تحظى قضية سد النهضة بأهمية كبيرة بالنسبة لمصر التي طرقت كل الأبواب على مدار السنوات الماضية لإيجاد حل دبلوماسي لهذه القضية التي تعد من أشهر القضايا التي شهدتها مصر خلال العقد الماضي.
وأصرت على أن يتم حل هذه القضية الشائكة التي تمس حياة الشعب المصري سلمياً وفقاً للاتفاقيات الدولية والقانون الدولي، ورفضت كل الإجراءات الأحادية الجانب من جانب إثيوبيا.
قضية سد النهضة
وجه الدكتور بدر عبد العاطي وزير الخارجية والهجرة وشئون المصريين بالخارج، اليوم الأول من سبتمبر 2024 خطاباً إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إثر التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي حول المرحلة الخامسة من ملء "سد النهضة".
وأكّد وزير الخارجية رفض مصر القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، والتي تُشكل خرقاً صريحاً لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين مصر والسودان وإثيوبيا في عام 2015 والبيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر في 15 سبتمبر 2021، منوهاً بأن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي "آبي أحمد" حول حجز كمية من مياه النيل الأزرق هذا العام واستكمال بناء الهيكل الخرساني للسد الإثيوبي، تُعد غير مقبولة جملة وتفصيلاً للدولة المصرية، وتمثل استمراراً للنهج الإثيوبي المثير للقلاقل مع جيرانها والمهدد لاستقرار الإقليم الذي تطمح أغلب دوله لتعزيز التعاون والتكامل فيما بينها، بدلاً من زرع بذور الفتن والاختلافات بين شعوب تربطها وشائج الأخوة والمصير المشترك.
كما أوضح الخطاب المصري لمجلس الأمن أن انتهاء مسارات المفاوضات بشأن "سد النهضة" بعد 13 عاماً من التفاوض بنوايا مصرية صادقة، جاء بعدما وضح للجميع أن أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور بغرض تكريس الأمر الواقع، دون وجود إرادة سياسية لديها للتوصل لحل، مع سعيها لإضفاء الشرعية على سياساتها الأحادية المناقضة للقانون الدولي، والتستر خلف ادعاءات لا أساس لها أن تلك السياسات تنطلق من حق الشعوب في التنمية، مُشدداً على أن مصر لطالما كانت في طليعة الدول الداعمة للتنمية بدول حوض النيل، وأن التنمية تتحقق للجميع في حالة الالتزام بالممارسات التعاونية المنعكسة في القانون الدولي وعدم الإضرار بالغير وتعزيز الترابط الإقليمي.
وشدد وزير الخارجية في خطابه لمجلس الأمن على أن السياسات الإثيوبية غير القانونية سيكون لها آثارها السلبية الخطيرة على دولتي المصب مصر والسودان، وبالرغم من أن ارتفاع مستوي فيضان النيل في السنوات الأخيرة وكذلك الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية قد أسهما في التعامل مع الآثار السلبية للتصرفات الأحادية لسد النهضة في السنوات الماضية، إلا أن مصر تظل متابعة عن كثب للتطورات ومستعدة لاتخاذ كافة التدابير والخطوات المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها ومصالحه.
من جانبه، كشف الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، عن رؤيته الشاملة لتداعيات أزمة سد النهضة على مستقبل القانون الدولي وأمن المنطقة، وذلك بعد توجيه وزارة الخارجية المصرية خطابًا لمجلس الأمن الدولي يُبرز فيه تعنت إثيوبيا وفشل المفاوضات بعد سنوات طويلة من المحاولات، مشيرا أن خطاب الخارجية المصرية الأخير لمجلس الأمن يمثل نقطة تحول استراتيجية في مسار الأزمة، مشيرًا إلى أن إبلاغ المجلس بانتهاء المفاوضات بعد 13 عامًا ليس إجراءً شكليًا، بل خطوة محسوبة تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته التاريخية.
