لعل ما يطرح السؤال عن هل يجوز للأرملة الخروج من بيتها لزيارة الأهل والأصدقاء في فترة العدة؟ هو أنه يعد من الأحكام التي قد لا يعرفها الكثيرون، رغم أهميتها ووضوحها وتحديدها في الشرع الحنيف، الذي نظم حياة العباد بما يدرأ عنهم الفتن ويحقق لهم الفلاح والصلاح، ومن هنا ينبغي معرفة هل يجوز للأرملة الخروج من بيتها لزيارة الأهل والأصدقاء في فترة العدة؟
هل يجوز للأرملة الخروج من بيتها؟
قالت الدكتورة إيمان محمد، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن الشريعة الإسلامية تسمح للمرأة بالخروج من بيت الزوجية لأداء الأعمال الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها.
وأوضحت “ محمد” في إجابتها عن سؤال: “هل يجوز للأرملة الخروج من بيتها لزيارة الأهل والأصدقاء في فترة العدة؟ وما حكم خروج المرأة أثناء فترة العدة بعد وفاة زوجها؟"، أن المرأة في فترة العدة يمكنها الخروج من المنزل لأداء بعض الحاجات الأساسية.
وأضافت: “مثل العمل إذا كان ضرورة تقتضيها حياتها اليومية، كقضاء حوائجها من طعام وشراب، أو للتداوي”، مؤكدة أن الشريعة الإسلامية تبيح لها أيضًا الخروج لزيارة الأقارب إذا كانت هناك حاجة ملحة لذلك، مثل زيارة الأبناء أو الأهل المرضى، شريطة أن تكون الزيارة في النهار وتعود إلى بيتها في المساء.
ونبهت إلى أن السفر خلال فترة العدة يجب أن يكون مبررًا بضرورات قوية، مثل السفر إلى مكان يضمن لها المساعدة في حال كانت مريضة أو في حالة تقدم في السن، مما يجعلها بحاجة إلى الانتقال إلى مكان يوفر لها الرعاية.
وذكرت أن السفر بدون حاجة ملحة يتعارض مع أحكام الحداد التي تتطلب بقاء المرأة في بيت الزوجية، منوهة إلى أن الشريعة الإسلامية توازن بين الحفاظ على التقاليد والاحتياجات الضرورية للمرأة، ما يوفر لها فرصة التعامل مع الوضع بمرونة مع الالتزام بالضوابط الشرعية، مشددة على أهمية الالتزام بهذه القواعد لتفادي أي تجاوزات وضمان احترام حقوق المرأة في فترة العدة.
حكم خروج الأرملة في فترة العدة
وكانت دار الإفتاء المصرية أفادت بأنه يجوز شرعًا للمرأة المعتدة من وفاة زوجها أن تخرج من بيتها لزيارةِ أهلها وصاحباتها لتأنس بوُدِّهِم والحديث معهم، ليلًا كان ذلك أو نهارًا، ما دامت تأمن على نفسها، بشرط التزامها بعدم الزينة وكذلك بالمبيت في بيتها.
ولفتت إلى أنه شرع الله تعالى عدة المرأة المُتوفَّى عنها زوجُها، وقد كانت في أول الإسلام حولًا كاملًا؛ تفجعًا وحزنًا على وفاته، فجعلها الله تعالى أربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملًا.
واستشهدت بقول الله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ [البقرة: 234].
واستطردت: “فإن كانت المرأة حاملًا فإنَّ عدتها تنتهي بوضع الحمل؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ﴾ [الطلاق: 4]؛ ويكون ذلك بأن تمكث المرأة في بيتها تاركةً للزينة والطيب ونحوهما؛ كلُبس الحلي".
وواصلت: “إلا أنها يباحُ لها أن تخرجَ من بيتها لزيارة جاراتها أو أهلها لتَأْنَسَ بوُدِّهِم والحديث معهم؛ ليلًا كان ذلك أو نهارًا، خصوصًا إذا تعلق الأمر بمَن لها حقٌّ عليها من الأقربين من الأهل أو غيرهم ممن تُلَامُ على ترك زيارتهم، وأن هذا ممَّا يحصل به مواساتها في مصابها ورفع الضيق عنها من أهلها وذويها وصاحباتها، مع التزامها بإحدادها، وأن ترجع فتبيت في بيتها”.
وأكملت: "إذ إنها بطول المكث منفردةً وحبيسةً في بيتها تكون عُرضةً للإصابة بالأمراض النفسية والجسدية، وليس هذا هو مراد الشرع من فرض العدة، وإنما هي أمرٌ تعبديٌّ في أصل مشروعيته، وليس الغرض منها عزل المعتدة عن المجتمع ومنعها عن القيام بشؤونها الحياتية وصِلَاتِهَا الاجتماعية، بل إِنَّ الشَّرِيعَةَ إنَّمَا جَاءَتْ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ فِي عَاجِلَتِهِمْ وَآجِلَتِهِمْ لِتَأْتِيَهُمْ فِي الدَّارَيْنِ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهَا؛ كما قال الإمام القرافي في "الفروق" (4/ 224، ط. عالم الكتب)"|.
ونوهت إلى أنه يدُلُّ عليه: ما أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"، والبيهقي في "السنن الكبرى"، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: اسْتُشْهِدَ رِجَالٌ يَوْمَ أُحُدٍ، فَآمَ نِسَاؤُهُمْ وَكُنَّ مُتَجَاوِرَاتٍ فِي دَارٍ، فَجِئْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْنَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَوْحِشُ بِاللَّيْلِ، فَنَبِيتُ عِنْدَ إِحْدَانَا، فَإِذَا أَصْبَحْنَا تَبَدَّدْنَا إِلَى بُيُوتِنَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «تَحَدَّثْنَ عِنْدَ إِحْدَاكُنَّ مَا بَدَا لَكُنَّ، فَإِذَا أَرَدْتُنَّ النَّوْمَ فَلْتَأْتِ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ إِلَى بَيْتِهَا».
وأشارت إلى أن هذا هو المستنبط من نصوص فقهاء الشافعية؛ فإنهم أجازوا خروجها للاستئناس وكسر حاجز الوحشة، ولم يستثنوا من ذلك شيئًا؛ فيدخل فيه خروجها للزيارة وغيره؛ قال الخطيب الشربيني الشافعي في "مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج" (5/ 106 ط. دار الكتب العلمية): [ولها الخروج في عدة وفاة في النهار لشراء طعامٍ وغزلٍ ونحوه، وكذا ليلًا إلى دارِ جارةٍ لغَزْلٍ وحديثٍ ونحوهما، بشرط أن ترجع وتبيت في بيتها] اهـ.