قال الدكتور أسامة فخري الجندي، من علماء وزارة الأوقاف، إن بعض العلماء حصروا الفتن في أمرين، وهما شهوات وشبهات، منوهًا بأن الذي يأخذ بالناس إلى الفتنة إما شبهه، أو شهوة.
أسباب الوقوع في الفتن
وأوضح “ فخري” ، أن بعض الناس لديهم شبهات في أذهانهم، كثيرًا ما تكون الأسباب التي تجعل الإنسان يقع في فتنة من الفتن، أو في معصية من المعاصي، هي الشبهات التي تصوره على أنها حق، فيضل بعقله ويضل الناس بهذه الشبهات.
وأضاف أن بعض العلماء قال إن الفتن نوعان: نوع يتعلق بالشبهات، ونوع يتعلق بالشهوات، وبطريقة بسيطة، لكي نفهم، السبب في الشبهات هو فساد العقول، وسبب الشهوات هو فساد القلوب، إذًا لدينا السببين الرئيسيين الذين من خلالهما تأتي الفتن.
ونبه إلى أن فساد العقول، يعني الجهل، عدم العلم، وعدم البصيرة، ولذلك نقول دائمًا أن أهل العلم هم خلاص الوجود، وهم أمانة الله على خلقه، وهم الذين يحفظ الله بهم هذه الأمة من الزيغ والضلال، ما من خير في هذا الوجود إلا وأصله ومنبته من العلم، وما من شر إلا وأصله ومنبته من الجهل.
وأشار إلى أن هناك نوعين من الفتن، لكي تركز وتضع الفتنة التي تعرضت لها في أي جانب من الاثنين: الجانب الأول بسبب الشبهات، وسببه فساد العقول، الجهل والحمق، ومن الممكن، كما ذكرتَ، أن يكون الهوى أيضًا له تأثير.
وبين أنه قد يكون عند الإنسان علم، ولكن هواه فاسد، فيسخر هذا العلم في خدمة شهواته الشخصية، كما نرى من بعض الناس الذين يبتعدون عن الأصول دائمًا ولا يذكرون إلا الشبهات، ولا يذكرون إلا ما يضعف الأقوال، أو لا يذكرون إلا الأشياء التي لم تتداول، إذا دخل الهوى في الشيء فسد، وهذه قاعدة نحفظها جميعًا.
وتابع : لدينا عقل، وعندنا هوى، العقل وظيفته أنه يعقل حركة الإنسان حتى يجعلها منضبطة مع المنهج الإلهي، إذا كان ما تميل إليه النفس بطريق مشروع، يعاضده العقل ويقول له استمر، أما إذا كان ما تميل إليه النفس غير مشروع، يقف العقل ويقول له انتبه ، هذا طريق غير مشروع وغير موافق للمنهج الإلهي.
وأفاد بأن الأصل أن يغلب العقل الهوى، لكن إن غلب الهوى العقل، يقع في المعصية وفي المكروه، الذي هو الفتنة التي نتحدث عنها، إذًا، أول نوع من أنواع الفتن هو عن طريق الشبهات، وسببها فساد العقول، ومن الممكن أن يكون الهوى لصاحب العلم الذي يتكسب من خلاله، أو يصنع فتنة، أو يسبب شرا، سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا في مسألة الهوى، فقال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".
التحذير من الفتن
أخبرَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق الصدوق؛ أنه سيأتي على الناس زمنٌ مليءٌ بالفتن والشبهات، وحذّر منها، وأمر بالإكثار من الأعمال الصالحة؛ لتجنّب الوقوع فيها، فقال: (بادروا بالأعمالِ فتنًا كقطعِ الليلِ المظلمِ. يصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا. أو يمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا. يبيعُ دينَه بعرضٍ من الدنيا)، ويشهد المسلمون اليوم كثيرًا من الفتن تقع من حولهم.
تعريف الفتن
وتعرَّف الفتنة في اللغة بأنّها: الابتلاء والامتحان، كما يُقال: فتنتُ الذهبَ والفضة: أي أذبتهما بالنار لتمييز الجيد من الرديء، وفي الشرع تأتي بعدة معانٍ: كالتشكيك وإضلال الناس، أو التحريض والإفساد، أو المعصية، أو الكفر والشرك، أو الأذى، أو القتل، أو الحرب، أو القتال، ويُقصد بها الابتلاء الذي قد يحلّ على الفرد أو المجتمع في دينهم أو أمرٍ من أمور دنياهم.
كيفية تجنب الفتن
لاشك أنه ينبغي على المسلم أن يحرص على تجنّب الفتن والابتعاد عنها، ومن طرق ووسائل الوقاية منها ما يأتي:
- التمسّك بدين الله وتوحيده وإفراده بالعبادة.
- تحصين النفس بالعلم الشرعي، واليقين بالله، والتفقّه في أمور الدين؛ وذلك من خلال التعلم من العلماء الصالحين؛ ليكون المؤمن على علم بالفتن وعلى استعدادٍ لمواجهتها، وليتنبّه منها.
- اللجوء الدائم إلى الله -سبحانه وتعالى- بالدعاء بأن يحمينا من الوقوع فيها، ويثبّتنا على الحق، ويصرف عنا الباطل الذي قد يشتبه بالحقّ.
- التوبة إلى الله من الذنوب والمعاصي.
- الإكثار من الأعمال الصالحة، والعبادات، والذكر، والاستغفار، والتقرب إلى الله تعالى؛ فذلك يجلب التوفيق من الله، وينجي من الوقوع في شباك الفتنة.
- إمساك اللسان، وتجنّب الحديث والخوض في موضوع الفتنة الحاصلة، والبعد عن المناقشة بغير علم والوقوف بجانب طرف دون طرف لمجرّد ميل قلبي فقط.
- الرفق والتمهّل في المواقف والتصرفات كلّها، وممّا يعين على التمهّل استخارة الله -عز وجل- قبل القيام بأي عمل، واستشارة أهل العلم والصلاح.
- الإكثار من الصدقات في السرّ والعلن؛ لأنّ صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وبالتالي تبعد الوقوع في الفتن.
- العلم بأنّ الفتن التي تحصل لم تكن لتحصل إلا بإذن من الله تعالى، وكلّ أمر عنده بمقدار، فلا يوجد حدث إلا ووراءه حكمةً بالغةً من الله.
- مواجهة العدوّ الظالم عندما تكون الفتنة والهجوم من قِبَله، وعدم الاستسلام والركون إليه بحجّة أنّ هذا قَدَر.
- العكوف على قراءة القرآن الكريم وتدبّره؛ لأنّ فيه حياةً للقلوب وشفاءً لما في الصدور، والتعلّق بالله تعالى، وعدم الانسياق وراء الشبهات.
- الاهتمام باتباع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنّ الاكتفاء بإصلاح النفس، والإعراض عن إصلاح الآخرين، وإنكار المنكر يجلب عقاب الله.
- الحذر من المنافقين، والابتعاد عنهم، وعدم الخوض معهم؛ لأنّهم أصحاب فتن.
- لزوم الصالحين وجماعة المسلمين، والحذر من الاختلاف والفرقة.
- حسن الظن بالله تعالى والتفاؤل بأنّ الفرج قريب، وأنّ المحن والفتن لا بد من زوالها.