شهد الاقتصاد المصري تحسناً ملحوظاً في أداء ميزان المدفوعات خلال العام المالي 2024/2023، مسجلاً فائضًا كبيرًا بلغ 9.7 مليار دولار، مقارنةً بـ882.4 مليون دولار في العام المالي السابق. هذا الأداء القوي جاء بدعم من زيادة كبيرة في الاستثمار الأجنبي المباشر، ما يعكس نجاح الجهود الحكومية في جذب الاستثمارات وتعزيز القطاع الاقتصادي في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
فائض تاريخي في ميزان المدفوعات
وفقًا لبيان البنك المركزي المصري، حقق ميزان المدفوعات فائضًا كليًا قدره 9.7 مليار دولار خلال العام المالي 2024/2023، وهو ما يمثل تحسنًا كبيرًا مقارنة بـ882.4 مليون دولار في العام المالي السابق. يُعد ميزان المدفوعات بمثابة سجل شامل للمعاملات التجارية والمالية الدولية التي تقوم بها الدولة خلال فترة زمنية محددة.
وساهم النمو الكبير في صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في تحقيق هذا الفائض، حيث سجل نحو 46.1 مليار دولار في 2024/2023، مقارنة بـ10 مليارات دولار في العام المالي السابق. كان الدافع الرئيسي لهذا النمو هو صفقة مشروع رأس الحكمة، حيث أعلنت شركة "القابضة" (ADQ)من أبوظبي في فبراير الماضي عن استثمار 35 مليار دولار في مصر لتطوير المشروع الواقع على ساحل البحر المتوسط.
وسجلت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات غير البترولية ارتفاعاً كبيراً، لتصل إلى 46.4 مليار دولار، مقارنة بـ11 مليار دولار في العام المالي السابق. كما شهد القطاع البترولي زيادة طفيفة في تدفقات الاستثمارات الأجنبية، حيث ارتفعت إلى 5.7 مليار دولار مقارنة بـ5.6 مليار دولار في الفترة المقابلة. هذه الاستثمارات تأتي ضمن خطط توسعية جديدة لشركات النفط الأجنبية العاملة في مصر.
وعلى الرغم من هذا النمو في الاستثمار الأجنبي، شهدت الصادرات المصرية تراجعاً بنسبة 17.8% خلال العام المالي 2024/2023، حيث بلغت 32.6 مليار دولار. ويعود هذا التراجع إلى انخفاض صادرات البترول بنسبة كبيرة، حيث سجلت 5.7 مليار دولار مقارنة بـ13.8 مليار دولار في العام المالي 2023/2022. كما هبطت صادرات الغاز الطبيعي إلى 605.3 مليون دولار، مقابل 6.6 مليار دولار في العام المالي السابق، نتيجة تراجع الكميات والأسعار العالمية.
وفي المقابل، شهدت الصادرات غير البترولية نموًا ملحوظًا، حيث بلغت 26.8 مليار دولار مقارنة بـ25.8 مليار دولار في العام المالي السابق. هذا النمو يعكس الأداء الجيد للقطاعات الصناعية والزراعية في مصر، ويعد مؤشرًا إيجابيًا لاستمرارية التحسن في هذا المجال.
وتأثرت إيرادات قناة السويس، أحد أهم مصادر العملة الصعبة في مصر، بشكل كبير خلال العام المالي الماضي. حيث انخفضت الإيرادات إلى 6.6 مليار دولار، مقارنة بـ8.76 مليار دولار في العام المالي السابق. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أشار في خطابه الأخير إلى أن التطورات الإقليمية الخطيرة كانت السبب الرئيسي في خسارة قناة السويس نحو 50 إلى 60% من إيراداتها خلال الأشهر الثمانية الماضية.
وشهدت تحويلات المصريين بالخارج تراجعًا طفيفًا، حيث بلغت 21.9 مليار دولار مقارنة بـ22 مليار دولار في العام المالي السابق. ورغم هذا التراجع، إلا أن تحويلات المصريين تصاعدت بشكل كبير في الربع الأخير من العام المالي، حيث بلغت 7.5 مليار دولار، مقارنة بـ4.6 مليار دولار في نفس الفترة من العام السابق.
ويعكس الأداء الاقتصادي لمصر خلال العام المالي 2024/2023 تطورًا إيجابيًا في بعض القطاعات، خاصة مع تسجيل مستويات تاريخية للاستثمار الأجنبي المباشر، ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات ملحة تتمثل في تراجع الصادرات وإيرادات قناة السويس، وهي عوامل تستدعي المزيد من الجهود لتحسين الأداء الاقتصادي وتعزيز الاستدامة المالية.
من جانبه، قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، إن صفقة رأس الحكمة تمثل فرصة كبيرة لإعادة تنشيط الاقتصاد المصري، حيث منحت الاقتصاد دفعة قوية جديدة نحو التعافي والنمو.
وأضاف الشافعي، في تصريحات خاصة لـ"صدى البلد"، أن هذه الصفقة تحمل العديد من الإيجابيات، من أبرزها التوقعات بأن المؤسسات المالية الدولية ستثني على الأداء الاقتصادي المصري في الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن قدرة الاقتصاد المصري على الصمود وتحقيق مؤشرات نمو إيجابية ستعزز من ثقة المستثمرين في وضع الاستثمار بمصر، مما يعكس قدرة الدولة على التعامل بفاعلية مع مثل هذه الملفات الكبيرة التي تعود بالنفع على الاقتصاد.
وأضاف الشافعي أن هذا الأداء الإيجابي يؤدي إلى مرونة أكبر من قبل صندوق النقد الدولي في التعامل مع مصر، مؤكدًا أن مؤسسات التمويل الدولية تسارع للاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر نظرًا للعوائد الكبيرة المتوقعة. وشدد على أن مصر تمتلك القدرة على جذب المزيد من الاستثمارات، بفضل القوى العاملة الماهرة والبنية التحتية القوية التي تدعم النمو الاقتصادي خلال هذه الفترة.