي يتم تصميمها وتوظيفها للأزمة مثل التطبيقات التي تعطى إجابات ومعلومات فورية حول أية تساؤلات تخص الأزمة، أو تلك التي توضح عدد المصابين بالمنطقة السكنية ونسبتهم في المحيط الذي يتواجد فيه الفرد.
الاهتمام بمؤسسات الخدمة الصحية العامة وتخصيص ميزانية لتطويرها والارتقاء بها، والتوسع في طرح خدمات الطب عن بعد، على أن تكون وسائل الإعلام شريكا مهنيا يعاون الحكومات في التوعية الصحية داخل المجتمعات.
أن تطرح الحكومات رؤيتها بعد كورونا مع إتاحة الفرصة لمناقشات عامة اونلاين يشارك فيها المواطنين، ليكون هناك قنوات اتصال تفاعلية تعيد صياغة التصورات والخطط من أجل تقعيل مبدأ الحوار.
إن التأطير الإعلامي هو القالب الذي يتم من خلاله تجسيد المغزى والمعنى المقصود من المعالجة الإعلامية للأزمة، وبالتالي في جائحة مثل كورونا لا بد من تدخل الحكومات في عمليات التأطير، فقد طرحت الجائحة اصطلح على تسمية بعولمة الخوف، وبالتالي يوظف التأطير الإعلامي في قيادة الرأي العام مع التأثير في الجانبين السلوكي والنفسي للأفراد.