في 9 يونيو 1967، تمر ذكرى تنحي الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر عن السلطة. في ذلك اليوم، أعلن عبد الناصر في خطاب للشعب تنحيه عن رئاسة الجمهورية، وذلك على خلفية الهزيمة التي منيت بها مصر في حرب الأيام الستة في عام 1967.
[[system-code:ad:autoads]]
على الرغم من تحمل عبد الناصر المسؤولية عن هذه الهزيمة، إلا أنه تراجع عن قراره في اليوم التالي. ذلك بعد أن خرج ملايين المصريين للتظاهر رفضًا لتنحيه. فما السبب وراء رفض الشعب المصري لتنحي الزعيم الراحل عن السلطة، على الرغم من الهزيمة العسكرية التي شهدتها مصر في تلك الحرب؟
[[system-code:ad:autoads]]
هذا السؤال يثير إشكالية مهمة حول العلاقة بين القيادة السياسية والشعب في مصر خلال تلك الفترة التاريخية الحرجة.
يقول حسنين هيكل فى شهادته التى ذكرها فى كتاب "كلام فى السياسة، ص232 – 234)": "ما حدث فى 10 يونيو مليء بالمفاجآت المدهشة للدنيا كلها، خرجت كُتل من الناس فور انتهاء جمال عبد الناصر من إلقاء خطاب التنحى تطالبه بأن يبقى مكانه وأن يواصل عمله، وخرجت الجماهير فى كل بلد عربى تصر على مواصلة القتال وتحت قيادة عبد الناصر".
وفسر"هيكل" ذلك المشهد، قائلا: "ظل عبد الناصر ساعات لا يصدق ما جرى ويسأل نفسه فى حيرة (ليه)، لأجيبه: الناس لا يعرفون أحدًا غيره، وأن عليه حتى بمسئوليته عما جرى أن يجد للأزمة مخرجًا مشرفًا، قررت جماهير الأمة أن تحمل المسئولية وتقف تقاتل على الجسور".
ويرى الباحث شريف يونس فى كتابه "الزحف المقدس: مظاهرات التنحى وتشكيل عبادة ناصر" أن مظاهرات 9 يونيو، كانت "عفوية"، لكنها عفوية "بنت التعبئة" ولا تشكل نقيضًا لها، وهى ظاهرة تعبر عن العجز السياسي، وتفسر علاقة الشعب بعبد الناصر، ففى نظره، هذه العلاقة لم تتبد مثلما تبدت فى تلك المظاهرات، التى رسمت مركزية عبد الناصر فى النظام السياسى والوعى العام.
ويوضح "يونس" بأن المظاهرات كانت عفوية، إلا أنها، وبعكس ما ذهب إليه هيكل فى تفسيره، كانت نتيجة تحطيم طويل المدى للحياة السياسية، فتلك العفوية صدرت عن شعور ووعى متراكم عبر 15 عامًا من حكم الضباط الأحرار، تم تشكيله باستخدام تعبئة أيديولوجية متواصلة داخل أذهان الناس وعواطفهم وتوجهاتهم، وهذا.
المؤرخ عبد العظيم رمضان انتقد الرأى الذى ينسب مظاهرات 9 يونيو إلى تدبير الاتحاد الاشتراكي، مشيرًا إلى أنه يغفل أن هذا التنظيم لم يكن يتمتع بشعبية بين الجماهير تمكنه من أداء هذا الدور الضخم، فقد كان مكونًا من قيادات غير جماهيرية وصلت إلى مواقعها بإرداة الحاكم، وأن مثل هذا التنظيم كان بوسعه فقط أن يخرج بمظاهرات مأجورة لاستقبال زائرعند قدومه إلى مصر.
ويرى "رمضان" أن اتهام المظاهرات بأنها مدبرة مهين جدًا للشعب المصري، وأن رؤية شباب الاتحاد الاشتراكى فى هذه المظاهرات ليس دليلًا على وجود عنصر التدبير، فهم فى النهاية جزء من شباب البلد، وانفعلوا بالاستقالة كما انفعل شباب مصر.