الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

إبراهيم عطيان يكتب: لا يحُكَّ جلدك إلاَّ ظفرك

صدى البلد

النجاح هدفٌ منشود، وغايةٌ نتمناها جميعًا، ولكن قَلَّ مَنْ يشعر به ويتذوق حلاوته، وأظنُّه كذلك لن يتحقق إلا حين نخطوا أولى خطواتنا نحوه دون الاعتماد على أحد أو انتظار المعاونة. 
فقال في ذلك أبو تمام:
بَصُرْتُ بالرََاحَةِ الكُبْرَى فَلَمْ أرَهَا تُنَالُ إلا على جِسْرٍ مِنَ التَّعَبِ.
كما يقول فيه أيضًا أشعر النَّاس وأكثرهم دراية بالأدب وعلومه، وأعرفهم بالفقه والقراءات الإمام الهاشمي أبي عبدالله الشافعي:
ما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفرك، فَتَوَلَّ أنْتَ جَميعَ أمركْ
وإذا قصدت لحاجةٍ، فاقصد لمعترف بقدرك.
فرحم الله الإمام الشافعي وأثابه على حكمته وعلمه، وجزاه عنَّا خير ماجزى العاملين المخلصين، 
وقال عنه الإمام أحمد بن حنبل - رحمهما الله: 
ما أحد في يده محبرة وقلمًا إلا وللشافعي في رقبته مِنَّة. 
وأثنى على الشافعي الكثيرُ من العلماء والفقهاء، فقال عنه المبرد:
كان الشافعي أشعر الناس وآدبهم وأعرفهم بالفقه والقراءات،
وكان مما روي في مدحه والثناء عليه قول أبو عبيد القاسم بن سلام: ما رأيت رجلًا أعقل من الشافعي، 
وفي رواية: ما رأيت رجلًا قط أعقل ولا أورع ولا أفصح من الشافعي. 
كما قال الزعفراني فيه : 
كان أصحاب الحديث رقودًا حتى جاء الشافعي فأيقظهم فتيقظوا.

لقد تجلَّت بوضوح حكمة الشافعي رحمه الله بشهادة العلماء والفقهاء في كل ما قال، ولكن لهذين البيتين خصوصية جعلت منهما مثالًا للحكمة ورجاحة العقل، حتى صار لهما صدى كبير يجوب كل أرجاء المعمورة، فتفنَّن المقتبسون في إخراجهما بصورٍ أخرى؛ للتحذير من الاعتماد على الآخر كائنًا مَنْ كان.
فقالوا على سبيل المثال لا الحصر: لا تعتمد على أحد في هذه الحياة؛ فحتَّى ظِلَّك يتخلَّى عنك في الأماكن المظلمة. 

لقد رسخت مقولة الإمام الشافعي مبدأ الاعتماد على النفس بشكل واضحٍ، وجمعت الكثير والكثير من المعاني الدقيقة في عبارة موجزة، لا يمكن لأحدٍ أن ينكر صحتها و براعته في صياغتها،
فلا يغيب عن أيٍ منَّا أن الاعتماد على الناس في قضاء المصالح
ما هو إلاَّ خطوة للوراء، أو ملجأً للخمول والنعاس؛ فالاتكال على أشخاص إهدار للوقت، أما الاعتماد على النَّفس فهو أهم وسائل الفلاح والنجاح في هذه الحياة،
وهي مهارة وقدرة لا يجيدها إلاَّ القليل، أما السواد الأعظم من الناس لا يمارسها إلاَّ في الفلسفة ونصح الآخرين، سيما إذا ارتبطت بتحدي المصاعب التي تعترضنا في سبيل الوصول إلى أهدافنا، ولعل التربية الأسرية تلعب دورًا هامًا في غرس هذه الخصلة لدى الطفل في سِنٍ مبكرة وتنمية مهارة الاعتماد على النفس، فينشأ بشخصية مميزة تمكنه من تحمل مسئوليتة في تأدية ما عليه من واجبات خير أداء، دون اللجوء إلى أحد، ومثابرًا لتحقيق مُبتغاه. 
أما المربي والمعلم فأكثر ما يحتاجه للقيام بهذه المهمة هو الصبر حتى يعلِّم الطفل كيف يعتمد على نفسه وتحمل مسئوليته.

وليكن المعلم على قناعة بأن البدايات في الغالب تكون مُثقلة بالأخطاء، فلا يمل تكرار المحاولة ودفع صغيره إلى التجربة، وإقناعه بأنه يستطيع، ثم يتولى مهمة المراقبة عن بُعد دون تدخل إلا في تقسيم المهمة إلى خطوات صغيرة تتناسب مع عمره إذا احتاج لذلك، ولا ينسى الثناء المستمر على ما يبذله من جُهد ليتعلم المزيد من مهارات الحياة التي سيحتاجها بلا شك في المستقبل القريب.
وقد جاء عن الكسائي أنه بدأ في طلب علم النحو فصعب عليه، واستثقله حتى وجد نملة تحمل طعامًا تريد أن تصعد به حائطًا، لكنها لثقل الحمل عليها كانت تسقط كلما صعدت قليلًا، فلم تستسلم، وظلَّت هكذا تكرر المحاولة حتى صعدت، وكان ذلك بالنسبة للكسائي درسًا علمه الصبر والاعتماد على النفس، فكابد وواجه مشكلته حتى صار إمامًا في النحو. 

نتعلم من هذا الدرس ألاَّ نُعظِّم أمرًا فنستصعبه، ولا نستصغر أحدًا مهما قلَّ شأنه في نظرنا، ولا نُحقِّرنَّ صغيرة فإن الجبال من الحصى، وتلك هي نملة وما أصغرها، لكنها دفعت بالكسائي إلى تكرار المحاولة والنجاح فيما كان يظنه عسيرًا، حتى اعتلى قمته وصار به من أعلم الناس !..
ونحن إذ نؤكد وبلا شك أن ما سبق ذكره هنا بالطبع لا يعني أن نقطع الاتصال والتعاون مع الناس، وحاشا أن نكون من دعاة العزلة وعدم الاستعانة ببعضنا البعض، ولكن يجب ألاَّ تُشعر نفسك أن الاستعانة بالناس في قضاء الحوائج كاستعانتك بالخالق عز وجل، وإنما عليك أن تعتبرها كمعونة بعض أعضائك لبعض كما يُقال. 
وقد ورد عن النبي ﷺ وهو لا ينطق عن الهوى أنه قال: 
الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
وليكن شعارك في هذه الحياة قول الحق تبارك وتعالى:
(فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) 
آل عمران 159
كان هذا اجتهاد منا لا أكثر فإن وجدتم فيه توفيق فشاركوني  نشره؛ لتعم الفائدة، وإن كان به من خطأ أو تقصير فأعينوني على تجاوزه.