حالة من الاضطراب يعيشها الدولار الأمريكي، الذي يستعد لأسوأ عام له منذ بدء جائحة كورونا (كوفيد 19) قبل 4 أعوام، فيما تراهن "وول ستريت" على اتجاه البنك المركزي الأميركي إلى خفض الفائدة بعد السيطرة الآمنة على الأسعار وتراجع معدلات التضخم.
وانخفض مؤشر "بلومبرج" للدولار الفوري بنحو 3% منذ يناير، ما يعد أكبر تراجع سنوي للعملة الأميركية منذ 2020، وحدث القدر الأكبر من الانخفاض خلال الفصل الرابع من العام، نتيجة تزايد الرهانات على إجراء الفيدرالي تيسيراً نقديا شديدا في 2024.
خسائر الدولار الأمريكي
ويأخذ متداولو عقود المقايضة في حسبانهم حاليا أن الفيدرالي الأمريكي سيخفض الفائدة 150 نقطة أساس على الأقل، على أن يحدث أول خفض في مارس المقبل.
ومنذ أطلق المركزي الأميركي دورته لتشديد السياسة النقدية في أوائل 2022 كانت التوقعات المرتبطة بمقدار الحاجة لرفع الفائدة محركا أساسيا للدولار.
ولكن مع تواتر البيانات الاقتصادية التي تشير إلى استمرار تباطؤ التضخم في الولايات المتحدة، تحول تركيز المستثمرين للموعد الذي قد يبدأ فيه المركزي الأمريكي في خفض أسعار الفائدة.
وانخفض الدولار مقابل سلة من العملات 0.02% إلى 101.18، ويسير قرب أدنى مستوى في 5 أشهر عند 100.61 الذي سجله في الجلسة السابقة.
ويتجه مؤشر الدولار لتسجيل خسارة تتجاوز الـ 2% خلال هذا الشهر ونحو 2.2% للعام بأكمله، فيما أتاح ضعف الدولار متنفسا للعملات الأخرى، بما في ذلك اليورو الذي سجل في أحدث تداولات 1.1076 دولار، ويسير قرب أعلى مستوى في 5 أشهر، وفي طريقه للارتفاع بأكثر من 3% هذا العام.
وقال أماندا ساندستورم، استراتيجي الدخل الثابت وسعر الصف لدى "إس إي بي"، إن الأسواق تستعد لسيناريو خفض الفيدرالي أسعار الفائدة على نحو كافي لتحفيز الاقتصاد دون إشعال الضغوط التضخمية.
وأضاف المحلل، أنه من المرجح استمرار ضعف الدولار في 2024 جراء ضعف البيانات الأمريكية ولكن ليس إلى الحد الذي قد يثير رهانات العزوف عن المخاطرة على الأصول الآمنة مثل العملة الخضراء.
من جهته يمضي الجنيه الإسترليني في طريقه لتحقيق مكاسب سنوية بـ 5% وهو أفضل أداء له منذ 2017. وارتفع الإسترليني في أحدث التداولات 0.04% إلى 1.2740 دولار.
هل فقد الدولار بريقه؟
وفيما يتعلق بالدولارين الأسترالي والنيوزيلاندي الحساسين للمخاطر فهما في طريقهما لتحقيق مكاسب 3.5 و3% خلال الشهر على التوالي، على الرغم من أنهما لم يشهدا تغيرا يذكر خلال العام.
وفي آسيا، يتجه الين لتسجيل انخفاض بأكثر من 7% في 2023 ليواصل التراجع للعام الثالث بضغط من السياسة النقدية فائقة التيسير التي يتبناها بنك اليابان. واستقر الين في أحدث التعاملات عند 141.45 للدولار.
وفي الصين، يتجه اليوان في البر الرئيسي لتسجيل خسارة سنوية تقارب الـ 3% بضغط من تعثر تعافي ثاني أكبر اقتصاد في العالم من تداعيات كورونا. وبلغ اليوان في أحدث تعاملات 7.0925 للدولار، في حين وصل سعره في الخارج إلى 7.0898 للدولار.
من جانبه أكد محللون في المصرف الفرنسي الشهير ناتيكسيس (Natixis) قاموا بتحليل أداء مؤشر الدولار الأمريكي كعملة احتياطي نقدي خلال الفترة الماضية، أنه بالرغم من تراجع أهمية الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي، إلا أن أهمية الدولار كعملة احتياطية ومستخدمة في المعاملات التجارية والمالية لم تتضاءل.
وأشار الخبراء، إلى أن الولايات المتحدة كانت تمثل 35% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بعام 1986، ومن ثم انخفضت لنحو 26% عام 1990، لكن النسبة ارتفعت لحوالي 29% عام 2000، في حين سجلت الولايات المتحدة من حجم النمو العالمي نحو 24% و25% بعامي 2010 و2022.
ومع ذلك؛ قال المحللون بأن حصة الدولار في الفواتير التجارية واحتياطيات النقد الأجنبي ومعاملات الصرف الأجنبي لم تنخفض، رغم أن حجم الولايات المتحدة فيما يتعلق بالاقتصاد العالمي كان في انخفاض مضطرد.
وحول هيمنة الدولار، قال الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل خطة التنمية المستدامة لعام 2030، إنها لا تزال مستمرة ورغم انخفاض نسبته في إجمالي الاحتياطي الدولي فإنها الأعلى بما يعادل ثلاثة أمثال نصيب اليورو، الذي يمثل 20 في المائة من إجمالي الاحتياطي الدولي.
وبشأن تأثير تحالف بريكس، أوضح أن بريكس يستهدف منافسة الولايات المتحدة والغرب، وكسر هيمنة الدولار الأمريكي لا سيما فيما يخص التمويل والديون، من خلال طرح بدائل وحلول مختلفة لشغل مساحة أكبر على الساحة الاقتصادية الدولية، وخاصة في ظل الخطر الآتي من المشاكل المالية الأمريكية المتصلة بسوء الحوكمة وتبنّي سياسة خارجية متشددة تقوم على استخدام العقوبات الاقتصادية سلاحاً دبلوماسياً.