الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

وحيد حامد عبقري الدراما والسياسة


عزاؤنا للمخرج الشاب مروان وحيد حامد، والإعلامية القديرة زينب سويدان، وجمهور الدراما الراقية، فى وفاة الكاتب الكبير الأستاذ وحيد حامد الذي وافته المنية اليوم عن عمر ناهز 76 عاما. 

قبل أكثر من أربعة عقود حضر الفتى الطائر فى عالم الكتابة من قرية بسيطة بمحافظة الشرقية إلى القاهرة، ليشتغل مؤقتا وبلا أجر فى الصحافة، حتى تنصلح أحوال صناعة الأفلام وسوق السينما، وظل حتى مماته بسيطا معبرا عن فكرته وإرادته بلا سلاح ولا ثروة سوى القلم.

أحسب أن من لم يتعلم السياسة من المصريين داخل الأحزاب والتنظيمات والمؤسسات، تعلمها من أعمال كاتبها الراحل وحيد حامد، هكذا أنا فى صباى وغيري، كنا نعاير أرباب الحزب الوطني والجماعة بانتماءاتهم وسلوكهم المجتمعي والسياسي، باستدعاء مشاهد من أفلامه ومسلسلاته، حتى سكون اليسار واستسلام الناصريين لم يسلما من ألسنتنا ونحن نعلق على شخصيات جسدتها أعماله وجرى استدعاؤها بقلمه من الواقع.

أروع ما فى وحيد حامد أنه انتقل بالقلم من عالم الكتابة فى السياسة إلى أروقة الحديث عنها، فلم نعرفه كاتبا سياسيا أو سياسيا يمارس الكتابة، وهو سر مصداقيته وتفوق أعماله، وفى هذا استخدم حاسة الباحث فى الاطلاع والتدقيق والصياغة، وكأنه أراد التأريخ بأعماله لكل عقد عاصر فيه قوى مغايرة، وقضايا متشعبة، وأنماط مختلفة من البشر بتنوع فئاتهم، فارتقى إلى مكانة عبقري الدراما والسياسة معا.
 
هو أكبر كتاب الأفلام والمسلسلات العربية بالفعل خلال 40 سنة مضت، ستجد نجوم السينما متباهين بتاريخهم وأدوارهم التى سطرها قلمه قبل غيره، قس على ذلك الراحلين والباقين حتى كتابة السطور.

اقتحم دوائر الفساد الإداري والسياسي والطبقية الطفيلية فى "البريء" و"الراقصة والسياسي" و"الغول"، واستنهض همة المصري المغلوب على أمره بخفة ظل ومعاناة ضاحكة فى "الإرهاب والكباب"، وسخر من القدرات الدفترية على إدارة منظومة فى "اللعب مع الكبار"، وطرح على البسطاء أسباب السعادة الدنيوية الحقة فى "اضحك الصورة تطلع حلوة"، ولفظ وأد الحياة فى "سوق المتعة".

ناهض فكر الإخوان بعبقرية الشارع وما يبثه فيه أرباب التنظيم مبكرا من سوءات عبر "العائلة"، وواجه ما ترفضه مجتمعات التخلف برؤية "أوان الورد"، وفند بحس المؤرخ سيرة "الجماعة".

ظلت السينما معشوقة "حامد" الأولى لا يزاحمها سوى اقترانه بالشارع وارتباطه بالناس ومعاناتهم، ورغم استيائه من زحام ضربت شدته المدينة، إلا أنه لم يفقد الحلم مؤكدا أن طول عمر الإنسان يكمن سره فى بقاء وتطور أحلامه.

وسط فساد جماعات وأحزاب وتلون أصحاب العمم خرجت نصيحته للناس بأن يتعلموا دينهم من مصادره الحقيقية وألا يقعوا تحت تأثير المدعين بأنهم رجاله وحراسه، هكذا ظل ضميره يقظا منبها غيره لخطورة المتلاعبين بالعقول، كما حذر المصريين من إهدار أعمارهم بعيدا عن إنتاج مفيد لهم ووطنهم.

رحم الله الكاتب الكبير الأستاذ وحيد حامد وأسكنه فسيح جناته وغفر له، ورضى عمن كانوا أسبابا حقيقية فى تنوير عقولنا ودعوة مجتمعاتنا لاستقامة أفكارها.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط