الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

«ياأحكام مين ينفذك» ..17 ألف شكوى لزوجات بسبب النفقة .. «عفاف» مهددة بالطرد: أولادى لن يذهبوا لمدارسهم

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

حرمان 3 ألاف طفل من نفقاتهم بسبب قصور في التحريات و3آلاف بلاغ لأباء بسبب "الرؤية"
"سمية" 3 سنوات على عتبات محكمة الأسرة في انتظار "نظرة"
"فرح": حماتي كانت بتحاسبنى بالساعة لما أجى أشوف ابنتي
"عفاف" مهددة بالطرد وأولادي لن يذهبوا لمدارسهم هذا العام بسبب التباطؤ في تنفيذ الأحكام


تزايدت قضايا الأسرة بشكل ملحوظ خلال الآونة الأخيرة، وتزايدت معها الشكاوى من عدم وجود آليات سريعة لتنفيذ تلك الأحكام خاصة أحكام النفقات والرؤية، وأن معظم الأحكام ليست أكثر من حبر على ورق، وأن المال أصبح هو المتحكم في تنفيذ الأحكام فمن لديه القدرة على الدفع هو الذى يتمكن من الحصول على حقه وانقاذ أحكامه من التجميد، والأرقام والإحصائيات تبين حجم هذه المشكلة فبحسب رصد محاكم الأسرة تقدمت 17 ألف سيدة بشكاوى بسبب عدم تمكينهن من تنفيذ التحريات الخاصة بأحكام النفقة خلال عام 2015،

ولجأت ما يقرب من 9آلاف أم إلى منظمات حقوق الإنسان والنائب العام ووزارة الداخلية بسبب عدم تمكينهن من تنفيذ أحكام الصادرة بحضانة أطفالهن، فيما حرم ٣الاف طفل خلال العام الحالي من حقوقهم في النفقة بسبب قصور في التحريات، واشتكت أكثر من ٥ ألاف زوجة للشكوى من عدم تمكينهما من مسكن الزوجية رغم الأحكام القضائية، كما تقدم أباء بما يقرب من 3 ألاف بلاغ للنائب العام بعد عدم تمكنهم من تنفيذ أحكام الرؤية .

رصد محاكم الأسرة بين أن أحوال أولاد المطلقين المعيشية بعد الطلاق ساءت بنسبة ٥٥٪ جراء التقاعس عن تنفيذ الأحكام، و40 % من الأولاد ضحايا الانفصال تسربوا من التعليم، انتقل "صدى البلد" إلى عدد من محاكم الأسرة لرصد تجارب حية لحالات عانت بسبب عدم تنفيذ الأحكام.

"إتاوة نظير الرؤية"

جلست في احدى جنبات محكمة الاسرة بمصر الجديدة، تتصفح بعيون قلقة ووجه يعلوه ابتسامة تحمل خلفها حزن دفين، ملامح العابسين والمهمومين، بحثا عن الرجل الذى سيرافقها لاستلام طفلتها "فرح" بالقوة الجبرية، بعد ان قضت لها المحكمة بضمهما إلى حضانتها، ورفض طليقها تنفيذ الحكم حسب روايتها، لم تمل "سمية " من انتظار المحضر لأكثر من اربع ساعات، فقد انتظرت 3سنوات، لكى تقر عينيها بملامح وجه صغيرتها الملائكية البريئة، وتخمد نار شوقها بدس جسدها النحيل في حضنها المتعطش لحنانها.

"سنوات وأنا صابرة انتظر اليوم الذى أمارس فيه أمومتي، دون أن أدفع لأهل طليقي ثمن ممارستي لهذا الحق"، بهذه الكلمات استهلت الزوجة العشرينية روايتها، وبصوت تلمح في نبراته الالم تتابع:" سامحه الله والدى، فهو سبب عذابي، فلم يقف إلى جانبي في معركتي مع طليقي واهله لضم صغيرتي لحضانتي، تركني أحارب بمفردي وانا ضعيفة لا حيلة لي، رأى قلبي ينزف امامه حرقة عليها، وخوفا من أن تتلوث حياتها بيد ابيها الملطخة بخليط من المخدرات ولم يحرك ساكنا، الم يكفيه أننى القيت بنفسي في حضن اول رجل قابلته لأتخلص من قسوته وجحيم الحياة تحت ظله، وأريح جسدي الهزيل الذى دأب على تعذبيه طوال الـ16 عاما فترة حياتي في بيته؟!".

