عمليات استهداف سفن تجارية بمدخل البحر الأحمر بصواريخ ومسيرات يطلقها الحوثيون من السواحل اليمنية، ازدادت في الأسابيع الأخيرة، وكان أحدثها ما أعلنه الحوثيون، الإثنين، في بيان، من استهداف لسفينتي نفط وحاويات "لهما ارتباط بالكيان الصهيوني".
وأعلن وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الإثنين، خلال زيارته البحرين تشكيل تحالف دولي يضم 10 دول للتصدي لهجمات الحوثيين المتكررة على سفن يعدونها "مرتبطة" بإسرائيل في البحر الأحمر.
تحالف حارس الازدهار
وقال أوستن في بيان، إن التحالف الأمني سيعمل "بهدف ضمان حرية الملاحة لكل البلدان ولتعزيز الأمن والازدهار الإقليميين"، ويضم كلا من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والبحرين، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، وهولندا، والنرويج، وسيشل، وإسبانيا.
وتتصاعد حدة المخاوف من التحالفات العسكرية في البحر الأحمر، الذي يعد شريانا حيويا لحركة التجارة العالمية، وممرا استراتيجيا "يستقطب اهتماماً وتنافساً دوليا متصاعدا"، في ظل وجود الكثير من القوى البحرية والقواعد العسكرية بمنطقة القرن الأفريقي.
ويمر بمنطقة البحر الأحمر نحو 40% من حركة التجارة العالمية، كما "مرت نحو 12% من إجمالي النفط المنقول بحرا في النصف الأول من 2023، وكذلك 8% من تجارة الغاز الطبيعي المسال من باب المندب وخط أنابيب سوميد وقناة السويس"، حسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأميركية.
ويثير تسارع وتيرة التحركات العسكرية في البحر الأحمر مخاوف من توسع رقعة المواجهة في المنطقة التي يوجد بها الكثير من القوى البحرية الدولية، إضافة إلى وجود 11 قاعدة عسكرية في منطقة القرن الأفريقي القريبة من مدخل البحر الأحمر، لدول متنافسة إقليمياً ودوليا، من بينها "الولايات المتحدة، والصين، وفرنسا، وتركيا".
كما تسعى روسيا للوجود في المنطقة "عبر التعاون مع إريتريا"، إذ سبق أن أُعلن خلال زيارة العام الماضي لوزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، إلى أسمرة، اتفاق للاستفادة من الخدمات اللوجستية لميناء "مصوع" الإريتري.
من جانبه أكد وزير الخارجية، السفير سامح شكري، اليوم الخميس، أن الدول المطلة على البحر الأحمر "تتحمل مسؤولة حمايته"، في تصريحات تأتي في ظل استمرار الهجمات الحوثية ضد سفن في البحر الأحمر، وإعلان تحالف دولي لمواجهتها.
وقال شكري خلال مؤتمر صحفي مع نظيره البريطاني ديفيد كاميرون: "نشترك في مبادئ خاصة بحرية الملاحة وضرورة الحفاظ عليها، الدول المشاطئة تتولى مسؤولية تأمينه، ونواصل التعاون مع كثير من شركائنا لتوفير الظروف الملائمة للسماح بحرية الملاحة وتيسير النفاذ لقناة السويس".
حماية الملاحة الدولية
وتابع الوزير شكري: "بريطانيا عضو في تشكيل وحدة بحرية جديدة في هذا الإطار، ومصر لها علاقات وتعاون مع شركائها في أطر أخرى، ومستمرون في التنسيق والحديث حول أفضل الوسائل لتوفير حرية الملاحة، ومنع أي تأثيرات سلبية على سلاسل الإمداد".
من جانبه، قال وزير الخارجية البريطاني: "ناقشنا مسألة أمن البحر الأحمر، وهناك عدة دول تشارك في قوة بحرية وبريطانيا من بينها، من المهم جدا تأمين البحر الأحمر سواء لمصر أو بريطانيا أو العالم، وإلا ستتأثر سلاسل الإمداد"، متابعا: "لن نسمح بحدوث ذلك، الحفاظ على الممرات المائية أمر مهم ونتعامل معه بجدية".
