تعرضت مفاوضات سد النهضة لمنعطفات كثيرة خلال السنوات الثلاث عشر الماضية، فكانت البداية عند زيارة رئيس الوزراء المصري الأسبق الدكتور عصام شرف لإثيوبيا فى مايو 2011، وتشكيل لجنة الخبراء الدوليين.
جولات باءت بالفشل
وقال الدكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة إنه بعد ذلك توالت الجولات سواء عن طريق مفاوضات مباشرة تارة بين طرفي النزاع مصر والسودان كدولتي مصب، وإثيوبيا كدولة منبع، وتارة أخرى بتدخل على استحياء من الولايات المتحدة الأمريكية فى 2019/2020، وعقد جلستين لمجلس الأمن الدولى فى 2020، و2021، وبرعاية الاتحاد الإفريقى على مدار السنوات الأخيرة، وباءت جميعها بالفشل الذريع.
وأضاف الدكتور عباس شراقي عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أن الجولة الثامنة كانت بدون وسطاء أو مراقبين وانتهت فى 19 ديسمبر الماضي بفشل فاق كل المحاولات السابقة، وانتاب جميع الأطراف صمت شديد حتى تداولت حديثا بعض وسائل الإعلام عن نسمات خفيفة لتدخل تركي لتحريك المياه الراكدة للمفاوضات.
وأشار الدكتور عباس شراقي إلى أن تركيا لها علاقات طيبة مع إثيوبيا سياسية واقتصادية، حيث تجاوز إجمالي حجم الاستثمار 2 مليار دولار، كما أن تركيا تتوسط حاليا بطلب من إثيوبيا لحل المشكلات الاثيوبية مع دولة الصومال بعد الاتفاق الاثيوبى فى أول يناير الماضى مع أرض الصومال التي أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991 لكن لم تحظ باعتراف المجتمع الدولي، تشمل النقل البحري واستخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر.
وأكمل شراقي أنه فى نفس الوقت شهدت العلاقات المصرية التركية تقدما كبير بعد زيارة الرئيس التركى للقاهرة فى فبراير الماضى بعد 12 عاما من القطيعة، وتبادل زيارات وزراء الخارجية للبلدين تمهيدا لزيارة الرئيس السيسى لتركيا.
وأكد أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة أن علاقة تركيا طيبة بالبلدين وتربطها بهما علاقات قوية، مما يتيح لها أن تكون طرفًا وسيطًا او راعيًا، وتركيا لها خبرة كبيرة فى إنشاء السدود حيث أنها تملك أكثر من 600 سد على الأراضى التركية، بعضها شُيد على أنهار دولية مثل دجلة والفرات، وعقدت مع سوريا والعراق اتفاقيات مائية لم تنفذه بالشكل الذى يرضى الطرفين الآخرين.
ونوه بأن موضوعات المفاوضات اختلفت على مدار السنوات السابقة فبدأت بمواصفات سد النهضة، ثم عملية الملء الأول الذى سوف ينتهى الشهر القادم وبالتالى خرج من المفاوضات فى حالة عودتها، وتعقدت الأمور فى مفاوضات سد النهضة الأخيرة ليس فقط بسبب رفض إثيوبيا الاعتراف بحصة مصر المائية، ولكن أيضا لطلب إثيوبيا حصة مائية، ورفض مصر الموافقة على نقص تلك الحصة، وعدم التعاون فى الملء الأول كما نص إعلان مبادئ سد النهضة 2015 فى بنده الخامس "التعاون فى الملء الأول وإدارة السد" الذى لم يصبح له أى قيمة، وخلافات أخرى حول طريقة تشغيل سد النهضة فى فترات الجفاف، وطريقة تسوية الخلافات فى المستقبل.
وأوضح أنه رغم أن سد النهضة اكتمل بنسبة تكاد تكون 100% إنشائيا، وحوالى 60% كهربائيا، إلا أنه يظل الوصول إلى اتفاق فى سد النهضة أمر ضروري ليس فقط لتنظيم العلاقات المائية لسد النهضة ولكن لترسيخ قاعدة أساسية وهى التشاور والاتفاق على أى مشروع آخر فى المستقبل.
جدير بالذكر أنه على مدار 12 عامًا من الزمن، فرضت قضية سد النهضة نفسها وسط تقديم القاهرة مقترحًا فنيا عادلًا يراعي مصالح إثيوبيا التي وضعت حجر أساس سد النهضة بسعة 74 مليار متر مكعب، بدلا من 14 مليارًا كانت مقررة في السابق، وواصلت البناء حتى أنهت الملء الرابع بكمية تقدر بنحو 41 مليار متر مكعب وبدأت في الخامس، في خطوات أحادية أكدت مصر أن استمرارها يشكل "خطرًا وجوديًا".
وسبق أن أعلنت وزارة الموارد المائية والري انتهاء "المسارات التفاوضية" بشأن سد النهضة بعد سنوات من استغلال الغطاء التفاوضي "لتكريس الأمر الواقع على الأرض"، ورفضت إثيوبيا الأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية الوسطى التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، وفق بيان وزارة الري في ديسمبر 2023، الذي أشار إلى أن أديس أبابا تمادت في "النكوص عما جرى التوصل إليه من تفاهمات لتلبية مصالحها". فهل تتوسط تركيا لجولة تاسعة لمفاوضات جديدة حول سد النهضة؟.