ينتظر 63 مليون مواطن يستفيدون من منظومة الدعم، الموقف النهائي للدولة من تحويل الدعم العيني إلى الدعم النقدي اعتبارا من العام المالي المقبل، وكثرت التكهنات بشأن آليات وخطط الحكومة لتحويل الدعم من العيني إلى النقدي، وكيفية حساب الفئات الأولى بالرعاية.
ووفق تصريحات لرئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، فإنه قد يبدأ التحول من دعم السلع الأولية الأساسية إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة للفئات الأولى بالرعاية مع العام المالي الجديد، بداية من يوليو 2025، شرط حدوث "توافق في الآراء بشأن قضية الدعم النقدي في جلسات الحوار الوطني".
وأعلنت إدارة الحوار الوطني برئاسة الكاتب الصحفي ضياء رشوان، المنسق العام، بدء الاستعدادات لمناقشة قضية الدعم، والتي كانت الحكومة قد أحالتها للحوار الوطني خلال الفترة الماضية.
يعقد الاجتماع غدا الإثنين 30 سبتمبر الجاري، بحضور المقرر العام والمقرر العام المساعد للمحور الاقتصادي بالحوار الوطني، لاستعراض وإقرار الإجراءات المطلوبة لضمان مناقشة القضية من كافة جوانبها وعلى نطاق واسع يضمن مشاركة جميع المعنيين من خبراء ومتخصصين وجهات سياسية ومؤسسات تنفيذية ومجتمعية.
التحول إلى الدعم النقدي
من جانبه يرى الدكتور كريم عادل، رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، أن التحول إلى الدعم النقدي بدلاً من السلعي، وإن كان يحمل العديد من الإيجابيات كما تم الإعلان عنه، إلا أن تطبيقه سيظل محفوفاً بالمخاطر والتحديات على المواطن والاقتصاد، وبالتالي لابد من اتخاذ مجموعة من الإجراءات التمهيدية والتدابير الوقائية والتحوطات الاستبقاية فضلاً عن اختيار توقيت التطبيق باعتباره العامل الرئيسي في نجاح عملية التحول وضمان استدامتها، وذلك قبل الاتجاه إليها بصورة كاملة.
ويضيف "عادل" خلال تصريحات لـ"صدى البلد": الحكومة المصرية أمام تحدٍ جديد بين كيفية تحقيق التوازن بين سياسات ترشيد الدعم وسياسات كبح التضخم، فمنذ التحرير الأخير لسعر الصرف وفي ظل ارتفاع أسعار المنتجات البترولية والتوقع بالمزيد من الارتفاع فيها، أصبح من الممكن أن يخرج معدل التضخم عن السيطرة ويحيد عن المستهدف منه، وهذا ما أشارت إليه لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في تقريرها الصادر عن اجتماعها الأخير من أن (هناك مخاطر تحيط بمسار التضخم المتوقع، واستقرار أسعار الطاقة في الأجل المتوسط غير مؤكد)، ما يجعل قرار التحول إلى الدعم النقدي يحتاج إلى التأني والدراسة والحوار المجتمعي، لبحث الإيجابيات والسلبيات وآليات التطبيق والتحسين، بما يحقق المستهدف من الدعم النقدي ووصوله للمستفيدين بصورة متغيرة وليست ثابتة وفقاً لنسب التضخم ومستويات الأسعار، وهو ما يحفظ استقرار أسعار السلع وانضباط السوق.
ويتابع "عادل"، قائلا: فالتحول السريع إلى الدعم النقدي قد يُعرض الاقتصاد إلى صدمة تضخمية كبيرة كونه يتعارض حالياً مع إجراءات السياسة النقدية التقييدية الحالية بالدولة المصرية والتي تعمل على سحب السيولة وتجفيف منابعها بهدف كبح جماح التضخم والسيطرة عليه، وبالتالي فإن منح السيولة إلى أفراد الأسر المصرية المستحقة للدعم وإن كان سيخفف العبء على ميزانية الدولة والمؤسسات المعنية بمنظومة السلع التموينية والرقابة عليها وسيخلق توحيد لأسعار كافة السلع في الأسواق، فلا وجود لسعرين آنذاك (سعر سلعة تموينية وسعر ذات السلعة في السوق الحر دون دعم )، إلا أن توافر سيولة مع الأفراد وفي دورة الاقتصاد سيخلق طلباً حراً جديداً على السلع الأساسية وسلع وخدمات أخرى بصورة يترتب عليها الزيادة التدريجية في أسعار السلع الأساسية بالأسواق وغيرها ومن ثم ارتفاع معدل التضخم، وهو ما يتطلب دراسة الأثر واتخاذ إجراءات من شأنها الرقابة على الأسواق وقياس مدى توجه الدعم النقدي لمستحقيه ومدى إنفاقه في الأوجه المصروف من أجلها بقياس ومقارنة معدلات الاستهلاك والطلب على السلع السابق دعمها، وأن يكون تطبيق الدعم النقدي بصورة تدريجية ولتكن البداية في المحافظات الصغيرة من حيث التعداد السكاني كمحافظة بورسعيد كما حدث في تطبيق منظومة التأمين الصحي بها، وذلك لدراسة العائد والأثر على السوق والاقتصاد، ومعدل التضخم بوجه خاص، وهو ما يضمن تجنب سلبيات التطبيق والتعميم المطلق.