فيما يرى خبراء يمنيون أن عملية حارس الازدهار لن تتمكن من تأمين البحر الأحمر ما لم تعمل على تحجيم قدرات مليشيات الحوثي واستهداف مصدر قوتها المتمثلة في الصواريخ المضادة للسفن وورش الطائرات المسيرة والقوارب المفخخة.
وأكد الخبراء، أن خطوة المجتمع الدولي لا تكفي لردع الحوثيين وأنه كان الأولى تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية ودعم القوات اليمنية المحلية لاستعادة الأراضي من تحت سيطرة المليشيات خصوصا موانئ الحديدة التي تتخذها قاعدة انطلاق لتهديد البحر الأحمر.
من جانبها قالت مديرة وحدة الرصد والترجمة بالمنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، شيماء المرسي: منذ تصاعد العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، وهجمات جماعة الحوثي على السفن تتزايد عند مضيق باب المندب، بدعوة التضامن مع الفلسطينيين، واعتراض أي سفينة تابعة لإسرائيل إلى أن أصبح هنالك تهديد فعلي وخطرا على حركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر.
وأضافت "المرسي" - خلال تصريحات لـ"صدى البلد"، أنه لا شك أن خطوة تشكيل تحالف دولي لدعم حرية الملاحة في البحر الأحمر خطوة مهمة، لصد الهجمات الحوثية التي باتت تؤرق الكثير من الدول، بالإضافة إلى تداعياتها على سلسلة التوريدات العالمية والتي لم تتعافى بشكل كامل من جائحة كورونا، واللافت للنظر هنا هو غياب ردود الفعل الإيراني عن المشهد، خاصة وأن جماعة الحوثي بمثابة وكلاء لديها في اليمن، وقد يكونون الأكثر ملائمة لتوسيع نطاق الحرب مع إسرائيل وفقًا لما يتم تداوله في الأوساط السياسية الإيرانية.
وأشارت مديرة وحدة الرصد والترجمة بالمنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية إلى أن مواقف إيران في دعم محور المقاومة، قوبلت بالنقد والهجوم، وأنها ليست سوى شعارات ثورية لا ترقى إلى مستوى الفعل الحقيقي.
التعاون ضد الحوثيين
فيما حذرت إيران من التعاون مع الولايات المتحدة ضد جماعة الحوثي، ودافع مستشار المرشد الإيراني للشؤون السياسية علي شمخاني، الإثنين، عن هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر، ووصفها بـ"الشجاعة"، مضيفاً أن "انضمام أي بلد إلى الائتلاف الأميركي لمواجهة هذه الأعمال، مشاركة مباشرة في جرائم إسرائيل"، وفق ما أوردت وكالة (إيسنا) الرسمية.
يذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تقدم الولايات المتحدة فيها على تشكيل تحالف بحري لتأمين الملاحة البحرية، ففي نوفمبر 2019 بدأ تحالف بحري باسم "سانتينال" بهدف تأمين المياه الإقليمية، بعد سلسلة هجمات إيرانية استهدفت ناقلات نفط وسفنا تجارية في الخليج العربي، وخليج عمان.
كما اجتمعت دول أوروبية بقيادة فرنسية في مهمة "المبادرة الأوروبية للرقابة البحرية في مضيق هرمز" بالتنسيق مع القوات الأميركية بهدف تأمين أمن الملاحة وردع التهديدات الإيرانية.
كما تعمل في المنطقة فرقة العمل المشتركة (153)، التي تأسست في أبريل 2022، وتختص بالأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن، وتضم 39 دولة عضواً، ويقع مقرها الرئيسي في البحرين.
وأعلنت مصر تولي القوات البحرية المصرية قيادة قوة المهام المشتركة منتصف ديسمبر 2022، إذ حددت حينها الهدف في "تحسين البيئة الأمنية بجميع المناطق والممرات البحرية وتوفير العبور الآمن لحركة تدفق السفن عبر الممرات الدولية البحرية والتصدي لكل أشكال وصور الجريمة المنظمة التي تؤثر بالسلب على حركة التجارة العالمية ومصالح الدول الشريكة"، فيما تتولى الولايات المتحدة قيادة تلك القوة اعتباراً من 12 يونيو 2023.