تكمل الزوجة حكايتها:" سكن الخوف صدري ورحت ابحث عن مهرب من تعاستي، فسقطت في شباك سامح جارى، لعب على أوتار حاجتي إلى الحنان، أوهمني بانني ملكته المتوجة، وأنامله في الحياة هو رضائي وسعادتي، ادمنته وأصبحت أرى العالم من خلاله، وعندما عرض على الزواج قبلت رغم عمره الذى لم يتجاوز الـ16، ضغطت على أهلي ليوافقوا عليه، وتمت مراسم الزفاف في 5شهور فقط، تركت دراستي الثانوية، وعشت معه في شقة ايجار جديد، متهالكة الجدران ورضيت باقل أثاث، أعرف أننى مخطئة ولكن مشاكلي اعمت بصرى، وبعد شهور قليلة اكتشفت ان زوجي مدمن مخدرات"، وبنبرة متهالكة تقول:" لم استطع أن أبوح لأحد بمصيبتي لأنه اختياري فتحملت، لكن الأوضاع زادت سوءا وترك زوجي عمله، وبات يقضى معظم اوقاته مع اصدقائه من العاطلين والمسجلين خطر، طردنا من البيت لأننا لم نعد قادرين على دفع الإيجار، واضطررنا للانتقال إلى منزل اهله المكون من غرفتين تأوى بين أركانها 5 افراد، شعرت حينها أننى رخيصة، وأننى القيت بنفسي في التهلكة".

"ساءت حالتي النفسية واصيب بجلطة أرقدتني في المشفى لشهور، وفقدت على أثرها حملي الثاني، ولم يقف احد إلى جواري في محنتي سوى والدتي التي تولت الانفاق على طوال فترة مرضى، وكانت تبات الليالي على ارضية غرفتي الخشنة، حتى زوجي وأهله تركوني اصارع الموت بمفردي دون سؤال او مال"، قالتها الفتاة البائسة وجسدها ينتفض من هول ما تتذكر، وبصوت مرتعش تستطرد في حديثها:" تدهورت حالتي الصحية وتكررت إصابتي بالجلطات حتى وصلت لثمانية، فرحت اتسول من المساجد لأنفق على علاجي، بعد أن رفض زوجي التكفل به، والأصعب على نفسى أنه بات يضربني ويهينني وأنا مريضة دون رحمة او شفقة، حينها شعرت أننى لا يمكن ان اهرب من فكرة الطلاق أكثر من ذلك، فتركت البيت حاملة ابنتي فرح على صدري ،وعدت إلى منزل أهلي بعد 3 سنوات ونصف من المعاناة".

تعود الفتاة العشرينية بظهرها إلى الخلف، وبنبرة وهنة تختتم حكايتها:" حاول زوجي الانتقام منى بعد طلبي الطلاق، فخطف ابنتي منى بعد ان صعقني بصاعق كهربائي في الشارع، حتى فقدت الوعى، الغريب أن كل ذلك حدث على مرأى ومسمع من الجميع ولم يتدخل أحد لإنقاذي، وعندما استنجدت بأبي خذلني ورفض أن يعطيني بطاقتي الشخصية لأحرر محضرا بالواقعة في القسم، فطرقت ابواب المحكمة ورفعت دعوى ضم صغير وصدر الحكم لصالحي، ولكنني لم استطع التنفيذ بسبب ظروف الثورة، فاستعطفت والدة زوجي واخواته لألمس وجه ابنتي فقط، فطلبوا منى مقابل مادى نظير ذلك، فاضطررت أن ادفع 50 جنيه في الساعة الواحدة التي اقضيها مع صغيرتي، لكنني تعبت من الابتزاز فقررت أن انفذ حكم الضم بالقوة الجبرية، وأحمد الله أننى التحقت بالعمل في أحد المستشفيات الذي يمكنني من الإنفاق على ابنتي وانقاذها من حياة والدها المدمن".

"إنذار بالطرد"

على مقربة من غرفة المحضرين بمحكمة الاسرة بزنانيرى، وقت عفاف صاحبة الـ40 عاما، في انتظار المحضر المكلف بتنفيذ حكم حبس مطلقها لعدم سداده مبلغ 16 الف جنية قيمة متجمد نفقة أطفالها الثلاثة، وتحصيل النفقة الشهرية المقدرة بـ800 جنيه شاملة اجر مسكن وفرش وغطاء، الساعات تمر، والزحام يتلاشى من حولها، وهى كما هي جالسة في مكانها، ولكن لا سبيل امامها سوى الانتظار، فتهديد صاحب البيت بطردها هي وصغارها لعجزها عن سداد الايجار لشهور يجعلها تتحمل اياما وليس ساعات حسب تعبيرها.