وأضاف مهران في تصريحات لـ"صدى البلد"، أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة، بما في ذلك إمكانية اتخاذ مجلس الأمن قرارات ملزمة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وتعزز الموقف القانوني لمصر في حال اللجوء إلى آليات دولية أخرى مستقبلًا.
وحذر مهران من أن تصريحات إثيوبيا الأخيرة حول اكتمال بناء السد تمثل محاولة لفرض أمر واقع، مؤكدًا أن إثيوبيا تتجاهل أن التنمية الحقيقية تتحقق من خلال التعاون وليس عبر الإجراءات الأحادية، مشددًا على أن ما نشهده اليوم هو انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي للمياه.
نزاع سد النهضة
وأوضح الخبير الدولي أن نزاع سد النهضة يتجاوز كونه قضية إقليمية، حيث يعد نموذجًا لما يمكن أن يُطلق عليه "حروب المياه" الجديدة، مؤكدًا أن هذه النزاعات تستدعي تطويرًا جذريًا في الفكر القانوني الدولي، لافتًا إلى أن تهديد الأمن المائي لملايين المصريين والسودانيين يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية، وأن هذا الوضع يشير إلى إمكانية حدوث كارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة في المنطقة.
واقترح استراتيجية متعددة المسارات للتعامل مع الأزمة، تتضمن تفعيل دور مجلس الأمن من خلال المطالبة بعقد جلسة طارئة وإصدار قرارات ملزمة بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إثيوبيا. كما دعا إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية لكسب تأييد دولي أوسع، خاصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيرا إلى إمكانية طلب رأي استشاري من محكمة العدل الدولية بشأن شرعية التصرفات الأحادية لإثيوبيا، بالإضافة إلى تفعيل حق مصر في الدفاع الشرعي عن أمنها المائي وفقًا للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
وأكد مهران أن إعلام مجلس الأمن بانتهاء المفاوضات يعزز موقف مصر قانونيًا إذا اضطرت للجوء إلى حق الدفاع الشرعي مستقبلاً. كما أوضح أن إعلان إثيوبيا عن قرب اكتمال بناء السد وبدء التشغيل الكامل لا يعني نهاية الأزمة، مشيرًا إلى أنه طالما استمر التشغيل والملء بشكل أحادي دون اتفاق قانوني ملزم، سيظل السد يشكل تهديدًا مستمرًا لدولتي المصب، نظراً لأن إثيوبيا هي من تملك القدرة على حجب المياه عن هاتين الدولتين.
وفيما يتعلق بتطوير الفكر القانوني الدولي، طالب ضرورة إيجاد إطار قانوني جديد يتعامل مع تحديات الأمن المائي بجدية أكبر، مشيرًا إلى أن العالم يحتاج إلى تطوير الاتفاقية الإطارية للأمم المتحدة بشأن الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية لعام 1997 لتكون اتفاقية دولية شاملة تنظم استخدام الموارد المائية المشتركة وتضع آليات ملزمة وفعالة لحل النزاعات.
وشدد مهران على أهمية الوقت في التعامل مع هذه الأزمة، موضحًا أن كل يوم يمر دون حل عادل يزيد من مخاطر حدوث أزمة لا يمكن السيطرة عليها. ودعا المجتمع الدولي إلى إدراك أن استقرار المنطقة بأكملها يعتمد على حل عادل ومستدام لهذه الأزمة، مضيفًا أن هناك حاجة لرؤية شاملة لإدارة موارد حوض النيل تضمن الاستفادة العادلة والمستدامة لجميع دول الحوض، مشيرًا إلى أن هذا هو التحدي الحقيقي الذي يواجه المجتمع الدولي اليوم، مؤكدا أن أزمة سد النهضة ليست مجرد نزاع على المياه، بل هي اختبار حقيقي لقدرة النظام الدولي على التكيف مع تحديات القرن الحادي والعشرين، معتبرًا أنها فرصة لإعادة صياغة قواعد التعاون الدولي في مجال الموارد المائية وضمان مستقبل أكثر أمانًا واستقرارًا لشعوب المنطقة والعالم.