ويشير رئيس مركز العدل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية: فالهدف الأسمى من الدعم سواء النقدي أو العيني هو المساهمة في تعزيز الحماية الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة الفقراء والتي تصل نسبتهم إلى 65% وفقاً لتقارير الدعم السلعي الحالية، متابعا: "فالدعم هو أحد أهم أدوار الحكومات لخفض تكاليف المعيشة على المواطن البسيط ولذلك يعد أداة اجتماعية بالدرجة الأولى أكثر من كونها أداة اقتصادية تحقق وفر في بنود الموازنة العامة للدولة".
ويقول: من الجيد وجود تجارب دولية سابقة في تطبيق الدعم النقدي المشروط (أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا)، بحيث تتم دراستها والاستفادة من إيجابياتها وتدارك سلبياتها (المكسيك نموذجاً) كخطوة أساسية في سبيل التخفيف من حدة الفقر ومجابهة صعوبات إجراءات الاصلاح الاقتصادي.
ويؤكد: لعل الحل الأمثل في التحول إلى الدعم النقدي وما يضمن وجود منظومة ناجحة له تخضع لمعايير الحوكمة، هو أن يتمثل الدعم النقدي في صورة كارت مشتريات ومنافذ بيع وتوزيع في صورتها الطبيعية وليست منافذ سلع تموينية، فيستطيع مستحق الدعم صرف السلع الأساسية بسعرها في السوق من تلك المنافذ، ووجود نظام معلومات مميكن يتم من خلاله إثبات المشتريات وقيمتها والمتبقي له، وهو ما يمثل تعزيز حقيقي للاقتصاد المصري ويضمن صرف مستحقي الدعم في صورته المستهدفة وتحقق الهدف منه، مع ضرورة وجود مراجعة دورية وتغيير في قيمة الدعم النقدي الممنوح وفق لمعدل التضخم وتغير أسعار السلع التموينية في الأسواق سواء ارتفاعاً أو انخفاضاً.
و"يختتم عادل" تصريحاته قائلا: تساهم دعوة رئيس الوزراء إلى حوار مجتمعي في وضع رؤية ومقترح متكامل لمنظومة الدعم النقدي، خاصةً بعد أن نجح الحوار الوطني في جلساته العامة والمتخصصة في خلق مساحات مشتركة وتوافق كبير بين الحكومة والخبراء والمختصين في الاقتصاد، على أن تتضمن التوصيات معايير قياس المستهدفات من تطبيق منظومة الدعم النقدي على المدى القصير والمتوسط والبعيد، حتى يكون التحول ذا أثر يعالج مشكلات وعجزا قائما دون الدخول في تحديات جديدة، وبما يدعم مستهدفات الدولة الاقتصادية والتنموية وينعكس إيجاباً على اقتصاد الدولة والمواطن.
ووفق دراسة نشرت عام 2017ـ تحت عنوان: (إصلاح منظومة الدعم وانعكاساته على سوق الصرف الأجنبي في مصر)، يعبر الدعم عن ميزة مالية تقدمها الدولة، تتحمل من خلالها عبئا ماليا لصالح فئات معينة في المجتمع، بما يمكن هذه الفئات من شراء عدد من السلع الضرورية بأسعار أقل من أسعارها في السوق، (أسعار اجتماعية)، وذلك كأداة لإعادة توزيع الدخل لصالح الفئات محدودة الدخل في المجتمع.
وتقدم الحكومة دعما لعدد من السلع الضرورية (الخبز- الزيت - السكر)، بدأ تطبيقه منذ الحرب العالمية الثانية بهدف خفض نفقات المعيشة لفئات معينة تضررت من هذه الحرب كشكل من أشكال العدالة الاجتماعية، وذلك بهدف تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي في المجتمع، وبسبب توسع الدولة في هذا الدعم بدأت منظومة الدعم في الاختلال سواء من حيث حجم المبالغ المدفوعة فيه أو بسبب وجود فئات لا تستحق هذا الدعم وتحصل عليه أو بسبب عدم وصول الدعم إلي مستحقيه.