تبدأ الزوجة روايتها:" تزوجت وأنا في الـ27 من عمرى، من رجل عمره ضعف عمرى تقريبا، مطلق ولديه طفل، كان يعمل سائقا خاصا للدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق، أوهم والدى انه سيريحني من عناء العمل وشقاء الحياة، فصدق كذبة انفصاله عن زوجته الأولى بسبب إصرارها على العمل، وليس لأنها رفضت طلبه بالكف عن الانفاق على والدتها المريضة المسنة، واحتجت على مساومته لها بالاستمرار في وظيفتها كممرضة مقابل تنازلها عن نصف مرتبها له، وصمتت والدتي آذانها عن تحذير المقربين لنا بإتمام هذه الزيجة بسبب تعدد علاقات العريس النسائية متحججة بعقد القران، وأنا لا حيلة لي سوى أن اخضع لأوامر أهلي لأنني بنت والبنت في عرفنا ليس لها رأى في حياتها".

تتابع الزوجة روايتها بصوت خافت كأنها تحدث نفسها وتلومها على ضعفها وعجزها عن تحديد مصيرها:" ياليتنى وقفت في وجههم وقتها، وصممت على موقفي الرافض لهذا الزوج الذى بدأت معاناتي معه منذ ليلة الزفاف، التي اعترف لي فيها بأنه لايزال يعشق زوجته، وإنني لم أكن سوى "كوبرى" على حد وصفه، فطلبت منه أن يبتعد عنى لكنه عاشرني بالقوة، وبعد أسبوع من الزواج فوجئت به يصطحب زوجته وابنه إلى بيتي ويخبرني برغبته في تطليقي، وحاول إرغامي على التنازل عن قائمة منقولاتى، وعندما رفضت ضربني واطفأ السجائر في جسدي فهربت إلى بيت أهلي، لكن سامحهم الله أعادوني اليه خوفا من فضيحة طلاقي بعد أيام من قليلة من الزواج".

تنهمر الدموع من عيون المرأة الاربعينية وهى تقول: "عدت إليه وأنا صاغرة، فأرغمني على العمل كخادمة رغم يسر حاله، وبات يضربني ويعذبني وأنا حامل، فطلبت من والدى ان يطلقني منه لكنه رفض بحجة الجنين الذى احمله في أحشائي، وتكرر تركى لمنزلي بسبب سوء معاملة زوجي ومعاشرته، وفى كل مرة كنت اترجى أبى ألا يعيدني اليه، لأنه سيطردني زوجي من البيت كالعادة، فهو يكره الأطفال واكثر من 4 مرات تسبب في إجهاضي، لكنه لم يسمع لي، فحاولت ان اتأقلم على العذاب وتحملت، لكن مالم اطيقه هو امتناعه عن الانفاق على انا وأولادي، حينها أقمت طلاق وبعت مصوغاتي لأخلص منه، ولم اهتم بموقف أهلي منى، ولأول مرة اشعر أننى مالكة لمصيري وقراري، وحصلت على احكام قضائية بتمكيني من شقة الزوجية باعتباري حاضنة، لكنه استمر في العيش معي بالشقة لأن حكم الطلاق لم يكن قد صدر، وحاول كثيرا أن يعاشرني بالقوة لكنني رفضت فلجأ إلى ضربي وتعذيبي".

تنهى الزوجة حديثها بكلمات ممزوجة بالخوف من المجهول والسخط على التباطؤ في تنفيذ الأحكام: "تركت له البيت واستأجرت آخر بـ 400 جنيه شهريا انا وأطفالي الثلاثة، وعملت بائعة في محل خضروات بعشرين جنيها في اليوم، ولأنها لم تكن تكفينا اضطررت لإلحاق ابنتي الصغيرة بمصنع خياطة ملك رجل سوري لتساعدني في مصروفات اخواتها، وحاليا انا مهددة بالطرد من البيت لأنني لم ادفع الايجار منذ شهور، وأطفالي لن يذهبوا للمدرسة هذا العام لأنني لا امتلك مصروفات مدارسهم، والمحضرون سامحهم الله يتلكأون في تنفيذ الأحكام وتحصيل النفقات، فانا معي صيغة تنفيذية لحكم بحبس طليقي لعدم سداده مبلغ 16 الف جنية قيمة متجمد النفقة منذ 3-9 -2014 وحتى الان لم ينفذ، وعندما سألت احد المحضرين تعدى على بالضرب والسب امام حرس المحكمة، ولم يتدخل احد منهم لإنقاذي، كل ذلك لأنني اطالب بحقي وحق أولادي".


-